Tuesday, September 11, 2018

سبتمبر .. الخديعة الكبرى !


إيهاب الشيمي

منذ ما يقرب من سبعة عشر عاماً، و حين كنت أتابع المشاهد المروعة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر و الأحداث المتلاحقة حينها، و كل تلك الخيوط التي لم يكن من الممكن أن تتلاقى ابداً في ترتيب منطقي، توصلت بعد أيام قليلة من الحدث لنتيجة لم أر لها من بديل، و هي أن من ترك هؤلاء لينفذوا فعلتهم هي الإدارة الأمريكية نفسها التي سيطر عليها أباطرة صناعة النفط العالمية الذين وصلوا إلى سدة الحكم في البيت الأبيض تحت عباءة الحزب الجمهوري.

لقد وجدت هذه الإدارة أنه من الأهداف الاستراتيجية ذات الأولوية القصوى للأمن القومي الأمريكي في مرحلة ما بعد انهيار الاتحاد السوفييتي أن تقوم بإعادة نشر قواتها، التي طالما كانت في مواجهة الاتحاد السوفييتي في اوروبا الشرقية، لتكون قريبة من أماكن التهديد الحقيقي الجديدة و المتمثلة في الصين و روسيا الاتحادية.

كما أن كل ذلك لا بد أن يصب في النهاية في مصلحة الهدف الخفي و الحقيقي، و هو تأمين منابع النفط الغنية في بحر قزوين و شمال الخليج العربي بما يحقق سيطرة الولايات المتحدة على هذه المنابع و تأمين احتياجاتها منه  و زيادة عوائد عمالقة صناعة النفط الأمريكية دون المساس باحتياطياتها الضخمة منه.

و لم يكن هناك من مكان على وجه الأرض يحقق كل هذه الشروط مثل افغانستان التي تقع في مكان متوسط من الصين و روسيا و قزوين و الخليج العربي، و لم يكن الربط بين صدام حسين و أسامة بن لادن وطالبان، في انعدام كامل للمنطق، سوى تأكيد على أن ما خلصت إليه من تحليلاتي هو ما ينفذه و بدقة كل من تعاقبوا على تلك الإدارة رغم اختلاف توجهاتهم الاقتصادية والأيديولوجية.

كما أن الولايات المتحدة وجدت أنه من الحتمي لكي يسهل عليها السيطرة على منطقة الشرق الأوسط أن تقوم بتقسيمها إلى دويلات صغيرة، و هو ما اتفق عليه نسور التحالف الغربي ريجان و تاتشر في ثمانينيات القرن الماضي طبقاً لتسريبات لم يعر لها العديد من وسائل الإعلام إهتماماً حينها، وما وافق عليه مجلس الشيوخ في اقتراع سري كخيار استراتيجي في عام 1983، و هو ما بدأت إدارة بوش الأب ،الجمهورية أيضاً،  تنفيذه بالفعل في حرب الكويت في العام 1990، و ما أكملته بعدها إدارة بوش الإبن حين عاد الجمهوريين لتولي مقاليد الأمور في بداية الألفية فيما عرف بخطة "الشرق الأوسط الجديد" أو خريطة "حدود الدم" التي وضع اسسها برنارد لويس ، المستشار الأمين  للمحافظين الجدد في الولايات المتحدة منذ سبعينات القرن الماضي، وأحد المشاركين في وضع إستراتيجية الغزو الأمريكي للعراق.

لم أجد في مقابل ما استنتجته هنا سوى ضحكات السخرية، و اتهامات الجنون، و دعاوى الإغراق في نظريات المؤامرة المركبة، و لم أجد بداً حينها سوى إجبار أصدقائي على مشاهدة عدة أفلام جيوسياسية مثل "سيريانا" الذي وجدت أن مؤلفه و مخرجه و قد اتفقا على مناصرتي فيما ذهبت إليه من وجود خطة محكمة للتقسيم تقودها شركات النفط و مجموعات المصالح داخل الولايات المتحدة، إلا ان أصدقائي خرجوا من الفيلم أكثر اقتناعاً بجنوني و شذوذ تفكيري.

و ها هي السنين قد مرت، و تحقق ما خلصت إليه، فالقوات الأمريكية، بالرغم من ادعاءات الانسحاب، تنتشر في قواعد في افغانستان، و كذلك في العديد من الجمهوريات السوفييتية المستقلة في شراكة جديدة معها، و على مرمى حجر من الصين و روسيا، و الأهم من ذلك هو كونها بالقرب من منابع النفط في بحر قزوين.

و ليس ما حدث في العراق من غزو أدى لاحتلال لكامل  أراضيه،  ثم إقامة نظام عميل يستكمل و بنجاح خطة التقسيم إلى دويلات كردية و شيعية و سنية، و ما يحدث الآن في ليبيا، و سوريا، و ما نراه من تقسيم لهذه البلدان على اساس عرقي و طائفي و قبلي، و ما تم فعلياً من تقسيم للسودان على أساس ديني، إلا تأكيداً على استمرارهم في خطط التقسيم و التقزيم، و هي ما تم تطويرها لكي تشمل أيضاً استغلال الحركات الثورية ضد الأنظمة القمعية في هذه البلدان لكي تخدم و بشكل غير مباشر خططهم  لإعادة رسم خريطة المنطقة عن طريق الدفع بقوى اليمين المتطرف لصدارة المشهد الثوري  بعد أن تنجح في رسمه القوى الليبرالية و اليسارية، لتحقق لهم تلك القوى اليمينية المتمثلة في الأحزاب و التيارات التابعة فكرياً بل و تنظيمياً لجماعة الإخوان المسلمين ما حققه لهم تنظيم القاعدة قبل ذلك في افغانستان وبحر قزوين و العراق.

إن الأدارة الأمريكية سعت، و باحترافية شديدة لا يمكن إغفالها، لأن يكون الحراك الشعبي ضد تغول قوى الرأسمالية ، و ديكتاتورية الحزب الواحد، و عمالة المعارضة الوهمية، هي مخلب القط الذي يستطيعون من خلاله استكمال ما بدأوه في المنطقة، و ما أرادوا له أن يحدث في مصر على يد جماعة الإخوان المسلمين، و حلفاءها من جماعات السلفية الجهادية، و فلول القاعدة، و التكفيريين.

