Thursday, April 27, 2017

مصر .. بين حقيقة التهديدات و أوهام المعونات


إيهاب الشيمي

يدهشني دائماً رد فعل المصريين حيال الكثير من الأحداث و الأخبار التي تمس مصر و التي تطالعنا بها الصحف و شاشات الفضائيات يومياً  !


فهم يضعون دولةٍ ما في مصاف الأمم العظيمة و يتسابقون في سرد تاريخها الطويل في مساندة مصر في أوقات الشدة، و حاجتنا الملحة للإبقاء على علاقاتنا القوية معها لضمان أمن و استقرار المنطقة، بل و التاكيد على حتمية نجاح تلك العلاقة رغم كل التحديات بفضل حكمة رئيسها و حنكة ملكها بل و أصالة شعبها و وعيه بحجم مصر و قدرها و مكانتها !


و لا تكاد تمضي بضعة أسابيع حتى تجد نفس تلك الدولة  و قد اتخذت مكاناً حقيراً في قعر جدول الأمم مع قائمة طويلة من الأحداث التي تبرر حقارة تلك المكانة و كيف أننا لم نجد منها الدعم الكافي حين تطلب الأمر ذلك، و كيف أننا يجب علينا التفكير بجدية في مراجعة علاقاتنا بهذه الدولة، بل و إلقاء الضوء على العوامل التي ستعمل عاجلاً أو آجلاً على انهيار تلك العلاقة بسبب تعنت قيادتها و تهور أمرائها بل و جهل شعبها و عدم درايته بمكانة مصر العظيمة و دورها في استقرار المنطقة !


للأسف .. يعتقد الكثيرون هنا في مصر دائماً أن الدول الكبرى تدار بنفس طريقة إدارة أوطاننا، حيث تسير جميع المؤسسات خلف القيادة و يتم نظم أشعار العشق في الدول التي يزورنا قادتها و نلعن جميعاً آباء أولئك الذين يخالفوننا الرأي و السياسة و التوجه الاستراتيجي !


عفواً أيها السادة .. ليس معنى أن ترامب قد استقبل السيسي بالقبلات و الأحضان و المديح أن موقف الولايات المتحدة من مصر قد تغير بين ليلة و ضحاها، أو أن الإعلام الأمريكي سيبث برامج عن مكانة مصر العظيمة و تاريخها التليد في التحالف مع واشنطن طوال أربعة عقود سابقة !


إن من يظنهم الجميع فرقاء متصارعون على السلطة في واشنطن يجيدون ببساطة  توزيع الأدوار لتحقيق المصلحة العظمى لبلادهم أو دعوني أكون أكثر تحديداً لأقول مصلحة كياناتهم الكبرى المسيطرة على دوائر صناعة القرار الأمريكي و المتمثلة في اباطرة صناعة السلاح و النفط !


و اعتقادي الجازم هو أن استقبال ترامب المميز للسيسي منذ اسابيع قليلة كان المراد منه بالأساس تذكير القاهرة أنه مازال هناك عبر الاطلنطي حليف قديم يمكنها دائما العودة إليه حين تسوء الأمور عسكرياً و سياسياً و اقتصاديا ..


و لكن في المقابل، و في توزيع مثالي للأدوار، يقوم رجال الكونجرس من الحزبين الجمهوري و الديمقراطي على حد سواء بتذكير القاهرة أيضاً أن العصا جاهزة لمن عصى إرادة القوة العظمى الوحيدة على هذا الكوكب البائس !


فكما يمكن أن يتم ترجمة جهود الجيش المصري في سيناء كإضافة لا يمكن إنكارها لجهود المجتمع الدولي و مسعى الولايات المتحدة المزعوم لمكافحة الإرهاب، إلا أن تلك الجهود يمكن التعاطي معها في الوقت ذاته على أنها مجرد مجموعة من جرائم الحرب الممنهجة ضد المدنيين العزل من معارضي النظام، و يتم بالتالي اتخاذ ما ينتقيه رجال البيت الأبيض من سلة الإجراءات العقابية المعدة سلفاً ضد مصر حين يريدون قلب الطاولة و " شد أذني" السيسي و نظامه لو لم يعد إلى صوابه و يقف من جديد في طابور أذناب الولايات المتحدة !


