Saturday, June 22, 2019

الوعي المطلوب .. في أمر أمير القلوب !!

إيهاب الشيمي


"لم أجد سوى مشروع النهضة، ومصر محتاجة لمؤسسة كبيرة مثل حزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان المسلمين، ومنتشرة فى ربوع مصر، وده حرصًا منى، وحاسس إنهم بيعملوا بحب وإخلاص، وأرى أن نكون داعمين لمحمد مرسى ليكون رئيسًا للجمهورية".

هكذا أعلن “أمير القلوب” في فيديو تم نشره قبيل الانتخابات الرئاسية في عام 2012 انتماءه الصريح سياسياً و اجتماعياً فكرياً لجماعة “الإخوان المسلمين” و هو ما أكده قبل ذلك أمام العالم كله حين رفع قميصه في الملعب ليظهر تحته شعار “متعاطف مع غزة” و هو أمر نبيل في ظاهره، و لكنه جدي بالمراجهة أيضاً، فالرجل لم يعلن تعاطفه مع فلسطين التي تضم كذلك الضفة الغربية و القدس و اللتان تتعرضان لما هو أسوأ، و لكن تعاطف الرجل لم يظهر إلا مع الأرض التي تسيطر عليها” حماس” فقط و كأن من هم سواها لا يستحقون التعاطف و الدعم !

حين أراد الرجل كذلك أن يستثمر أمواله التي اكتسبها من الشهرة الواسعة التي حظي بها كلاعب متميز طوال سنوات عديدة منحها خلالها الشعب حبه و ثقته ، لم يجد الرجل من هو أفضل من "أنس القاضي" ليشاركه استثماراته..

و لكي تعلم من هو شريكه ذلك، فعليك أن تعرف أنه أنس محمد عمر القاضي أحد الكوادر الشابة في تنظيم "الإخوان المسلمين" و هو الذي تم تصعيده في أعقاب الثورة ليتولى منصب أمين لجنة الشباب بحزب "الحرية و العدالة" بالاسكندرية،  تم تم تنصيبه متحدثاً رسمياً باسم حملة مرسي الرئاسية بالإسكندرية ثم المتحدث الرسمي لجماعة الإخوان المسلمين برمتها بالإسكندرية، و هو أيضاً من هدد الشعب المصري إبان إدارته لحملة مرسي وتوعد الجميع بالويل و الارهاب و الخراب والثبور إذا لم يتم إعلان مرسي رئيسا، مشككا في نزاهة العملية الانتخابية علي الرغم من أنه بنفسه أثنى على القائمين عليها حين انتهت بفوز مرشحه في النهاية!

و يمكنكم جميعاً كذلك أن تتذكروا تلك الفترة التي واكبت "عتصام رابعة" و كيف أنكر الرجل علاقته بلاعتصام أو مشاركته فيه بالرغم من كل الفيديوهات التي تم اذاعتها على الهواء من منصة رابعة و هي تعلن حضوره و مشاركته، و لا أنكر أن الأمر يخضع في النهاية لكلمة من يرون حضور الرجل و تعاطفه مع الاعتصام و الرئيس المعزول أمام كلمة من ينكرون ذلك طالما لم يتوافر حتى الآن أي دليل مصور يثبت وجود الرجل بالفعل هناك، و لكن حتى تلك الاشكالية و ذلك الجدل حسمه الرجل بنفسه بعد فض الاعتصام بأربعة أشهر حين توجه لكأس العالم للأندية و شارك في دعم حملة "مغاربة من أجل رفع شعار رابعة بمونديال الأندية"، وهي حملة يتضامن فيها شباب المغرب من المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين مع المعزول محمد مرسي وأنصاره، من خلال التقاط الصور مع إحدى الناشطات بهذه الحملة و هي ترفع  شعار رابعة لتنشر الصورة في النهاية على موقع الحملة على الفيسبوك بمباركة الرجل و دعمه مستغلاً عدم تجريم استخدام شعار رابعة في المغرب!

