Monday, November 27, 2023

ما يحتاجه الرئيس ... !

 بقلم: إيهاب الشيمي


رغم وقوفي بثبات و دون تردد في جانب الوطن و الرئيس والجيش كخيار لا رجعة عنه ولا داعٍ لمناقشة حيثياته في هذه المرحلة الحرجة من عمر الوطن والمنطقة، بل والعالم بأسره، إلا أنني لست مؤيداً أو موافقاً من الأساس على انخراط وسائل الإعلام المصرية الرسمية وشبه الرسمية والمحسوبة على على السلطة سواء كانت تلك المرئية أوالمسموعة أوالمقروءة ، على مدارالساعة، في سرد إنجازات الرئيس خلال السنوات العشر الماضية، وكأنها جزء من حملته الانتخابية الخاصة وليست جزءاً من منظومة الدولة المصرية التي لا يجب أن تنحاز لمرشح بعينه !

قناعتي الراسخة هي أن ما يحتاجه الرئيس فعلاً ليقف بقوة في وجه مخططات القوى الخارجية و عملائها في الداخل هو الدعم الحقيقي له ولسلطاته الدستورية من خلال كيانات سياسية قوية تمثل الشعب المصري وتعكس حجم تأييده لقيادته، وليس من خلال الإعلام الموجه أو برلمان الصوت الواحد، أوالمستقبل الذي ينحصر في منظورالعين الواحدة!

ما يحتاجه الرئيس هو انتهاج سياسة إعلامية جديدة تعتمد على الشفافية مع الشعب، وتنمية الوعي لدى الجميع، كبيرهم قبل صغيرهم، ومخاطبة الخارج بلغته التي يفهمها لا بشعاراتنا الجوفاء التي استهلكناها عبر عقود من الزمن ضاعت علينا فيها الكثير من الفرص!

ما يحتاجه الرئيس هو توظيف من يمتلكون الخبرة العملية لإدارة الملفات الشائكة بصورة علمية وليس من يحظون بالثقة على حساب الإمكانيات العلمية والخبرات الحقيقية والرؤى الثاقبة !

ما يحتاجه الرئيس هو أن تتخلى الحكومة عن النظرة الاستعلائية تجاه الشعب وأن تتوقف فوراً عن التعامل معه على أنه مجرد أداة تتلاعب به وتصنفه حسبما تقتضي الأمور، فتنصبه قائداً ومعلماً وسيداً يجب طاعته حين تحتاج دعمه، وتعتبره طفلاً أخرقاً وعبئاً وإرثاً ثقيلاً حين تسوء الأحوال وتنحرف منها دفة قيادة الأمور!

ما يحتاجه الرئيس هو أن تبذل تلك السلطة كل ما في وسعها لتشرح ببساطة وسلاسة ودون تعقيد لرجل الشارع، وللفلاح في قريته، وللعامل في مصنعه، بل وللشاب اليافع في مدرسته وجامعته، ماهية التحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية التي تحيط بنا من كل اتجاه، وأهمية ما تم من إنشاء بنية تحتية كاملة، وكيف تم تقليص نسبة البطالة، وماهية الأسباب الحقيقية للزيادة غير المسبوقة لمعدلات التضخم، وعوامل التراجع الكارثي لاحتياطات النقد الأجنبي، وتفاصيل الإجراءات التي سيتم تنفيذها لتدارك كل ذلك، وتأثير تلك الإجراءات على كل فرد منهم في الحاضر و المستقبل بدلاً من تركهم فريسةً سهلة للمغرضين والعملاء والجهلاء!

ولكن .. يبقى الشيئ الأهم في قائمة ما يحتاجه الرئيس هو أن يدرك أن اختياره للقيادة، منذ عقد من الزمان، كان قراراً من الشعب فرضته ضرورات مرحلية على رأسها حفظ وحدة التراب الوطني و الإبقاء على الحد الأدنى اللازم من سيادة الدولة، وأن أمامه خيارين لا ثالث لهما، أولهما هو البقاء داخل تلك العباءة وتذكير الشعب من آن لآخر بأياديه البيضاء لإنقاذ الوطن ومحاربة الإرهاب، وتطوير قدرات القوات المسلحة، وإعادة هيكلة منظومة العلاقات الخارجية، وهي أمورلا ينكرها إلا جاهل أو حاقد ولكنها رغم كل شيئ تندرج تحت بند المهام الآنية قصيرة الأجل،  أو الخيار الثاني الذي يتطلب انتقاله من مجرد قائد مرحلي فرضته الظروف إلى قائد تاريخي يسعى لتحقيق أهداف أكثر استدامة وأعظم تأثيراً وصولاً إلى التنمية المستدامة في جميع المجالات وتحقيق الرخاء الذي يتطلع إليه كل مصري من أجل مستقبل أفضل لأبنائه !