و لكي يمكنك تفهم ماهية الصواب الذي من المفترض أن يعود إليه السيسي، فيمكنك أولاً وضع تأييد تدمير الجيش العربي السوري بحجة الإطاحة ببشار الأسد لتتحول سوريا من دولة أنهكتها الحرب الأهلية إلى مجرد ساحةٍ غير محددة الحدود أو الهوية للصراع على السلطة بين الجماعات السنية المتشددة، و الميليشات الشيعية الموالية لطهران، و الجيش الحر المدعوم من أردوغان، و قوات سوريا الديمقراطية الكردية التي تساندها و تمولها الولايات المتحدة الأمريكية !


و لن يقتصر الأمر بالطبع على مسايرة موقف واشنطن في سوريا وحدها، بل سيمتد ليشمل تخلى القاهرة كذلك عن الشرعية المتمثلة في مجلس النواب الليبي المنتخب في طبرق و التوقف عن مساندة الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر الذي يقف وحيداً في مواجهة داعش و القاعدة و ميليشيات الإخوان و قوات فجر ليبيا و كتائب بنغازي التي تتلقى دعماً مستتراً مما يسمى بحكومة الوفاق في طرابلس و التي يرأسها فايز السراج الذي أفرزته جلسات اتفاق الصخيرات ليرسخ لحماية مصالح أوروبا و الولايات المتحدة النفطية في شمال أفريقيا !


أما اليمن، فلا أعتقد ان الأمر يهم الإدارة الأمريكية بشكل مباشر، بقدر ما يهمها دعم حليفتها الرئيسية في الرياض و التي لم تستجب القاهرة لطلبها بدفع قوات الجيش المصري إلى أتون الحرب البرية في اليمن ليظل الأمر قاصراً بشكل أساسي على الضربات الجوية التي لا يمكنها حسم الأمور في ظل تدخل بري محدود و غير حاسم لبعض قوات مجلس التعاون الخليجي و تحديداً قوات الإمارات العربية المتحدة التي تحملت العبء الأكبر و قدمت العدد الأكبر من الشهداء في هذه الحرب بمساعدة رمزية من قوات الشرعية اليمنية الضعيفة التدريب و الخبرة، و بعض وحدات القوات المسلحة السودانية التي لا يسعى البشير من خلال مشاركتها إلا لنيل حظه من المساعدات الخليجية و خاصة القطرية منها التي لا تصب إلا في اتجاه زيادة التوتر بين القاهرة و الخرطوم و دعم نظام البشير الإخواني لبسط المزيد من نفوذه الذي لم يؤدي إلا لتقسيم السودان و انتشار الصراعات العرقية و الطائفية به !


ما أريد أن الفت نظر الجميع إليه أيضاً حتى لا يبالغوا في قلقهم حيال الأمر، و حيال تهديدات أعضاء لجنة المساعدات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي بتخفيض و مراجعة حجم المساعدات المقدمة لمصر بحجة الملف الضعيف لحقوق الإنسان و الحريات في مصر و مزاعم ارتكاب الجيش المصري لجرائم حرب في سيناء هو أن تلك المساعدات لا تخدم أحداً هنا سوى الولايات المتحدة فقط !


نعم .. قد تصيبك الدهشة، و لكن هذه هي الحقيقة المجردة، فالمساعدات الأمريكية التي التزمت واشنطن بتقديمها لمصر عند توقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل كانت تبلغ مليارين و مائة مليون دولار امريكي في السبعينيات، منها مليار و ثلاثمائة مليون كمعونة عسكرية يتحملها دافعي الضرائب الأمريكيون بينما يذهب أكثر من نصفها لشراء معدات عسكرية أمريكية ينتفع من شرائها أباطرة شركات السلاح الأمريكية، بينما يتم توجيه معظم الباقي منها لتوريد قطع غيار و صيانة الأسلحة التي تشكل الأمريكية منها اكثر من 75% !


أما ما يتعلق بالثمانمائة و خمسين مليون دولار المتبقية، فيتم توجيهها لبرنامج المعونة الأمريكية الذي يخدم قطاعات اقتصادية بالأساس مع بعض الاهتمام بقطاعي الصحة و التعليم. و ما سيدهشك هنا أيضاً هو أن العقود المبرمة مع الجهات التي تنفذ مشروعات التنمية المرتبطة بالمعونة الامريكية يتم منحها لشركات أمريكية أيضاً لتقوم بتوريد أجهزة و معدات امريكية أو بتوفير مستشارين و فنيين امريكيين ليتم في النهاية إعادة أموال المعونة لمن قدموها لنا !