ما لم يضعوه في الحسبان حين تعلق الأمر بمصر، و ما لم يفهموه، و لن يفهموه على الأرجح، هو أنه و بالرغم من كل تلك التحفظات للحركات الثورية الوطنية، و كل تلك المطالبات و الاحتجاجات ضد الانتهاكات التي ارتكبت في عهد المجلس الأعلى للقوات المسلحة ضد المطااب المشروعة للحركات الثورية الوطنية، فلقد كانت يقظة الثوار الشرفاء لما يحاك لوطنهم،  و درايتهم بالأخطار التي تهدد وحدة ترابه، و فطنتهم لأهمية الحفاظ على جيشهم الوطني صلباً قوياً موحداً هي الحد الفاصل بين تحقيق مسعاهم، أو انهيار مخططهم بالكامل.

لقد كانت تلك اليقظة للضمير الوطني الواعي للقوى الثورية الحقيقية هي ما أفشلت خطط هؤلاء لكي تصبح مصر صورة مكررة لما يحدث حولها، و لم يكن الخيار الشعبي في الانتخابات الرئاسية حينها، إلا تأكيداً على توافق وجهتي نظر رجل الشارع البسيط ، مع ثاقبي البصيرة من الثوار الذين لم يروا من خيار إلا الوقوف خلف من يضمن وحدة التراب، ووحدة ألوان العلم الوطني، ووحدة الجيش الوطني، كعوامل لا بد منها على المدى القصير حتى تحقق الوعي الشعبي الكامل اللازم لاستكمال ما بدأه الشعب في يناير  و من بعدها في يونيو على المديين المتوسط و الطويل! 
ذلك الوعي الذي حين يصل لدرجة النضج المطلوبة سيجعل هذا الشعب هو من يختار بحرية كاملة من يمسك بمقاليد الأمور، دون الرضوخ لضغوط الاستقرار وضرورات الأمن وحتمية وضع الحفاظ على وحدة التراب الوطني على قمة الأولويات دون غيرها، مع الحفاظ على العهد أن يكونوا أول من يقومه، و أول من يعارضه، و أول من يطالبه بالرحيل إذا تخلى عن تحقيق ما وعد به من تحقيق طموحات الشعب و أهداف الثورة في العيش و الحرية و العدالة الاجتماعية للجميع، كما أنهم سيكونون أول من يسانده و يعمل على خلق بيئة ديمقراطية حقيقية إذا صدق ما عاهد الشعب و الله عليه.

و حتى تحقق ذلك النضج للوعي الشعبي، علينا تحمل استمرار الكثيرين في تصديق الأكذوبة و تقبل الخدعة التي تروج لها الولايات المتحدة بأنها حامية الديمقراطية و قلعة الحريات و نصيرة الضعفاء !
و علينا متابعة المزيد من الأكاذيب على لسان جون بولتون مستشار ترامب للأمن القومي الذي خرج بالأمس ليعلن أن واشنطن سترد بكل قوة ضد نظام الأسد إذا فكر في استخدام السلاح الكيماوي في إدلب، ثم هدد بعدها بلحظات قضاة المحكمة الجنائية الدولية بتجميد حساباتهم و منعهم من دخول الولايات المتحدة إذا فكروا في قبول محاكمة الجنود الأمريكان المتورطين في ارتكاب جرائم حرب في أفغانستان !

قد أجد أن كل ذلك مجرد هراء يدور في مخيلة رجل أخرق، و لكن في ذاكرتي، سيبقى الحادي عشر من سبتمبر هو يوم الخديعة الكبرى في تاريخ الإنسانية، و الدليل الأكبر على صحة قناعتي الراسخة بوجود المؤامرة !
وما سيبقى حاضراً في ذهني دائماً ليبعث في قلبي الطمأنينة و الأمل، هو أنه رغم كل تلك المؤامرات، فإن العزة و الغلبة دائماً لمصر، و المجد أبداً للشهداء.

Monday, September 10, 2018

الجنة .. بمحض الصدفة!


إيهاب الشيمي

دخلت اليوم في جدال سفسطائي مع أحد أقربائي حول فتوى شرعية أفتى له بها قريب آخر و لم أجد لها من دليل ثابت أو مرجع موثوق سوى أن قريبي هذا يحب قريبنا الآخر و يجده إنساناً جدير بالثقة ..

و لما كانت الفتوى تتعلق بقبول الله سبحانه و تعالى للعمل من عدمه ..
و لما كان ذلك بالتبعية يتعلق بإمكانية دخولي الجنة من عدمه أيضاً ..فلقد تخيلت حينها كيف كان يمكن ألا أدخل الجنة لو لم أكن قد قابلت قريبي هذا بالصدفة ..
وكيف كان يمكن ألا أدخل الجنة لو لم يقابل هو قريبنا الثالث بالصدفة أيضاً .. ! 
وكيف كان يمكن ألا أدخل الجنة لو لم يكن الحوار قد تطرق لهذه النقطة .. !
ثم ارتقيت بخيالي للمستوى الأعلى لأتخيل كيف لن يدخل الجنة ملايين المسلمين ممن لا يعرفون قرببي هذا من الأساس .. !
وكيف أن ذلك يشبه تماماً عدم دخول مليارات المسلمين الجنة لأنهم لم يسمعوا بجماعة الإخوان و حسن البنا و سيد قطب و عمرو خالد و محمد حسان .. !
ثم كيف لن يدخل الجنة من لم يسمع بالأزهر و لا بشيوخه و لا بأتباعهم ممن حصروا الإسلام في أسوار الجامعة العريقة فقط دون غيرها .. !
فجأة .. استفقت من خيالاتي و نظرت إلى قريبي هذا ثم قلت له :
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن أعرابيا قال يا رسول الله دلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة 
قال :تعبد الله لا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة المكتوبة وتؤدي الزكاة المفروضة وتصوم رمضان قال والذي بعثك بالحق لا أزيد على هذا شيئا أبدا ولا أنقص منه .. فلما ولي قال النبي صلى الله عليه و سلم من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا

Tuesday, July 10, 2018

The Other Side of The Mirror !

Ehab El Sheemy

At every moment, I am being killed by the extraordinary effort I make to hide the deep feeling that everything I have done is lost in vain. The draining resistance to my ever-growing desire to escape from everything around me and to confine myself to that chaotic and narrow corner where all the contradicting feelings of joy, pain, despair, hope, humiliation, pride, disbelief and faith overwhelms my whole senses!


I hate the awful feeling that engulfs me when I see everyone moving on the spacious other side of the mirror, while I cling to the only available narrow and slippery edge that is there on my side hoping any of them would ever become aware of my presence inside what they think of as just a plain reflection of their deeds! Would my last desperate scream pierce that smooth, enigmatic and stone cold surface of the mirror? Would anyone lend a hand to save me before I fall into my dark well of despair? Would anyone out there see anything but the reflection of his own convictions and his own version of the future?