ولا اظنك عزيزي القارئ ستختلف معي في أن الخيار الثاني، لو أراد الرئيس أن يكون ذاك هو ما يريد، يتطلب منه ما هو أصعب بكثير  من الخيار الأول !

فهو يتطلب قراراً صعباً بضرورة القضاء على كل الوجوه التي سئمها الجميع ، و العقليات المهترئة التي لا يمكنها الخروج من حقبة القرن الماضي، و الاستراتيجيات الاقتصادية العقيمة التي لا تعتمد في تنمية الموارد سوى العودة لمنطق أمراء المماليك بتنمية الموارد عن طريق فرض المزيد من الضرائب و الاستمرار في زيادة الرسوم يوماً تلو الآخر دون طرح رؤية حقيقية للحلول ..

كما يتطلب رؤية لتنمية الصناعة بشكل حقيقي عن طريق دعم استيراد مستلزمات الانتاج والعمل على تكوين خريطة كاملة لكيفية استغلال واستخراج الموارد المتاحة، و خلق شبكات الطرق والطاقة الجديدة والمتجددة بالشكل الذي يدعم هذه الصناعات، وهو ما يتطلب كذلك تصنيف تلك الصناعات وتحديد أولويات دعمها طبقاً لتأثيرها على الاقتصاد الوطني وإمكانية تكاملها مع صناعات و أنشطة أخرى لخلق فرص عمل اشمل و أوسع، و ليس فقط قصر الدعم على منح المزيد من الإعفاءات الضريبية و خفض رسوم الوقود و الطاقة التي لا تصب في النهاية سوى في خانة أرباح أباطرة الصناعة فقط ..

رؤية تشمل استراتيجية حقيقية لتنمية الصادرات ، و جذب الاستثمارات لتنمية الاحتياطيات الحقيقية والفاعلة للنقد الأجنبي، و ليس تلك الاموال الساخنة التي تعتمد فقط على سعر الفائدة المرتفع، وهو ما سيسفر في النهاية عن ضبط سعر الصرف بصورة هيكلية تضمن مصلحة المستثمر و الدولة في آن واحد، و ليس فقط عن طريق فرض اللوائح والقوانين التي تقيد التعامل في النقد الأجنبي وتحد من جاذبية مصر لفرص الاستثمار الأجنبي المباشر!

رؤية حقيقية للاستفادة من الموارد السياحية الطبيعية و الأثرية تشمل تغيير عقلية القائمين على قطاع السياحة أنفسهم بدءاً من القمة حيث يقبع رؤساء هيئات تنمية و تنشيط السياحة و نزولاً إلى أصغر حارس على مقبرة وسط الصحراء، و مروراً بأولئك الذين كسروا ذقن توت المسكين و أعادوا لصقها بالغراء في المتحف المصري، بل و تمتد لتغيير نظرة العاملين بقطاع السياحة و الشعب نفسه للسائحين كسفراء لنا حين عودتهم لديارهم، و ليس كنعاج يجب أن نجتز آخر شعرة صوف من على أجسادهم قبل أن يمكنهم المغادرة ..

وقبل ذلك كله .. رؤية لتطوير آليات و أساليب القيادة نفسها، آليات تحكمها خطوط عريضة لمعايير تقبل النقد بعيداً عن مشاعر الغضب أو الذاتية، و تحدد معايير السعي لطلب النصيحة من أولي الخبرة و الكفاءة، و تضع قواعد الحالات التي يجب فيها الاعتراف بالخطأ حين يتطلب الأمر ذلك لضمان الشفافية الكاملة، تلك الآليات و القواعد التي لا بد من إرسائها بدلاً من اللجوء دوماً لادعاء امتلاك الحقيقة المطلقة و فساد كل رأي يخالف رأي القيادة، و هو ما لن يفلح سوى في إعادتنا لمرحلة ما قبل يناير التي أكد الرئيس نفسه في عدة مناسبات أنها كانت حتمية، و أنها من جاءت به من بين صفوف الشعب ليكون عوناً له على تحقيق مطالبه !

