رغم وقوفي بثبات و دون تردد في جانب الوطن و الرئيس و الجيش كخيار لا رجعة عنه و لا داعٍ لمناقشة حيثياته، إلا أنني لست مؤيداً أو موافقاً من الأساس على انخراط كافة وسائل الإعلام المصرية المرئية والمسموعة والمقروءة ، على مدار الساعة ومن خلال الفضائيات والإذاعة والصحف، بل وحتى من خلال اللافتات في الشوارع ولوحات الإعلانات على الطرق السريعة، في سرد تفاصيل المؤامرات والتحالف مع أعداء الوطن، ونشر صور وفيديوهات أحداث العنف وجرائم القتل والاغتيالات وتفجير الكنائس التي قامت بها جماعة الإخوان المسلمين خلال الأعوام الماضية، وكأن ذلك هو ما سيمنح الشرعية للرئيس كلما برزت دعوات التظاهر وإسقاط النظام والتحريض على الجيش من هنا أو هناك !!
فالرئيس جاء من خلال انتخابات راقبتها المنظمات الدولية، وشهد العالم بنزاهتها، والحكومة جاءت بتكليف من الرئيس المنتخب، و الجيش لا يحتاج لمن يسرد إنجازات الرئيس لكى يستمر في تأدية واجبه التاريخي في حماية هذا الوطن كما فعل في يوليو و أكتوبر يونيو !
قناعتي الراسخة هي أن ما يحتاجه الرئيس فعلاً ليقف بقوة في وجه مخططات القوى الخارجية و عملائها في الداخل هو الدعم الحقيقي له ولسلطاته الدستورية من خلال كيانات سياسية قوية تمثل الشعب المصري وتعكس حجم تأييده لقيادته، وذلك لن يتحقق إلا من خلال إتاحة الساحة السياسية لكل الأصوات الوطنية ومنح المزيد من الحريات لأولئك الذين يضعون مصلحة الوطن ومستقبله كأولوية قصوى، حتى وإن اختلفت رؤاهم مع تلك التي تمتلكها السلطة ومن يوالونها، والعمل على إزالة العقبات التي تحد من قدرتهم على التواصل مع السلطة من جانب و مع جموع الشعب من جانب آخر، فتقدم الأمة لن يتأتى من خلال برلمان الصوت الواحد، والمستقبل لا يمكن رؤيته من خلال منظورالعين الواحدة!
ما يحتاجه الرئيس هو وصول صورة الداخل المصري الحقيقية للعالم لدحض الصورة الكاذبة و المشوهة التي تروج لها أبواق الغرب و جزيرة قطر و قنوات الخليفة العثماني في اسطنبول و ذلك لن يتحقق إلا بانتهاج سياسة إعلامية جديدة تعتمد على الشفافية و تنمية الوعي و مخاطبة الخارج بلغته التي يفهمها و توظيف من يمتلكون الخبرة العملية و القبول لدى المستقبلين و من يجيدون استخدام أدوات الإعلام بكل ألوانها المرئية و المسموعة و الرقمية و ليس الاعتماد على الخطاب المعتاد الذي لا يختلف كثيراً عن مثيله في خمسينيات و ستينيات القرن الماضي و لكن مع إضافة المزيد من الألوان فقط هذه المرة!
ما يحتاجه الرئيس هو أن تتخلى الحكومة عن النظرة الاستعلائية تجاه الشعب و أن تبذل كل ما في وسعها لتشرح لرجل الشارع البسيط، والفلاح في قريته، والعامل في مصنعه، بل وللشاب في مدرسته وجامعته، كيف تم إنشاء بنية تحتية كاملة شملت شبكات الطاقة و الطرق و المرافق، و كيف تم خفض عجز الموازنة، و كيف تم زيادة التصنيف الائتماني السيادي، و كيف تم تقليص نسبة البطالة، و كيف تراجعت معدلات التضخم، و كيف زادت احتياطات النقد الأجنبي، و كيف تمكنت مصر رغم كل الظروف من زيادة الناتج المحلي الإجمالي بصورة ملحوظة، و كيف تؤثر الإجراءات التي تم تنفيذها لتمويل و تنفيذ كل ذلك على كل فرد منهم في الحاضر و المستقبل، و كيف سيتم بذل المزيد من الجهد للوصول إلى ما نص عليه الدستور من مخصصات للتعليم و الصحة و العدالة الاجتماعية، بدلاً من تركهم فريسة لإعلام المرتزقة الذي يزرع داخل عقولهم أكاذيب غياب الإنجازات، و ادعاءات انهيار الاقتصاد، و زيادة العجز، و انعدام الأمل في مستقبل مشرق!
ما يحتاجه الرئيس هو أن يدرك، أنه وبالرغم من أن اختياره للقيادة كان قراراً من الشعب تطلبته أهداف قصيرة الأجل و ضرورات مرحلية على رأسها حفظ وحدة التراب الوطني و الإبقاء على الحد الأدنى اللازم من سيادة الدولة، و هو ما أكده هو بلسانه في أكثر من مناسبة، أنه تحول لقيادة تاريخية طالما انتظرها الشعب ليتمكن من خلالها من تحقيق الرخاء الذي يتطلع إليه كل المصريين من أجل مستقبل أفضل لأبنائهم !
و لا اظنك عزيزي القارئ ستختلف معي في أن الأهداف القصيرة الأجل
لاختيار الرجل أوجبت عليه التركيز في السنوات الأولى لحكمه على محاربة الإرهاب، و
تطوير قدرات القوات المسلحة، و إعادة هيكلة منظومة العلاقات الخارجية خلال أقل فترة
ممكنة، بينما تتطلب القيادة الاستثنائية
ما هو أصعب من ذلك بكثير .. !