I can see them smiling, laughing, and holding each other hands on that quiet, peaceful and beautiful sandy beach unaware of that huge water wall that stealthily moves towards them under the deceitful covers of darkness to destroy everything in its way, even this thick mirror wall that I have endlessly failed to break, climb, or even scratch ! 


I have always thought that my only companion on this side is that creepy fading voice constantly passes through my head whispering to me that they do not deserve all that worry, anxiety, care and love! They don’t deserve all the excuses that I have explicitly invented to justify their obliviousness and unawareness! They don’t deserve all the dreams that I longed to realize for them and their children! How could they deserve all of that while they have been the ones who simply disbelieved in the values ​​of freedom, democracy, diversity, and acceptance of others?! How could they deserve any good while they have turned themselves into a bunch of wooden puppets controlled by the interests of the corrupt and hypocrite political elites, and accepted to play the role of the supporting actor leaving the lead to those who want to destroy our unity and to feed the starving spirit of discrimination and inequity ?!


Well, it seems that I am wrong after all..!


The fading voice is not my only companion. Anger was always there! Anger at those who I believed to have got the vision and the insight, those who I have thought shared my worries, anxiety, and fears but still failed to understand the reasons why I am pushing my strength to the limit to keep clinging to that edge of hope that barely prevents me from falling to my death inside the abyss of despair!


I know that the faith in the ideologies of freedom and liberty, and the dedication to the means of revolt and change are not what keep my fingertips more determined to hold to that edge and to carry my burdened body with all its worries and disappointments! But it was always that firm belief that this land can expand to stretch out on both sides of the mirror to embrace everyone and to save those who still have the last fragment of their strength to maintain their grips holding to the edge of hope.


Sadly, I know that those who stand on the other side are the ones who allowed hatred to creep into their hearts towards me and my comrades when we decided to confront corruption, repression, tyranny and monopoly despite the inevitable risks of interim chaos and unrest, and the unavoidable sacrifices of our lives and souls for this great homeland.


But I also believe that, despite all, they are still my brothers and sisters who share with me the love of every grain soil on this land, the moments of fear of the present, the anxiety about the unpredictable future, and the extreme anger at those who exploited god’s words!


I still share with them the pain of losing our beloved ones and the ecstasy and joy of the moments when we achieved what the whole world thought an impossible!


I still believe that they deserve another chance to prove that they can get rid of all the threads that control them, and to skip the scenes that have been written by the ink of surrender and monotony for more than three decades. I still believe that they can write their own script of freedom, prosperity and security. I believe that they can play the lead role in a scene full of democracy, liberty, constructive criticism, diversity and acceptance of different visions of a future they can be proud of, and ultimately wish for their children. 


My greatest fear now is that I will not be able to share any of this with anyone on the other side.  After all, it seems like my body decided to let go and allow itself to free fall into the deep dark hole of despair and uncertainty while my eyes are hooked to that tiny beam of light that desperately seeks its way through the dark cloudy sky to save me before my collapsing body hits the ground that I doubt it really exists.

Friday, June 29, 2018

كلما فسد الحاكم .. انتفضت الأمة !


إيهاب الشيمي

على القرص الصلب أحتفظ بمئات الجيجا بايتس من المادة الفيلمية التي قمت بتوثيقها شخصياً للفترة من الثانية عشرة ظهراً يوم 25 يناير 2011 و حتى 30 أغسطس 2013 

من مجرد بضعة أشخاص يحيط بهم كتيبة كاملة من الأمن المركزي في ميدان سفنكس بالمهندسين، مروراً بمئات الآلاف على كوبري قصر النيل في جمعة الغضب وموقعة الجمل  وصولاً إلى الملايين في اعتصام يوليو و ملحمة محمد محمود، و عن قرب مع المئات من رفاق الدرب في مسيرات التوعية و الحرية ضد تغول المجلس العسكري على العملية السياسية و تحالفه المخزي مع إخوان الشيطان، و فساد فلول مبارك و  خداع أذرع الاسلام السياسي، و محاولات الأجهزة الأمنية لتحقيق ثأر شخصي  بدلاً من استعادة ثقة الشعب.
 و مرة أخرى وسط عشرات الآلاف من الفتية و الشباب اليافع ممن انفجروا تنفيساً عن الغضب و الألم و الحزن الجارف بعد مذبحة الغدر ضد رفاق الألتراس في بورسعيد، و انتهاءاً بالاشتباكات مع مجرمي و بلطجية الإخوان في الاتحادية في ديسمبر 2012 عقب إعلان مرسي الدستوري المخزي، و و وصولاً للمشهد الأخير في 30 يونيو 2013 و ما تلاه من فوضى فض اعتصامات الإرهاب و الكذب و الخيانة في اغسطس 2013 !

هذه المكتبة الفيلمية الشخصية هي الوحيدة التي أعلم يقيناً أنها لا تخضع لأهواء الممولين أو لأغراض الإعلام الحكومي أو لأجندات الإعلام الغربي ..
هي ببساطة ما يثبت لي، كلما وجدت الوقت لمشاهدتها من جديد لتذكر وجوه من ثبتوا و من رحلوا و من غابوا و من ضلوا الطريق، أن  كل ما هتفنا به أنا و من ثبتوا معي على الثورة من أجل مصلحة الوطن فقط، و كل ما حذرنا منه، و كل ما رأينا صوابه، كان بالفعل هو الصواب دون غيره !

نعم .. لقد أضاع من خانوا الوطن، عمداً أو عن جهل و غياب للوعي بالتحديات،  الكثير من الوقت و الكثير من الأرواح !

نعم كان من الممكن اختصار الكثير من الوقت و إنقاذ الآلاف من الأرواح لو أن ما حدث في يونيو 2013 أخذ مكانه في يناير 2011 !

نعم، كان من الممكن أن يضيع الوطن للأبد بعد أن تمكن الإخوان من السيطرة على البرلمان و الرئاسة بسبب تخاذل المجلس العسكري في مواجهتهم بل و استخدامه لهم كرأس حربة انقلبت عليه في النهاية، لولا رحمة الله بهذا الشعب، و وفاء قواته المسلحة بعهدها معه في يونيو!

هل أعيدها من جديد لو عاد بي الزمن للوراء؟
نعم .. فالوطن يستحق ما هو أكثر، و نحن، رغم كل ما بذلناه، لم نوف له حقه!