 ببساطة .. ما يحتاجه الرئيس دون دعوات، ودون هاشتاجات، ودون طلبات للتفويض ودون مسيرات ودون لافتات ودون صخب هو أن يشعر المصريون أنهم شركاء حقيقيون في نجاح الوطن و ليس مجرد أدوات يمكن استدعاؤها حين يتعلق الأمر بتحمل أعباء الإصلاح أو رفض دعوات الفوضى، وحينها فقط سيجد أعداء الوطن صعوبة كبيرة في إثارة القلق و إشعال الفتنة و إسقاط الدولة باستغلال نصاب هارب و قناة عميلة و جماعة مارقة، لأنهم سيضطرون حينها لمواجهة أمة بأكملها و شعبٍ بكامل أطيافه و انتماءاته، و ليس مجرد شخص الرئيس فقط!



حفظ الله مصر !

 

Thursday, October 26, 2023

غزة .. بين نصرة القضية والأهداف الخفية !

بقلم:إيهاب الشيمي


قد يعد الكثيرون كلماتي هنا من باب الإغراق في نظريات المؤامرة والمؤامرة المركبة، ولكن  صفحات التاريخ التي لا يقرأها الكثيرون عادة، أو من يتعمد من قرأها أن يتجاهل إمكانية تكرارها، تحمل الكثير من الإشارات والتنبيهات التي لا نلتفت إليها في إطار لهفتنا لمتابعة حلقة جديدة من الصراع مع الكيان الصهيوني والإمبريالية العالمية الجديدة المتمثلة في الولايات المتحدة الأمريكية !

 

ذلك الصراع الذي نستدعي فيه مع كل حادث جديد مشاعر القهر والأسى والألم والكراهية و الغضب والإحساس بالعجز الشديد لننتهي أخيراً بالبحث عن نعمة النسيان والمضي قدماً في مسيرة لا نريد أن نتعلم من عثراتنا العديدة خلالها

 

فمثلما فعلت حماس و إسرائيل في نوفمبر 2008 باستهداف كلا منهما للآخر عقب فترة طويلة من الهدنة، فعل الإثنان نفس الشئ في يوليو 2014، و استخدما نفس السيناريو الذي يبدأ بقصف سرايا الجهاد الاسلامي و حماس لجنوب إسرائيل بالصواريخ، لتبدأ إسرائيل بعدها عملية واسعة تشمل القصف المركز وتنتهي بالاجتياح البري، ليسقط خلالها الآلاف من الضحايا الفلسطينيين بين قتيل و جريح مقابل بضعة عشرات فقط من الإسرائيليين، و ذلك دون مكسب عسكري او سياسي او استراتيجي يمكن حسابه للطرف الفلسطيني في الصراع، بل و دون تحقيق الطرف الإسرائيلي، الذي يدعي النجاح والنصر في كل مرة، للهدف المعلن من عملياته وهو القضاء على بؤر الإرهاب في غزة،  وتحييد خطر الصواريخ التي تهدد المستوطنين للأبد!

 

والآن .. وبعد مرور تسع سنوات كاملة في 2023، يتجدد نفس المشهد من جديد ولكن مع الكثير من الإغراق في الدموية والوحشية والعنف المفرط هذه المرة، مع السماح في حادثة غير مسبوقة في تاريخ الصراع بين الطرفين، بسقوط الآلاف من الضحايا على الجانب الإسرائيلي بين قتيل وجريح من المدنيين والعسكريين، ونزوح وإخلاء الآلاف من المستوطنين من غلاف غزة، بل وأسر المئات من المدنيين وأفراد الجيش الإسرائيلي، والعشرات من حاملي جنسيات الولايات المتحدة وأوروبا بما يمنح رعاة إسرائيل في واشنطن وبروكسل الحرية لإعطائها الضوء الأخضر لارتكاب كل ما تشاء من جرائم في حق المدنيين في غزة حمايةً للإسرائيليين وضماناً لعودة رهائنهم، وحفاظاً على الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط كما يدعون!