و دعني أفجر لك المفاجأة الأخيرة لأخبرك أن واشنطن قررت تخفيض المعونة الاقتصادية منذ عام 1998 بمقدار 40 مليون دولار سنوياً لتبلغ حاليا 250 مليون دولار فقط مقارنة بما تعتقد أنه 850 مليون دولار كما كان الحال في السبعينيات .. !
و حين تعلم أن الناتج القومي لمصر يبلغ أكثر من ثلاثة تريليونات جنيه أي ما يعادل 150 مليار دولار فإن تلك المعونة لا تتجاوز نسبتها اثنين من عشرة بالمائة من إجمالي الناتج القومي المصري !


خلاصة القول .. دعك من القلق حيال المعونات الوهمية، و لتحاول عوضاً عن ذلك اكتشاف ما هو وراء الستار و من هو المستفيد الحقيقي من الترحيب برئيسك في البيت الأبيض ثم عقد جلسات مشبوهة للكونجرس حول أوضاع حقوق الإنسان في مصر و جرائم الحرب المزعومة في سيناء، بينما تنتهك حقوق الإنسان أمام العالم كله في الأراضي الفلسطينية و بورما و الصين و تركيا بل و في الولايات المتحدة نفسها يومياً دون أن يحرك أحداً ساكناً تجاه الأمر، و بينما يرتكب جنود البحرية الأمريكية و طيارو قاذفاتها الاستراتيجية العشرات من جرائم الحرب في أفغانستان و العراق و سوريا بشكل متكرر دون أن يلفت ذلك نظر نفس المؤسسات الدولية و المجالس التشريعية في الديمقراطيات الكبرى التي لا تتحرك سوى ضد من يهدد مصالح مموليها !

Monday, April 10, 2017

الخطاب الديني بين ضرورة التغيير و خطورة المحاذير


إيهاب الشيمي

رابط المقال على روزاليوسف المصرية

قبل أن تقرأ: "أعيد نشر هذه المقالة بعد ما حدث من مناقشةٍ و لن أقول مناوشةً أو صداماً بين شيخ الأزهر و رئيس جامعة القاهرة بالأمس خلال مؤتمر الأزهر لتجديد الفكر الديني و التي يمكنك متابعتها هنا  "

ترددت كثيراً قبل أن أقرر الكتابة عن مسألة " تجديد الخطاب الديني " التي شغلت مساحة كبيرة من صفحات الجرائد و البرامج الحوارية، ناهيك عن شبكات التواصل الاجتماعي التي ملأها الجميع صراخاً و عويلاً كثيرة دفاعاً عن مواقفه و من يؤيدونها ، بل و سباباً و هجوماً في أحيان كثيرة على من يعارضونه.


و لن أكون هنا طرفاً في الأمر الذي تحول في رأيي لصراع، و لن أكون منتمياً لأحد الجانبين، و لن أخوض بالتاكيد في أمور فقهية و دعوية، فقدري أدنى من أن أخوض فيما وهب له علماء حياتهم بأكملها، و لكني أريد فقط أن أوضح بعض النقاط التي غابت عمن خاضوا هذا النقاش و فقدوا بسبب ذلك الموضوعية المطلوبة في مثل هذه الأمور ..


أول هذه النقاط هو أنه و بالرغم من وجود الأزهر في القاهرة، و أن الدعوة لتجديد الخطاب الديني جاءت من جانب الرئيس السيسي، إلا أن ذلك لا يعني أن الإسلام يحمل الجنسية المصرية، أو أن المهمة مقصورة على علماء الفقه و الشريعة و الحديث و رجال الدعوة المصريين فقط، فحين يتجاوز تعداد المسلمين المليار و نصف المليار في ست و ثمانين دولة فلا يمكننا حصر تنقيح النصوص في الأزهر فقط، أو أن ننصب بحيري رمزاً و زعيماً لتيار التنوير و التجديد في العالم الإسلامي بأسره.


الأمر الثاني، و هو أن صحيح الدين ليس ما يصر البعض من رجال الدعوة و علماء الفقه و الشريعة و الحديث على حصره في نصوص يرفضون مناقشة صحتها و افتراض قدسيتها بل و عصمتها في بعض الأحيان .. بل إن صحيح الدين، كما أراه أنا، هو ما أوحى الله به إلى عبده و رسوله محمد (صلى الله عليه و سلم ) ليوافق الفطرة السليمة التي فطر الله الانسان عليها و التي لا تختلف أسسها و معاييرها مهما اختلف الزمان أو المكان أو اللسان أو الثقافة، و تعاليمه هي التي تؤكد قيم الحرية و المساواة و العدل و التكافل التي تشترك في احترامها كل الأنظمة السياسية و الاجتماعية، بل و كل العقائد حتى غير السماوية منها، بما لا يتعارض مع المنطق الراشد و العلم الثابت بالأدلة القطعية.