هل تغيرت الأمور للافضل؟
بالتأكيد، فمصر ما قبل يناير ليست هي مصر الآن، و إن ظل هناك الكثير للكفاح من أجله لزيادة الوعي بضرورة المشاركة المجتمعية و مكافحة الفساد و تنمية الوعي و ضمان الحريات و الحقوق!

هل هناك ما أريد أن اقوله ..
نعم .. أريد من الجميع ألا يفقد الإيمان بغد ٍأفضل .. فالثورة لم تبدأ في يناير و لم تنته في يونيو ، فالحراك الوطني بدأه عرابي و استمر مع ناصر مروراً بمصطفى كامل و سعد زغلول. فكلما فسد الحاكم انتفضت الأمة، و سينجب الوادي دوماً من يثور من أجل مصر !

  تحيا مصر .. و ليبقى دائماً المجد للشهداء

Friday, June 22, 2018

مصر و آيسلندا .. بين فساد المقارنة و فساد الادارة !



إيهاب الشيمي :

تابعت بمزيد من الأسف و السخرية في الوقت ذاته ما تم تداوله من نقاشات ساخنة حول كيفية وصول منتخب آيسلندا إلى كأس العالم بلاعبين غير محترفين و بعدد سكان لا يتعدى 350 ألف نسمة ..

و تابعت كيف استمرت تلك النقاشات لتصل لنقطة يحاول فيها من يثيرها زرع فكرة معينة داخل عقول المتابعين مفادها أن هؤلاء وصلوا لكأس العالم لأنهم فضلوا الانتاج و العلم و الفن على الكرة و لم يمنحوا الرياضة ذلك الاهتمام الذي نمنحها نحن إياه و لذلك فاللاعبين يمتهنون مهناً غير كرة القدم ، فمنهم الطبيب و منهم المخرج و منهم المحامي، ثم يمتد الهدف من تلك النقاشات ليشمل كيف أن هؤلاء استطاعوا اختيار منتخب يقارع الكبار من بين ذلك العدد القليل جداً من السكان و كيف أصبحوا ضمن الدول الأكثر تقدماً اقتصادياً بينما فشلنا نحن في الاختيار من بين 100 مليون مصري ليسوا سوى تركة ثقيلة يجب التخلص منها أو الهروب منها !

ما استطعت استخلاصه هو أن أهداف ذلك الطرح، و إن كانت منطقية في ظاهرها، إلا أنها بصورة خفية تصب في الرغبة في زرع فكرة وجوب التخلى عن الاهتمام بالرياضة كهدف للشباب المصري و كسلاح من أسلحة الامن القومي و دعامة أساسية للنمو البشري و أن نتقبل ضمنياً فكرة تفوق العرق الأبيض و الأوروبي تحت ذريعة أن عشرات الملايين منا لا تساوي بضعة آلاف منهم من حيث القيمة و الانتاجية !

و لكل من ساهم في هذه الحلقات النقاشية بحسن نية أو لتنفيس غضب أو لنشر روح الإحباط و اليأس من إمكانية هذا الوطن على التقدم، أحب أن أوضح أمرين :

الأمر الأول .. هو أن لاعبي آيسلندا "جميعاً" هم لاعبون محترفون في الدوريات الأوروبية المختلفة و ليسوا مجموعة من الهواة ممن وصلوا إلى كأس العالم بالصدفة كما تدعي أنت !

آيسلندا وصلت لما وصلت إليه ليس بالصدفة و الهواية كما تدعون و لكن لأن لديها اتحاد كرة يديره محترفون و متخصصون في الإدارة الرياضية و الطب الرياضي و التسويق الرياضي و يعترفون بالرياضة كعلم و مصدر للدخل القومي و أداة للتنمية البشرية و ليس مجرد وسيلة للإلهاء و المنفعة الشخصية لحفنة من الفاسدين و أنصاف المتعلمين كما هو الحال لدينا !

الأمر الثاني .. هو بالتأكيد فساد المنطق و الاستدلال حول ارتباط عدد السكان بالناتج القومي او بنوعية و جودة الخيارات المتاحة في مجال معين .. فلو أن الأمر كذلك لحصلت الصين على كأس العالم دون غيرها من الدول في كل مرة، و لكانت الهند هي ضمن كبار الدول التي تمتلك اكبر ناتج محلي في المجرة و ليس في كوكب الارض فقط بسبب تعداد سكانها الذي يتجاوز المليار نسمة !

ببساطة .. 
آيسلندا ذات معدل نمو اقتصادي متميز لأنه ليس لديها ما يجعل الآخرين يسعون لوقف هذا النمو بل و السعي الدائم لتدمير اقتصادهم و تحجيم قدراتهم كما يحدث مع مصر منذ خمسينيات القرن الماضي ..
آيسلندا ذات معدل نمو اقتصادي متميز لأنه ليس لديها من يدفع ملايبن الجنيهات من عائدات وظيفته و عمله في بضع أحجار و كتل أسمنتية وسط الصحراء بحجة ان ذلك نوع من الاستثمار العقاري بينما هو مجرد تجميد لثروات الوطن و تحجيم لقدرتنا على خلق فرص عمل جديدة من الاستثمار في مجالات إنتاجية زراعية و صناعية
آيسلندا ذات معدل نمو اقتصادي متميز لأنه ليس لديها من يسعى نتيجة موروثات ثقافية عفنة لزيادة عدد السكان و التباهي بفحولته و كثرة ذريته دون التفكير في الإضافة التي يمكن أن تقدمها هذه الذرية له و لمجتمعه !
و الأهم من كل ذلك .. آيسلندا ذات معدل نمو اقتصادي متميز لأن لديها شعب قرر المشاركة في صنع القرار و اختيار ممثليه و اختيار حكومة تدرك كل التحديات و تضع قائمة عادلة و رشيدة للأولويات .. شعب لم يكتف فقط بالمشاهدة و الإغراق في النواح أو الافراط في البهجة دون تأثير يذكر على صناعة القرار !

ببساطة .. هم ليسوا كائنات فضائية أو عرق افضل، بل نحن من نمتلك كل شيء و لكننا ندمن الإعجاب بالآخرين و التقليل من شأن أنفسنا دون السعي لرؤية ما يجب أن نفعله لاستغلال ما نمتلكه، و دون علاج الأخطاء التي حالت دون تحقيق النجاح المفترض حدوثه لمن يمتلك كل تلك القدرات البشرية و ذلك القدر اللامحدود من الموارد و الإمكانات الطبيعية و التاريخية و الثقافية..
 نحن من نتكاسل عن المشاركة و نحن من نتغاضى عن حساب من أخطأوا بحجج ساذجة مثل التسامح و الشفقة و الرحمة و ضرورة النظر للمستقبل بدلاً من مراجعة أوراق الماضي .. !
و الأهم و هو أننا نغفل دائماً عن وضع معايير المقارنة العادلة بين ظروفنا السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية و ظروف من نرى أنهم دوماً الأفضل !