ولكن ما لم يتفطن إليه الكثيرون هنا .. وما يمكن أن يمثل إشارة خفية تربط كل تلك الأحداث، هو ذلك التشابه الغريب في الواقع السياسي و الاقتصادي لكل من "حماس" و إسرائيل في الحالات الثلاث، ففي العام 2008 كان الانقسام يجتاح المجتمع الإسرائيلي للدرجة التي ظهر معها لأول مرة و بشكل واضح انقسام الأحزاب الرئيسية على نفسها مما أدى في النهاية لتولي أولمرت و هو من حزب "كاديما" المنشق عن "الليكود" لمقاليد الأمور، و هو ما كان يجب أن يتوقف فوراً حفاظاً على تماسك الدولة العبرية، و الذي كان لا بد لها من خطر حقيقي يوحد أطرافها و فرقائها السياسيين تحت لواء إسرائيل الأم، و هو ما قدمته حماس لهم على طبق من ذهب.


بينما نجد على الجانب الآخر من المشهد في العام ذاته، ما لا يمكننا إغفاله من الأزمة المالية الخانقة التي وصلت إليها الحكومة المقالة في غزة التي ترأستها حماس في انشقاق غير مسبوق عن السلطة الوطنية في رام الله في العام 2007، و هي الأزمة التي هددت بفقدان حماس لشعبيتها التي اكتسبتها بين أوساط الفلسطينيين بفضل لعبها على وتر فشل السلطة في تحقيق آمال الشعب الفلسطيني، و ليس اقتناعاً من ذلك الشعب بقدرة حماس على حل نفس المشكلات أو تحقيق ذات الآمال!


و بعد مرور ست سنوات كاملة، و تحديداً في يوليو 2014، وجدنا أنفسنا و نحن نعيش نفس السيناريو، بنفس المعطيات، بل و بنفس الأشخاص و الأحزاب، فنتنياهو الذي تزعم الدعوة لتدمير غزة في 2008 و فاز على إثرها برئاسة الوزراء في مارس 2009 خلفاً لأولمرت، هو نفسه من يتولى رئاسة الوزراء عن حزب الليكود أيضاً، و ها هما إسرائيل و حماس تمران بنفس المشكلات التي كانتا تمران بها في العام 2008 مع اختلاف بسيط في بعض التفصيلات، فنتنياهو يسعى لتوحيد الإسرائيليين تحت زعامة الليكود، بعد الاحتجاجات و الانقسامات التي شهدتها الساحة الإسرائيلية في السنوات الثلاث الماضية تزامناً مع الربيع العربي لأسباب اقتصادية و اجتماعية متعددة من جهة، و لأسباب تتعلق بالانشقاق الناتج من الخلاف بين تيارات اليمين القومي و اليمين الديني المتشدد و بين التيارات التنويرية لمرحلة ما بعد الصهيونية، و تأثير ذلك الخلاف على تصور آفاق التسوية مع الفلسطينيين، بل و انقسام جبهة اليمين ذاتها بعد إقرار فرض الخدمة العسكرية الإجبارية على طوائف الحريديم المناهضة للصهيونية كتيار علماني و التي كانت من الطوائف المعفية من هذه الخدمة الوطنية طبقاً لتعاليمها المتشددة

 

و ها هي حماس من جديد على الجانب الآخر من المشهد في 2014 تبحث عن طوق نجاة يخلصها من حقيقة فقدانها للكثير من التعاطف الشعبي الداخلي و الإقليمي و الإسلامي كحركة مقاومة وطنية بعد مواقفها السياسية الأخيرة من العديد من ثورات الربيع العربي، و يخلصها من ناحية أخرى من كارثة عدم قدرتها على دفع رواتب موظفيها في القطاع، و كذلك التنصل من اتفاق المصالحة مع "فتح" الذي أضطرت لإتمامه للوفاء بتلك الالتزامات و تجنب ثورة شعبية ضدها في غزة قد لا تستطيع ميليشياتها السيطرة عليها.


نعم، عزيزي القارئ، ما أود أن أقوله وبكل بساطة، هو أن الحرب بين الطرفين اندلعت في المناسبتين لتخدم مصالح الإسرائيليين و حماس على حد سواء،  بل إنها نشبت أيضاً في ظل تولي نفس الأحزاب ونفس الأشخاص للسلطة في إسرائيل، ولا أظن أن تغييراً قد حدث في قيادة حماس كذلك!