و لن أجد الحاجة ملحة لبذل مزيد من الجهد لبيان كيف استمر الرجل في العمل في قناة رياضية يعلم تماماً ملكيتها لشبكة "الجزيرة" و من خلفها "مؤسسة قطر للإعلام" التي تديرها المخابرات القطرية بالتعاون مع مخابرات دول أخرى مثل "إسرائيل" و "الولايات المتحدة"   و هي الجهات التي لا تدخر جهداً في دعم كل ما يدمر الاستقرار في مصر و دعم الجماعات الارهابية المتطرفة من أقصى الشرق في افغانستان و وصولاً إلى ساحل الأطلسي في المغرب العربي !

( يمكنك الرجوع لمقالي المنشور بصحيفة روزاليوسف على الرابط التالي لمزيد من التفاصيل أنقر هنا)

و لن أجادل كثيراً أصحاب فرضية سذاجة الرجل سياسياً و أنه كان ضحية مؤامرة كبرى لاستغلال شعبيته لخدمة أهداف الجماعة في استقطاب رموز رياضية و ثقافية و إعلامية و قضائية و فنية لتلميع صورتها و جذب المزيد من الشباب و المزيد من التعاطف، و لكن حتى هذه الفرضية سقطت منذ يونيو 2017 حين اعلنت مصر و السعودية و البحرين و الامارات بالأدلة التي لا تحتمل الشك كيف مولت قطر عمليات و أنشطة الإرهاب ضدها داخل أراضيها و خارجها في ليبيا و اليمن و السودان و تونس و هو ما أكدته قرارات مجلس الأمن التالية بإدراج العديد من القطريين و آخرين، ممن تمولهم الدوحة و تمنحهم حق الإقامة لديها، على قوائم أن الارهاب و حظر الحسابات المصرفية، و هو الأمر الذي جعل العديد من الرموز الرياضية أمثال حازم إمام و ميدو تتوقف عن التعامل مع هذه الشبكة رغم كل المغريات المادية، و رغم عدم وجود قرارات رسمية مصرية بضرورة التوقف عن الظهور على هذه القنوات أو رصد ما يفيد حدوث مضايقات أمنية لمن استمروا في التعاقد مع هذه الشبكة و مازالوا يظهرون على شاشاتها حتى الآن!

خلاصة القول هو الآتي :

- لا أحد ينكر أن الرجل لاعب قلما أنجبت الملاعب المصرية مثيلاً له، و لكن هناك في تاريخ مصر من يفوقونه مهارة ..

- لا أحد ينكر أن الرجل ساهم في حصول الأهلي على العديد من البطولات، و لكن الفريق كله آنذاك كان يعج باللاعبين المتميزين الذين لا يقلون عنه نجومية و تحقيقاً للانجازات و تاريخ الأهلي الممتد لأكثر من مائة عام لا يمكن حصره في لاعب واحد ..

- لا أحد ينكر دماثة خلق الرجل و تواضعه الظاهر، ولكن هناك من يتميزون أيضاً بتلك الصفات من نفس الجيل ..

- لا أحد ينكر أن الرجل ساهم في حصول مصر على بطولتين متتاليتين لكأس الأمم، و لكنه لم يفعل ذلك وحده، فلقد كان هناك زيدان و جدو و عبد ربه و جمعة و أحمد حسن و الحضري و متعب و بركات و عبد الشافي و غيرهم من القامات العالية في تاريخ مصر الكروي، بدليل حصولنا على البطولة الثالثة على التوالي رغم عدم مشاركة الرجل بها من الأساس ..

وكما ترى عزيزي القارئ، كل ما يتميز به الرجل موجود لدى العديد من أقرانه ممن منحوا الأهلي و المنتخب و الوطن الكثير، و لكن عليك أن تتساءل .. لماذا هو وحده من يحظى بكل هذه الدعاية و كل هذا التركيز ؟!

ببساطة .. كل ذلك ما هو إلا أسلوب غاية في الاحترافية ضمن خطة طويلة الأمد بدأت منذ ظهور "حسن البنا" في مصر منذ تسعة عقود لخلق رموز و زرع أفكار تهدف للسيطرة على الوعي الجمعي للأمة و الشباب بشكل خاص، باستخدام الدين و السياسة و المال، ليتم في النهاية إسباغ صفات العصمة و الألوهية على من يخدم هذه الخطة من هذه الرموز التي تم اختيارها بدقة شديدة، و يتم بالتبعية منحهم الحق في اعتناق ما يرغب من أفكار و دعم من يريد من جماعات و المشاركة، عمداً أو جهلاً، في جهود الإخوان المسلمين، و من يقفون خلفهم في قطر و تركيا و لندن، لتلميع صورة الجماعة و اقناع الجميع أن من تدعي حكوماتهم أنها جماعة إرهابية هدفها السلطة و فقط، إنما هي جماعة سياسية وطنية معارضة ينتمي إليها الصفوة ممن يجب أن يتخذهم الجميع قدوة، و ليس أن ينبذوهم و يتحفظوا على أموالهم!