عفواً يا سادة .. الحل هو أن نتمكن نحن من إدراك قيمتنا و أن نشارك بفاعلية في صنع القرار، و أن تمتلك السلطة الحاكمة الرغبة قبل القدرة على توفير الإدارة الجيدة للبشر و الموارد بدءاً من معلمي رياض الأطفال و مروراً بمسؤولي اتحاد الكرة و انتهاءاً برئاسة الحكومة، و أن نتوقف جميعاً عن التعظيم من شأن الآخرين مقابل الاستهانة بقيمتنا البشرية و الإنسانية لصالح من يريدون بقائنا في القاع !

حين نفعل ذلك .. سيمكننا الفوز بكل شيئ .. حتى كأس العالم !

Wednesday, May 23, 2018

Why "I don't like" HR !!


In the modern market, organizations with the best talent win the lead.
Finding, acquiring, and developing that talent to the most benefit of the organization is the most important tasks of the so called “HR Department” !

For me, the Human-Resources function proved itself as a necessary evil and sometimes a bureaucratic force that blindly enforces stupid rules, resists creativity, and impedes constructive change.

I see the annual performance appraisals as nothing but time-consuming and routinely useless. They are nothing but a tool to enhance the role of the HR as a henchman for the guy on the top, finding ever-more ingenious ways to cut benefits and hack at payroll.

I don't deny that, over recruitment interviews and periodical orientation meetings, HR guys are mostly smart, engaging people who seem genuinely interested in doing their jobs better. They also has an outstanding talent to speak convincingly about employee development and cultural transformation.

But it's also easy to figure out that  in the real life practice most of HR departments have ghettoized themselves literally to the brink of obsolescence. They are competent at the administrivia of pay, benefits, and retirement, while organizations  are increasingly outsourcing those functions to service providers who can handle such routine tasks at much lower cost. What’s really left for them is to facilitate budget cuts !

And here is exactly where you can find out why HR doesn’t tend to hire a lot of independent thinkers or people who stand up as moral compasses. Despite the fact that some HR guys entered the field by choice and with the best of intentions such as love working with people and being helpful. Unfortunately, HR isn’t about being a do-gooder. It’s about how do you get the best and brightest people and raise the value of the firm through exploiting them.

Knowing many of them, HR managers are typically interested in the amount of activities rather than in outcomes. Sadly, most of CEOs measure the HR guys by what they do not by what they deliver. They tend to be interested in the cost of activities rather than the real value delivered to employees and line managers, as well as the benefits that accrue to investors and customers.

The truth is, HR isn’t working for you. The annual stupid, useless and routine performance appraisal is only there to protect the organization against its own employees.
It's a piece of paper between the organization and the employees, so if there's ever a confrontation, they can go to the file and say, ‘Here, I’ve documented this problem.’ ”. A defensive stance to maintain the interests of the organization against the labor regulations. It's a tool to make it much easier to kick you out without suffering the painful reputational and regulatory consequences. The HR are now playing an important role as protector of corporate assets, making sure it doesn’t run afoul of the rules. That’s why they are now in the position of saying no a lot, of playing the bad cop. They just don't step out of that, see the broad possibilities, and take a more open-minded approach. They just refuse to understand where the exceptions to broad policies can be made for the good of all parties. Sadly, they are always using the approach of “One Size Fits All”.

In a perfect world, employers keep their best people by acknowledging and rewarding their distinctive performance, not by treating them the same as everyone else.
HR should have the same view and send the message that the organization value its high-performing employees and that it is focused on rewarding and retaining them.




Instead, HR guys just benchmark salaries, function by function and job by job, against industry standards, keeping pay, even that of the so called stars, within a narrow band determined by competitors. They bounce performance appraisals back to managers who rate their employees too highly, unwilling to acknowledge accomplishments that would merit much more than the preset organization-wide increase. In other words, HR forfeits long-term value for short-term cost efficiency.


As many professionals do, I believe that HR should be a unique function that discovers opportunities about the business through the lens of people and talent. In most companies that I have worked for, that opportunity is utterly wasted.


And that’s why I don’t like HR !

"This article does not refer to a specific organization and is based on a personal 20 years of experience of working for several employers as well as the reports and testimonies of HR Professionals and senior directors at international firms"

Friday, May 4, 2018

المجد لمواليد السبعينيات .. !


ايوة يا سيدي ..
أنا من العيال اللي كانت عندها 13 سنة بس سنة 1986 و معندهاش نت و معندهاش موبايل و معندهاش دش بس كانت بتسمع آخر تحديث للبوب تشارت على راديو مونت كارلو و برنامج الشارع الغربي على إذاعة الشرق الأوسط أول ما يرجع من المدرسة و بتشتري الالبوم اللي بتختار أغانيه مخصوص من محل المزيكا اللي في شارع مصدق أو تضرب مشوار من الهرم لغاية آخر مدينة نصر قبل ما يبقى فيه كوبري اكتوبر عشان يشتروا ألبوم بت شوب بويز و مادونا و ألفا فيل و مايكل جاكسون ..
انا اللي كنت باسمع محمد منير في الوقت اللي كان الناس بتسمع فيه عدوية و وردة و فايزة أحمد و اشتريت ألبوم أنوشكا سنة 89 بدل ألبوم فارس و المزداوية و ألبوم علاء عبد الخالق و الناس افتكرتني مجنون !
انا اللي عارف معلومات كتير حضرتك ماتعرفهاش مع انك عندك كل حاجة تساعدك انك تعرف لأنك ببساطة مش عايز تعرف و مكتفي باللي بيتقال لك و بتصدقه و خلاص و بناءاً عليه بتبني مواقفك مع أو ضد بلدك .. !
أنا اللي من الجيل اللي كان بينزل المنيل عشان ينسخ فايلات على سي دي عشان ماكانش فيه في مصر سي دي رايترز و كان أصحابي بيحقدوا عليا عشان عندي كمبيوتر آي بي إم اوريجينال مساحة الهارد ديسك بتاعه 350  ميجا "أيوة ميجا مش جيجا" 😄
أنا من الجيل اللي سافر مع أهله برة و قعد يتشتم  و يتضرب كل يوم و هو عنده 12 سنة بس من عيال فلسطينيين و سوريين لمجرد أن بلده انتصرت في الحرب و عملت معاهدة سلام مع إسرائيل اعتبروها همة خيانة !
أنا اللي شفت النقلة من التليفون اللي بقرص للتليفون الديجيتال لتليفون العربية للبانانا للموتورولا للنوكيا للسامسونج للايفون ..
أنا اللي شفت الاتحاد السوفييتي و شفت سور برلين و هو بيقع و شفت منتخب المانيا الشرقية و منتخب يوغوسلافيا 
انا اللي سهرت اتفرج على ستيف اوستن و جيمي سامرز  في اخترنا لك يوم الاربع و كنت باتفرج على نادي السينما يوم السبت و أوسكار يوم الخميس و كنت باتفرج على الفيديو هيتس مع حمدية حمدي يوم الأحد في العالم يغني .. !
انا اللي انت شايف اني "قديم" لمجرد انك عارف شوية اغاني مهرجانات أنا شايف انها مجرد إهدار لكل قيم الذوق و الفن .. !
المجد لمواليد السبعينيات