 

كما سبق و ذكرت هنا، فكل تلك التنبيهات و الإشارات التي يبعث لنا بها كتاب التاريخ، لا تمكنني من أن أنظر للمشهدين بصورة منفصلة عما يحدث الآن تحديداً في غزة في العام 2023، فمن يتزعم المشهد في الحكومة الإسرائيلية الآن هو بنيامين نتنياهو من جديد، وما يحدث في غزة وجنوب إسرائيل حالياً بكل دمويته وتهديداته الإقليمية والدولية،  واستدعاءاته  الإنسانية و التاريخية ، ومخاطره الأمنية والاقتصادية، يغطي بشكل كامل على كل ما سواه من انقسامات داخلية كادت أن تدمر إسرائيل من الداخل بعد إصرار نتنياهو على تمرير قانون السلطة القضائية الجديد، والذي يمنح رئيس الوزراء ما يمكن أن نسميه سلطة مطلقة تتجاوز سلطات المحمكة الدستورية، وهو ما أشعل ثورة من الغضب في كافة قطاعات المجتمع الإسرائيلي، بل وفي البيت الأبيض والكونجرس الأمريكي كذلك، وأطلق العنان لمئات الآلاف من الإسرائيليين ليخرجوا للتظاهر ضد حكومة نتنياهو ونواب الكنيست لعدة أشهر في كافة أنحاء إسرائيل، وهو ما امتد كذلك ليشمل انقساماً رهيباً داخل جيش الدفاع الإسرائيلي، وعلى رأسه وزير الدفاع يوآف غالانت الذي انقلب على نتنياهو بسبب ما أحدثه مشروع ذلك القانون من شرخ غير مسبوق داخل المؤسسة العسكرية، حيث هدد العشرات من الضباط الكبار بالاستقالة من الخدمة، وامتنع الآلاف من جنود الاحتياط عن الامتثال للأوامر الصادرة لهم حتى يتراجع نتنياهو عن خطته لتعديل ذلك القانون.

 

وقد يعتبرني البعض ممن يقرأ هذا المقال متحاملاً على رجال المقاومة الفلسطينية أومنكراً لتضحيات الشهداء منهم أو مجحفاً لما يقومون به من أجل رؤية راية فلسطين وهي ترفرف على أرضها التي اغتصبها الاحتلال برعية كاملة من الغرب لما يزيد على سبعة عقود، والعكس تماماً هو الصحيح، فلا أحد يمكنه أن ينكر تلك التضحيات أو ينفي ذلك الحق في وطن مستقل وحر، ولا أظن أن هناك عربياً واحداً لم يسعده أن تتذوق إسرائيل ولو رشفات قليلة من نفس كأس الخوف والرهبة والنزوح وخيبة الأمل والانكسار كما حدث يوم السابع من أكتوبر، ولكن ما أنا على قناعة تامةٍ به هو أن هؤلاء المجاهدين والشباب الوطني قد تم التغرير بهم تحت مسميات دينية ووطنية لخدمة أهداف قادة حماس التي تحقق في المقام الأول الخطة التوسعية لملالي الثورة الإسلامية في إيران، مثلهم في ذلك مثل حزب الله في لبنان وميليشيات الحوثي في اليمن، والحشد الشعبي في العراق، وهي الأهداف التي تتقاطع في عدة نقاط أساسية مع العديد من الأهداف الاستراتيجية السياسية والاقتصادية والعسكرية لواشنطن وحلفائها، وتساهم بشكل كبير في رسم خريطة الشرق الأوسط الجديد، لتصب في النهاية، وبشكل ملحوظ، في مصلحة إسرائيل!


وما أريد أن ألفت انتباهكم إليه هنا أيضاً، هو ذلك الدور الخفي لمن يدعون نصرة القضية الفلسطينية واحتكار الحديث باسم الشعوب العربية، وهو ذلك الدور الذي يعتمد على التركيز على ظاهر الأحداث، و التعتيم على ما يكمن خلفها فعلياً من خلال اللعب على أوتار التعاطف مع الضحايا من الأطفال والنساء والمدنيين الأبرياء،  وعرض مشاهد الأشلاء و الدماء و الأجساد الممزقة، بغرض إلهاء الجميع عن المخطط الحقيقي الذي يشمل تمزيقاً من نوع آخر .. ولكن للأوطان هذه المرة!