في النهاية عزيزي القارئ، ليس عليك سوى الاختيار، بين أن تصبح ضحية لخطة الجماعة و البقاء حبيس انبهارك و إعجابك بمهارات و تواضع الرجل و بالتالي إنكار إثمه و خطيئته في حق الوطن، و بين أن تستيقظ من غفوتك و تدرك كيف يستغل هؤلاء عشقك للفن و الرياضة و الأدب ليخترقوا أمن الوطن و يهدموا استقراره !

تحيا مصر و ليبقى دائماً المجد فقط للشهداء!

Sunday, June 9, 2019

الممر .. من جديد!

إيهاب الشيمي

قررت منذ يومين أن أشاهد فيلم "الممر" مع العيال و أمهم ..
بالطبع كنت أعرف مقدماً أن الفيلم يتناول تحديداً هزيمة الخامس من يونيو 1967 و ما تلاها من عمليات كانت مقدمة لمرحلة الاستنزاف التي بدأت في عام 1969، و بالتالي كنت مستعداً على المستوى النفسي لمشاهدة ما سيثير الكثير من الألم و الغضب و الحزن في آن واحد..  !

و لكن يبدو أن ذلك الاستعداد و تلك الجاهزية الذهنية لم تكن سوى أكذوبة خدعت بها نفسي لتحملني قدماي إلى داخل قاعة العرض ، فما أن بدأت أحداث صبيحة يوم الخامس من يونيو و توالت مشاهد الضربة الجوية الإسرائيلية على مطاراتنا و قواعدنا و معسكراتنا حتى شعرت بوقع كل قذيفة و  كل رصاصة كأنها تخترق صدري أنا لينتفض جسدي مع دوي انفجار كل منها .
بلغ الأمر ذروته حين ملأ الشاشة ذلك المشهد الذي تتحرك فيه الكاميرا مع القنبلة التي تترك باطن القاذفة الإسرائيلية و تبدأ في السقوط نحو هدفها، الذي يمكنك من مقعدك مشاهدته بعيداً هناك في الأسفل و الذي لم يكن سوى  ذلك الخندق و قد امتلأ عن آخره بالمجندين الباحثين عن النجاة بعد أن ألقت بهم قيادتهم في قلب سيناء دون أن يكملوا يوماً واحداً من التدريب، بل دون أن يتمكنوا من ارتداء ملابسهم العسكرية قبل التوجه لقلب الصحراء !
و بينما كانت القنبلة تتسارع في سقوطها نحوهم كانت دقات قلبي تتسارع بنفس المنوال و كانت يداي تزيدان من تشبثهما بمقعدي و كأنهما تحاولان منعي من السقوط المروع مع تلك القنبلة ..
فجأة .. يتوقف كل شيئ داخل قاعة العرض .. حتى أكاد أقسم أن عقارب الساعة نفسها قد توقفت عن الدوران حين اصطدم الغلاف المعدني اللامع المزين بالنجمة السداسية بحافة الخندق لتنفجر القنبلة الضخمة التي يحتويها و تتطاير معها أجساد و أحلام عشرات الجنود وسط مزيج مزعج من الدم و الدخان و الرمال و الصراخ و الألم!

رغم كل الصخب و الفوضى التي سادت المشهد، إلا أن السكون كان قد فرض سطوته بشدة على كل شيئ داخل قاعة العرض حتى تكاد من شدته أن تسمع دقات قلب من يجلس بالمقعد المجاور لك بينما تتحول الكاميرا  ببطء إلى زاوية بعيدة حيث يقف ذلك الصاري الذي يحمل علم مصر ممزقاً و محترقاً وسط سحابة ضخمة من الدخان الأسود، لأجد نفسي و قد اغرورقت عيناي بالدموع و كأني هناك معهم ممداً على رمال الصحراء غارقاً في دماء الصدمة ! 