Monday, April 30, 2018

جمهورية الواق واق !


إيهاب الشيمي:

 رأيت اليوم أن أبتعد بكم عن السياسة و الدين و الثورات و المناظرات و العواصف ..

و أن أقص عليكم قصة صديقي الذي يعيش في جمهورية " الواق واق" الشقيقة التي يملأ مواطنيها الأمل في مستقبل مشرق، و يمل مسئولوها الدنيا بتصريحات توفير المناخ الاستثماري و البنية التحتية اللازمة لبناء اقتصاد قوي.


حدثت تلك القصة لصديقي منذ أسبوعين، حين عاد لمنزله من عمله متأخراً و منهكاً و هو يحمل بإحدى يديه الكثير من الملفات، بينما يحمل بيده الأخرى حقيبة " اللابتوب" ..
 
ما أن دخل البيت و أغلق بقدمه الباب حتى صاح في ولده الأكبر ليحمل عنه بعضاً من الملفات قبل أن تنهار قواه و تتبعثر مئات الأوراق على أرضية المنزل، و في لحظات انطلق ولده بالفعل ليلتقط الأوراق قبل أن تتساقط من يد والده، ثم بادره بالسؤال قائلاً: " ما كل هذا يا والدي؟ " و حينها أجابه: " هذه بعض الأوراق الهامة أحضرتها معي لكي أكمل تحليلاً مهماً لأحد المشاريع ثم أرسله عبر البريد الاليكتروني لزملائي لنتمكن من عرضه على مجلس الإدارة قبل ظهر الغد ".

و هنا ارتسمت بعض الخيبة على وجه الفتى و قال لوالده بصوت خافت: " و لكن خدمة الانترنت لا تعمل منذ الصباح يا والدي " ..

لم يستطع الرجل تحمل الصدمة .. فانهار على أقرب كرسي و هو ينظر في بلاهة واضحة إلى ولده، و كأنه لا يستطيع استيعاب الكلمات التي سمعها للتو !!  بعد لحظات انطلق كالثور الهائج نحو "الراوتر" ليفحص توصيلات الأسلاك المرتبطة به، ثم ليغلقه و يعيد تشغيله من جديد كما كان يفعل و هو طفل مع ألعاب الفيديو في ثمانينيات القرن الماضي، و لكن كل محاولاته تلك باءت بالفشل ..

بعد تفكير قصير، التفت في حدة إلى ولده و صرخ قائلاً: " أحضر لي الهاتف لأرى إن كان يعمل أم لا "، و في خضوع و خوف شديدين اندفع الفتى ليجلب الهاتف لوالده، و ما ان التقطه حتى اصطدمت أذنه بسكون القبور الذي يملأ تجويف السماعة ليفقد حينها كل أمل أن يتم حل مشكلته سريعاً.

بعد ان استسلم للأمر الواقع، قرر أن يتصل بخدمة عملاء شركة " واق واق دوت نت" التي توفر له خدمة الانترنت و هي شركة كبرى متخصصة في هذا المجال، و بالفعل ردت عليه تلك الرسالة التلقائية التي تؤكد له أن مكالمته مهمة و أن هناك من سيقوم بالرد عليه حالاً، و هنا ابتسم في سخرية لأنه يعلم أن " حالاً" تعني في تقاليد هذه الشركة خمس و ثلاثون دقيقة من الانتظار المقيت،  ليرد عليه في النهاية احد مندوبي خدمة العملاء و يستمع إلى شكواه ثم يبادره بالسؤال قائلاً: " هو حضرتك دفعت فاتورة التليفون ؟"

لم يستطع الرجل ساعتها تمالك أعصابه فصرخ في السماعة قائلاً: " تفتكر يا أفندي اني ما سألتش نفسي السؤال دة و أنا مستني جنابك ساعة إلا ربع عشان ترد على مكالمتي ؟" .. و حينها أدرك مندوب خدمة العملاء أن الأسئلة المعتادة لن تجدي نفعاً مع صديقي المتفجر و أبلغه أن فنياً متخصصاً سيقوم بزيارة السنترال في الصباح ليعالج المشكلة، و يتصل به ليتأكد من عودة الأمور إلى طبيعتها.

اتصل صديقي بزملائه ليخبرهم بالخبر المشئوم أنه لن يستطيع إرسال المعلومات اللازمة إليهم و أن عليهم الحضور صباحاً قبل موعد العمل بساعتين على الأقل ليمكنهم الاطلاع على التقرير النهائي، و لكن أحدهم أخبره في سعادة أن اجتماع مجلس الإدارة قد تاجل و أنه مازال أمامهم ثلاثة أيام على الأقل لإنهاء الأمر.

في اليوم التالي، عاد صديقي إلى منزله، و حالما فتح الباب بادر أهله بالسؤال قائلاً: " حد اتصل بيكم النهاردة من السنترال أو شركة الانترنت ؟"  .. و رد الجميع في صوت واحد: " لأ يا بابا بس التليفون بقى فيه حرارة " ..