فالمخطط، لمن يريد أن يقرأ المشهد منذ إعلان قيام دولة إسرائيل، هو تفريغ الأراضي المحتلة بالكامل من سكانها، ودفعهم خارجها هرباً من القصف والفقر والجوع والمرض، ليتوجهوا بالتالي إلى أقرب ملجأ آمن، وهو "سيناء" بالطبع في هذا الحالة، لتجد مصر نفسها في النهاية أمام خيارين لا ثالث لهما ..

 

الأول أن تغلق الحدود في وجه النازحين ليتم اتهامها بالتجرد من الإنسانية وترك أبناء عروبتها ليلاقوا حتفهم المحتوم داخل غزة دون شفقة أو رحمة، ولتجد السلطة نفسها في النهاية أمام نقد واتهامات دولية بخرق القانون الإنساني، وغضب شعبي جارف "عفوي أو مخطط له" يعود بعقارب الساعة من جديد لسنوات عدم الاستقرار والتراجع الاقتصادي والأمني والانفصال بين الشعب والسلطة الحاكمة!

 

أما الثاني، فهو أن تستسلم لتلك الضغوط، وتبني قرارها على حسابات خاصة يمكن من خلالها السماح بتواجد اللاجئين في سيناء، لتصبح غزة مجرد منطقة عازلة فارغة تضمن أمن إسرائيل، بينما تصبح سيناء  في المقابل قاعدة لانطلاق ونشر الفكر الجهادي الذي لن يكون باتجاه إسرائيل هذه المرة، ولكن باتجاه مصر وشعبها وقيادتها وأمنها واستقرارها، لتسقط في النهاية آخر قلاع الأمة العربية الصامدة في وجه المخطط الشيطاني تحت وطأة الضربات المتتالية لقوى الاستعمار، ولكي يتمزق بعدها جسد الوطن العربي بأكمله، ولكن دون أن يتم نشر مقاطع لأشلائه على شاشات التلفاز، ودون أن يجد من يتعاطف معه في باحات مجلس الأمن والأمم المتحدة، أو حتى على منصات التواصل الاجتماعي!

 

و لا يسعني هنا عزيزي القارئ إلا أن أذكرك أن خطط الصهاينة ورعاتهم في واشنطن ولندن وكافة عواصم القوى الاستعمارية لرسم خريطة "إسرائيل من الفرات إلى النيل" لم تتوقف يوماً وإن ظن البعض عكس ذلك، فهي مستمرة من خلال توزيع العديد من الأدوار على الكثيرين في منطقتنا، وما أكثرهم،  من الباحثين عن الثروة، أو الباحثين عن السلطة، أو الساعين لتحقيق أحلامهم التوسعية، أو أولئك الحمقى المنساقين خلف خطابات التكفير والتفجير!


في النهاية، لست أطالبك بتبني نظرية المؤامرة كما أفعل أنا في كثير من الأحيان، و لا بالتخلي عن إيمانك، أن كنت ممن يعتقدون ذلك، بأن تلك النظرية مجرد مهرب للعرب للتخلي عن حقيقة فشلهم في مواجهة التحديات، و لكني ارجو منك إعادة النظر في المشهد برمته كي لا تمر المزيد من الأجندات، وسط انشغالنا بالنحيب على المزيد من الضحايا الذين نفقدهم يوماً بعد الاخر، والانكباب على تخوين كل منا للآخر، بينما يسعى العدو لتوحيد صفوفه على اشلاء شهداءنا وشظايا أوطاننا المتناثرة على تلك البقعة البائسة المسماة بالشرق الأوسط!

 

نعم عزيزي القارئ، إما أن نستفيق، وإما أن ننتظر، كالعادة، الفصل القادم من المسرحية .. حين تتأزم الأمور من جديد هناك في إسرائيل و على الجانب الآخر لدى حماس في غزة، و الأهم .. حين تريد واشنطن تمرير بند آخر من بنود المؤامرة، و لا داعي أن أرسل لك بطاقة دعوة لحضور المسرحية .. فسنكون جميعاً في الصفوف الأولى من المتفرجين، رغماً عن أنوفنا!

 

حفظ الله مصر.