نعم .. رغم كل شيئ، يبدو أن استعادة أحداث و تفاصيل تلك اللحظة و ذلك اليوم يثير نفس الألم و نفس الغضب و نفس الحزن في كل مرة، فليس هناك ما هو أكثر إيلاماً من فقد الكرامة و العزة و انكسار الوطن! 

فيما تبقى من الفيلم، و بينما تخرج بك الأحداث رويداً رويداً من رحم المأساة الضيق المظلم إلى رحابة و إشراق الحلم باستعادة الأرض من جديد، راودتني تلك الأحاسيس التي راودتني حين تابعت في نفس قاعة العرض منذ عامين أحداث فيلم "دنكيرك" حيث تمكن كريستوفر نولان من تحويل أكبر كارثة عسكرية في تاريخ الجيش البريطاني إلى عمل فني يضخ المزيد من الدماء في أوردة مشاعر الوطنية و الفخر و الرغبة في الانتصار على كل الأعداء من أجل الوطن !
حين انتهى العرض، لم أجد نفسي إلا و أنا أقف مصفقاً بحرارة لكل من شارك في هذا العمل الذي كما أثار مشاعر الأسى و الغضب، نجح كذلك و بجدارة في إثارة مشاعر الفخر و العزة و الكرامة بكل هؤلاء الأبطال من أبناء هذا الوطن العظيم الذين خرجوا من الهزيمة ليذيقوا العدو نفس مرارتها و ليمنحونا الأمل في عودة تراب الوطن من جديد!

ما أثبته هذا الفيلم هو أن هذا الشعب و برغم كل ما يعانيه من قسوة الظروف و ضيق المعايش و تغول الفساد، إلا أنه حين يتطلب الأمر، فإنه يتحول لقوة جامحة في وجه الأعداء دفاعاً عن الوطن الذي يظن أحياناً تحت وطأة الضغوط أنه لم يعد وطنه، و دفاعاً عن الأرض التي يعتقد في ثورة غضبه أنه يمكنه استبدالها بأخرى أكثر عطفاً و كرماً و أكثر احتراماً و تفهماً لإنسانيته!

و ما تأكدت منه شخصياً بعد مشاهدته، أننا بحاجة للكثير من هذه الأفلام لتكون بدورها بمثابة "الممر" الذي يعبر من خلاله الجيل الحالي من ضيق الشك و عتمة اليأس إلى رحابة الثقة في عظمة هذا الشعب و نور الأمل في مستقبل أفضل.

تحيا مصر و ليبقى دائماً المجد للشهداء.


توضيح هام:
وردني بعد كتابة المقال تساؤلات كثيرة حول ما ذكزته من أن الاستنزاف بدأ في 1969 وليس 1967، و لذلك وجب علي توضيح الآتي:
في أعقاب النكسة بدأت مصر حربها ضد إسرائيل على ثلاثة مراحل، الأولى أطلق عليها اسم «مرحلة الصمود» ثم مرحلة «الدفاع النشط»، ثم تطور القتال إلى مرحلة جديدة أطلق عليها «الاستنزاف»، لتصل الحرب إلى ذروتها في عام 1973.
وكان الهدف من «مرحلة الصمود» سرعة إعادة البناء، ووضع الهيكل الدفاعي عن الضفة الغربية لقناة السويس، واستغرقت هذه المرحلة، من يونيو 1967 إلى أغسطس 1968، أما مرحلة «الدفاع النشط» فقد كان الغرض منها تنشيط الجبهة والاشتباك بالنيران مع القوات الإسرائيلية؛ بغرض تقييد حركة قواتها في الخطوط الأمامية على الضفة الشرقية للقناة، واستغرقت هذه المرحلة المدة من سبتمبر 1968 إلى فبراير 1969.

وتصاعد القتال إلى مرحلة جديدة أطلق عليها «الاستنزاف»، وذلك من خلال عبور بعض القوات، والإغارة على القوات الإسرائيليةداخل تحصيناتها في قلب سيناء، وكان الهدف منها تكبيد إسرائيل أكبر قدر من الخسائر في الأفراد والمعدات و العودة بالأسرى إن أمكن ذلك، واستغرقت هذه المرحلة من مارس 1969 إلى أغسطس 1970.