الأمر الثالث، و هو أن الدين ليس مجرد تعاليم و نصوص تخضع لإعمال عقل كل شخص على حدة دون أن يكون لديه الخلفية المرجعية اللازمة لفهم النصوص، و فهم المحتوى الذي نزلت في إطاره، و كذلك ارتباطها ببعضها البعض، و نسخ بعضها للآخر. و لو أن الأمر خاضع لتفسير كل منا للنص دون الحاجة لعلوم الحديث و الفقه و الشريعة و القياس و الاجتهاد، بحجة أن الدين علاقة بين العبد و ربه، فلا يمكننا حينها أن ننتقد ما ذهب إليه متطرفون أعملوا عقولهم و فسروا النصوص تبعاً لمنطقهم الخاص ليخرج علينا في النهاية جماعات مثل الإخوان المسلمين و القاعدة و داعش و أنصار بيت المقدس، بل و من هم دونهم ممن يخرجون أسبوعياً في مسيرات عين شمس و المطرية !


الأمر الأخير، و هو أن أعداء الأمة، الذين أصر على وجودهم و على استمرارهم في حياكة المؤامرات ضدها، يجيدون و بدقة فائقة و دهاء شديد تحديد ما يقوض وحدتنا و يدمر هويتنا بداية من تأجيج الصراع الطبقي، و مروراً بمحاولة الفصل بين الجيش و الشعب، و زرع الفتنة بين طوائف الشعب، و نهاية بما يحدث الآن من محاولة استغلال النقاش حول ضرورة تنقيح المراجع و مراجعة النصوص الدينية، للتشكيك في أهلية الأزهر، و المرور من خلال التشكيك في الفروع إلى الوصول في نهاية الأمر إلى التشكيك في الأصول و تدمير أي مرجعية يمكن من خلالها مواجهة محاولاتهم لتقسيم الأمة و زرع الفرقة.


إن التنقيح و المراجعة و تجديد تفسير النصوص بما يوافق التطور العلمي و اختلاف منطق الأشياء و تغير طبيعة التحديات هو شئ حتمي لا مناص من حدوثه مهما رفض صقور الأزهر ذلك و مهما أصر البعض على عصمة نصوص كتب الحديث و السيرة النبوية، فبالرغم من إيماني الراسخ أن الله أنزل دينه و بعث رسوله بما يصلح لكل زمان و مكان حتى قيام الساعة، إلا أن إيماني أيضاً هو أن تفسير النصوص يخضع لمنطق من قام بالتفسير لحظة قيامه بذلك، و هو ما يتغير بتقدم الزمن و تطور العلوم، فما كان مستحيلاً منطقياً منذ اربعة عشر قرناً، أصبح شديد المنطقية الآن مثل إمكانية الانتقال من طرف العالم إلى طرفه الآخر بين ليلة و ضحاها، أو إمكانية التواصل صوتاً و صورة مع شخص يبعد عنك آلاف الأميال، أو حقيقة اكتشاف أن الأرض كروية تحول قوى الجاذبية دون أن نسقط من على سطحها إلى الفضاء الواسع، أو أن يصيبنا الدوار نتيجة دورانها حول نفسها !


 و لكن ما علينا أن ندركه و نعيه هو أن ذلك التنقيح يجب أن يتم من خلال القنوات الصحيحة و من خلال من نثق في علمهم و نثق في إخلاصهم لدينهم و أوطانهم و ليس لجماعة بعينها، أو لقوى استعمارية تريد استغلال ما يفرقنا.


إن التجديد في الخطاب الديني، و مراجعة النصوص و تنقيحها ليس معياره الوحيد هو الرغبة في التغيير و مواكبة التطور، أو الإعجاب بمنطق من يدعو إليه دون معرفة دوافعه الحقيقية، بل هناك من المعايير ما يجب أن نضعه كذلك في الحسبان، حتى لا يحدث في النهاية ما حدث في دولنا خلال السنوات الأخيرة من جديد، حين كانت الرغبة في التغيير السياسي حتمية، فاندفع الكثيرون وراء من انقضوا على مسيرة التغيير دون معرفة دوافعهم و ولاءاتهم، فكانت النتيجة أن استبدلنا فساد الحزب الوطني بفاشية الإخوان المسلمين، و قمع و دكتاتورية بشار بفوضى اللادولة و وحشية داعش و جبهة النصرة.


حفظ الله مصر و شعبها و جنبها شر الفتن
.