اندفع الرجل نحو هاتف المنزل و رفع السماعة و أطربه صوت عودة الخدمة مرة أخرى، ثم أمسك بهاتفه المحمول و اتصل على الفور بشركة " واق واق دوت نت"  ليستعلم عن سر تأخر عودة الخدمة و عدم اتصال الفني به كما وعدوه، و كالعادة مر بجميع المراحل السخيفة بداية من ضغط الرقم واحد لاختيار اللغة العربية  و مرورا بثلاثين دقيقة من الانتظار و نهاية بصوت مندوب خدمة العملاء الذي جاءه أخيراً ليسأله عن رقم الهاتف الذي يريد متابعة الشكوى بشأنه، و حين ذكر صديقي رقم هاتفه، راجع المندوب البيانات ثم أكد له أن فنياً قد توجه بالفعل للسنترال اليوم، و أن الرقم المذكور لم يعد موجوداً بالخدمة !! و هنا عاود صديقي تقمص دور إصبع الديناميت من جديد ليقول بصوت هادر: " هو انت يا أفندي هتعرف رقم تليفون بيتي أكتر مني؟ و لو الرقم مش في الخدمة.. أمال أنا بأكلمك منين دلوقت" .. و لكن المندوب أصر على موقفه و أنه ليس هناك أي خطأ فيما يقول و أن الرقم الظاهر أمامه ليس هو الرقم الذي ذكره صديقي له، ثم اقترح عليه أن يتصل على الرقم المزعوم من أي محمول آخر ليتأكد .. و بالفعل استدعى صديقي ولده الأكبر و طلب منه الاتصال بذلك الرقم الغريب الذي يدعي مندوب " واق واق دوت نت" أنه يراه أمامه، و كانت المفاجأة أكبر من أن يستوعبها ... جرس الهاتف يدق في المنزل !!

أغلق صديقي السماعة في غضب شديد في وجه المندوب، ثم اتصل برقم الشكاوى في " الشركة الواقواقية للاتصالات" و هي الشركة الحكومية التي توفر خدمة الخطوط الأرضية، و أعاد الرجل قصته من جديد على مسامع مندوبة خدمة العملاء، و عن مدى إمكانية تبدل خطه مع خط آخر بطريق الخطأ أثناء أية أعمال صيانة لدى الشركة، و هنا جاء صوت المندوبة قائلاً: " لا يا أفندم رقم حضرتك هو اللي اتغير فعلاً .. مبروك .. حضرتك بقيت على خطوط الألياف الضوئية الجديدة"

و هنا رد عليها صديقي متهكماً: " لا يا شيخة !!  رقمي اتغير .. و بقيت ألياف ؟!!!  من غير ما تقولولي ؟!!"

فأجابته بسرعة: " احنا اتصلنا بحضرتك من اسبوع الساعة 11 الصبح على تليفون البيت و محدش رد"

فاستكمل تهكمه قائلاً: " و الله يا ستي أنا لو أعرف انكم هتتصلوا كنت أخدت أجازة من الشغل أنا و المدام و قعدت الولاد من المدرسة عشان نعرف نرد عليكم الساعة 11 الصبح" .. ثم استطرد متسائلاً : " و يا ترى بقى الرقم الجديد هيتنقل بنفس الخدمات ؟" .. و جاءته الإجابة كالعادة " واقواقية النكهة" : " لا يا أفندم .. حضرتك هتقدم على كل حاجة تاني كأنه رقم جديد .. زيرو المحافظات .. و خدمة إظهار الرقم .. و الاتصال بالموبايل ... كله كله" !!

تدلت شفتا صديقي في بلاهة و هو يستمع لإجابات مندوبة " الشركة الواقواقية للاتصالات" و يبدو أنها أحست بصدمة الرجل، فسارعت لتخبره أنه يمكنه طلب كل الخدمات من خلالها الآن دون الحاجة للتوجه للسنترال، و هو ما فعله بالفعل، و هنا أكدت له المندوبة أن طلبه سيتم الاستجابة له خلال ثلاثة ايام عمل .. و استكمالاً للحظ السعيد الذي يتمتع به صديقي، فلقد كان ذلك اليوم هو الخميس و كان على صديقي أن يستبعد من الأيام الثلاثة يومي الجمعة و السبت ليتم الاستجابة له بعد انتهاء يوم الإثنين، و بما أن الأحد و الإثنين هما إجازة عيد القيامة و شم النسيم، فكان عليه أن ينتظر حتى نهاية يوم الأربعاء .. أي بعد أسبوع كامل.

بعد أن استطاع التغلب على إحباطه و غضبه، تذكر صديقي أن هاتف منزل والده الذي يقطن معه بنفس البناية في طابق آخر معطل أيضاً، و تذكر أيضاً أنه هو من تعاقد لوالده على خدمة الانترنت من خلال إحدى شركات المحمول الكبرى " واقا فون"، و بعد حديث سريع مع والدته، و مكالمة لخدمة عملاء " الشركة الواقواقية للاتصالات"  اكتشف أن الموقف عند والده مطابق تماماً لما يعيشه منذ ثلاثة ايام، و هنا قرر الاتصال بشركة " واقا فون " ليخبرهم برقم والده الجديد حتى يتمكنوا من نقل خدمة الانترنت عليه.

بعد نهاية فترة الإجازات و الأعياد،  تلقى صديقي مكالمتين من شركتي الانترنت " واقا فون" و " واق واق دوت نت" ليخبراه فيهما أنهما لن يتمكنا من توفير الخدمة في القريب العاجل على خطوط "الألياف الضوئية" لأن أجهزتهم تعمل فقط على "الخطوط النحاسية" القديمة و أن عملية التحويل تتطلب تعاوناً من " الشركة الواقواقية للاتصالات " و هو ما ترفضه هذه الشركة و أن " ما باليد حيلة " و لا يتبقى له في جمهورية "الواق الواق " بعد الله إلا أن يتصل بالجهاز القومي لتنظيم الاتصالات لتقديم شكوى ضد "الشركة الواقواقية للاتصالات".

و بالفعل و في صباح اليوم التالي، اتصل صديقي بالجهاز القومي و كله ثقة من أن ذلك الجهاز المعروف بانحيازه للمواطن الواقواقي البسيط ضد تسلط و انتهازية  شركات المحمول الخاصة سيقوم باتخاذ اللازم تجاه " الشركة الواقواقية للاتصالات" التابعة للحكومة،  و التي قامت بتغيير رقمه و وقف خدمة الانترنت و إعاقة استرجاعها من جديد من خلال مقدمي الخدمة. و جاء صوت مندوبة قسم شكاوى المواطنين في الجهاز عذباً على الطرف الاخر من السماعة : " مساء الخير .. تحت أمرك يا افندم " و هنا بدأ صديقي في سرد القصة من البداية مرة أخرى لها، ثم سألها في النهاية : " إيه الإجراء اللي حضرتك تنصحيني بيه بقى ؟"  .. فأجابته بكل هدوء: " أحسن حاجة حضرتك تعملها .. انك توقف التعاقد مع شركتين الانترنت بتوعك و تتعاقد مع "الشركة الواقواقية للاتصالات" لأنها الوحيدة اللي عندها إمكانية توفيرها على خطوط "الألياف الضوئية" !!