فبناء الوطن ووضع لبنات مستقبل واعد تتطلب قرارات صعبة بضرورة القضاء على كل علاقة لمؤسسات الدولة و الرئاسة برموز الحقبة السابقة، بكل ما تحمله الكلمة من معنى، و ذلك لا بد ان يشمل الوجوه التي سئمها الجميع ، والعقليات المهترئة التي لا يمكنها الخروج من حقبة القرن الماضي، والاستراتيجيات الاقتصادية العقيمة التي لا تعتمد في تنمية الموارد سوى منطق أمراء المماليك بتنمية الموارد عن طريق فرض المزيد من الضرائب و الاستمرار في زيادة الرسوم يوماً تلو الآخر دون طرح رؤية واقعية لكيفية تحمل الطبقات الكادحة لكل هذه الأعباء بعيداً عن الشعارات الجوفاء وقصائد التغزل في قدرة المصريين اللامحدودة على تحمل كل شيئ من أجل الوطن، ففي النهاية هناك لدى هؤلاء أفواه يجب إطعامها، وأجساد يلزم كسوتها، ولا بد من بلورة رؤية لكيفية التخفيف من وطأة الضغوط الاقتصادية الملقاة على كاهلهم قبل أن ينفجروا من جديد في غمرة انشغال القيادة بالمشاريع الضخمة و الأحلام الكبرى والمستقبل الواعد، و هو الانفجار الذي ينتظره الكثيرون في الداخل والخارج للانقضاض على مصر من جديد!
ما
يحتاجه الرئيس هو برلمان تفرزه عملية انتخابية حقيقية وبيئة سياسية صحية، وليس برلماناً
فشل من انتخبوه في التعرف على خلفيات مرشحيه السياسية و انتماءاتهم الأيديولوجية و
رؤيتهم الخاصة للجمهورية الجديدة، ولم يكن أمامهم إلا خيارين: الأول هو إيثار
السلامة و الامتناع عن التصويت و تجنب عناء الوقوف في طابور الانتخاب للتصويت
لصالح من لا يعلمون عنهم شيئاً، و الثاني وهو بذل قصارى الجهد لاستبعاد من يعلمون
فسادهم، ثم الاختيار عشوائياً من بين من تبقوا بافتراض إخلاصهم و نبل الأهداف التي
سعوا من أجلها لخوض غمار المعترك الانتخابي و انتفاء خدمتهم لمصالح خفية أو أطراف
خارجية.
و في ظل تلك المعطيات أصبح وجود برلمان يمثل كافة الأطياف السياسية والأصوات الوطنية مجرد حلم لم يمكن تحقيقه في ظل إعلان أغلبية النواب في البرلمان الحالي عن قيام ائتلاف "دعم الدولة المصرية" تنفيذاً لرغبة الرئيس في وجود جبهة برلمانية موحدة، و توقيعهم وثيقة يؤكدون فيها تجردهم من انتماءاتهم الحزبية وميولهم الفكرية واتجاهاتهم السياسية التي اختارهم الشعب الذي يمثلونه على أساسها، وهو ما أراه سيتكرر من جديد في انتخابات أكتوبر 2020 ولكن تحت مسمىً جديد هو "القائمة الوطنية من أجل مصر" والتي تضم عدداً من الأحزاب السياسية ضمن قائمة انتخابية موحدة هم حزب مستقبل وطن، حزب الوفد، حزب حماة الوطن، حزب مصر الحديثة، الحزب المصرى الديمقراطى، حزب الشعب الجمهورى، حزب الإصلاح والتنمية، حزب التجمع، حزب إرادة جيل، حزب الحرية المصرى، حزب العدل، حزب المؤتمر، بالإضافة لتنسيقية شباب الأحزاب، وهي القائمة التي لا أرى إلا أنها سترسخ لمشهد "الصوت الواحد" و ستستكمل مسلسل دعم الحكومات التقليدية التي تنتظر التعليمات و تتوقع المكافاة في المقابل، بما سيقضي في النهاية على آمال إنشاء قواعد انتخابية للأحزاب ويستبعد أولويات التواصل مع الجماهير وخلق وعي سياسي و اقتصادي و اجتماعي و تنمية إدراك حقيقي لدى الشعب لصالح أولويات قصيرة الأجل لا تتعدى تحقيق بضع مكاسب انتخابية والحصول على عدد لا بأس به من المقاعد تحت قبة البرلمان !
ببساطة .. سيجد الرئيس الدعم دون دعوات، و دون هاشتاجات، ودون طلبات للتفويض و دون مسيرات و دون لافتات و دون صخب حين يشعر المصريون أنهم شركاء حقيقيون في نجاح الوطن و ليس مجرد أدوات يمكن استدعاؤها حين يتعلق الأمر بتحمل أعباء الإصلاح أو رفض دعوات الفوضى، وحينها فقط سيجد أعداء الوطن صعوبة كبيرة في إثارة القلق و إشعال الفتنة و إسقاط الدولة باستغلال نصاب هارب و قناة عميلة و جماعة مارقة، لأنهم سيضطرون حينها لمواجهة أمة بأكملها و شعبٍ بكامل أطيافه و انتماءاته، و ليس مجرد شخص الرئيس فقط!
تحيا مصر و حفظ الله قيادتها وشعبها العظيم.
كلام في الصميم يا باشمهندس وفعلا بنظره فاحصه للاحتياجات الوضع الحالي بمصر
ReplyDeleteكلام منطقي جدا وواقعي ومحتاجين تنفيذه في الوقت الحالي أكثر من أي وقت مضى
Deleteبل هي نظرة القلق على مستقبل وحاضر هذا الوطن يا عزيزي
Delete