و هنا صرخ صديقي في السماعة قائلاً: " لكن انتم كدة بتوافقوا على سياسة لوي الدراع و الاستهتار بحقوق العملاء اللي بتمارسها الشركة"

فأجابته بهدوء مستفز : " حضرتك وقعت على العقد مع "الشركة الواقواقية" و فيه بند بيقول ان من حقها تغير الرقم من غير ما ترجعلك .. أنا آسفة مش هأقدر أسجل شكوى حضرتك .. فيه اي استفسار تاني ؟"

أغلق صديقي السماعة في ذل شديد .. فعليه الآن أن يختار بين الاستمرار في المطالبة بحقه و رفض سياسة " لي الذراع" و فرض الأمر الواقع، أو الاستسلام للواقع المرير مقابل أن تعود خدمة الانترنت سريعاً.

لم يستغرق الأمر طويلاً حتى اتخذ صديقي في اليوم التالي قراره بالاستسلام و التعاقد مع "الشركة الواقواقية للاتصالات " من خلال شركتها للانترنت و المسماة " وي قي داتا" .. و بالفعل اتصل بخدمة العملاء، و لهول مفاجأته رد عليه مندوب خدمة العملاء في أقل من خمس دقائق و هو من اعتاد الانتظار لنصف ساعة على الأقل في الشركات الأخرى، ثم قام صديقي بسرد الموضوع كله للمرة الخمسين على مسامع ذلك المندوب و وضح له الرقم القديم و الرقم الجديد و الشركات المتعاقد معها، و السنترال التابع له، و كل ما يلزم لإنهاء الأمر.

و بالفعل بدأ المندوب في الإجراءات اللازمة للتعاقد من خلال شركة " وي قي داتا"، و لكن كل شئ توقف فجأة حين قال المندوب لصديقي عبر الهاتف: " أنا آسف يا أفندم .. مش هنقدر نكمل الطلب "

و هنا سأله صديقي:  " ليه يا سيدي بس ما احنا كنا ماشيين كويس"

فأجابه: " حضرتك بالفعل مقدم على الخدمة من أسبوع و الخدمة بالفعل هتشتغل بكرة " !!!

لحظات من الصمت مرت فيها كل الاحتمالات في عقل صديقي بداية من احتمال إصابته بالزهايمر، و نهاية بإمكانية إصابته بانفصام كامل في الشخصية .. فكيف تقدم بطلب و هو الذي لم يكن يعلم رقمه الجديد من الأساس، و إن كان قد قدم عليها، فكيف تدعي شركتي الانترنت أنهما يحاولان توصيل الخدمة و أن " الواقواقية للاتصالات" هي من تعيقهم، و أخيراً كيف يتوقف كل شئ من أجل موسم الإجازات، بينما يستمر طلبه المزعوم فقط في التحرك بل و تفعيل الخدمة !

استجمع صديقي رباطة جأشه، و سأل المندوب: " هو إزاي أقدم طلب من غير ما أعرف ؟  .. طيب حضرتك قدامك طلب رسمي مني .. يعني أنا موقع و معاك صورة البطاقة ؟"

و هنا أجابه المندوب: " لا يا أفندم .. الطلب حضرتك مقدمه من خلال موزع معتمد .. و لو حضرتك عايز تشترك مباشرة مع الشركة .. ممكن تقدم طلب انهاء تعاقد للموزع و بعدها بثلاثة أيام عمل تقدم طلب للتعاقد مباشرةً معانا"

رد صديقي بسرعة قائلاً: " يعني أنت عاوزني أقدم طلب لموزع ما أعرفوش و غالباً مزور توقيعي و منتحل شخصيتي عشان ياخد منكم عمولة؟ .. دي مشكلتكم انتم مع موزعينكم مش مشكلتي أنا يا أستاذ"

فجاءه الرد الذي أكد له أن "جمهورية الواق واق" هي دولة قانون بالمعنى الكامل للكلمة : " حضرتك ممكن تقدم بلاغ في مباحث الاتصالات ضد الموزع بتهمة التزوير، و ساعتها بصورة البلاغ معتمدة من النيابة ممكن نتعاقد لحضرتك .. أو ممكن تبعت فاكس لقسم شكاوى الموزعين و ربنا يسهل" !!

انتهت القصة .. لكن ما لم ينتهي هو تساؤلي حول كيف كان سيكون الأمر لو أن هذا الرقم الذي تم تغييره هو رقم شركة استثمارية أو شركة مقاولات ممن سيبدأون العمل في المشاريع المستقبلية في " جمهورية الواق واق" ؟!
 
كيف ستتمكن هذه الدولة من النهوض اقتصادياً إذا كان هذا هو حال القطاع الذي سيدعم النمو الاقتصادي، و إذا كان هذا هو حال الأجهزة الرقابية التي من المفترض أن تحمي المستثمر ؟
 
كيف ننتظر أن تتقدم جمهورية "الواق واق" بينما يتم إهدار حقوق مواطنيها المتعاقدين تعاقدات رسمية مع شركات كبرى بدعوى أن شركات حكومية تفرض سطوتها على الجميع و تفرض سياسة الأمر الواقع ثم تعود تلك الشركات للتنصل من التزاماتها لصالح موزعين لا يجيدون إلا الاستيلاء على البيانات السرية للعملاء؟

و كيف ننتظر أن ننمي روح الانتماء داخل أبناء "الواق واق" و مثل هذه الشركة تحارب الجميع بمن فيهم من التف حولهم كل شباب الوطن مثل اللاعب الواق واقي صلاح الذي افترضت هذه الشركة أنه مجرد أداة لتحقيق أرباح إضافية عن طريق استخدام صورته في إعلاناتها بينما لم تحترم حقوقه القانونية أو المالية أو تعاقداته مع شركات أخرى بل و امتد الأمر لأن تدفع اتحاد الكرة الرسمي للوقوف في صفها لحماية مصالح و "سبوبات" من يقومون عليه و ليذهب صلاح و أحلام المواطنين الواقواقيين في كأس العالم إلى الجحيم !




 إذا عرفتم الإجابة .. فاتصلوا بأي رقم عشوائي لتخبروا صاحبه بالإجابة .. فالأرقام التي تعرفونها قد تم تغييرها بالتأكيد !