Thursday, December 21, 2017

هيلي .. جذور الكراهية !

إيهاب الشيمي:

منذ شهور قليلة أطلت علينا الولايات المتحدة الأمريكية من جديد بمواقف تذكرنا بتلك التي اتخذتها مادلين أولبرايت أثناء عملها كمندوبة دائمة لها في مجلس الأمن، و الغريب أن من يمثلها هذه المرة أيضاً .. إمرأة و لكن ببشرةِِ داكنة و شعر أسود و قوامِِ أشد نحافة و أكثر طولاً !

إنها نيكي هيلي .. تلك المرأة التي لا تتوانى عن اغتنام كل الفرص المتاحة لبيان دعمها الكامل لإسرائيل و أسفها تجاه ما تعتبره الموقف المخزي للمجتمع الدولي ضد الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط !
و هي نفس المرأة التي قالت بعد التصويت على مشروع القرار المصري في مجلس الأمن برفض قرار ترامب اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل انها لا تخجل من استعمالها حق النقض ضد القرار وحدها ضد إجماع بقية الأعضاء !
ما لا يعرفه الكثيرون هو أن نيكي هيلي سفيرة الولايات المتحدة إلى الأمم المتحدة و مجلس الأمن هي ابنة "راج رانداوا" و "أجيت سينج" و هما زوجان هاجرا من ولاية البنجاب في الهند إلى كندا ثم منها إلى ولاية كارولينا الجنوبية حيث ولدت نيكي و درست و التحقت بالحزب الجمهوري و تدرجت فيه حتى وصلت لمنصب أول حاكمة للولاية من أصل هندي ..

و لكن ما يفسر مواقفها التي تتعدى الديبلوماسية بكثير تجاه دعم إسرائيل هو أن اللوبي اليهودي هو من دعم مواقفها السياسية أثناء حملاتها الانتخابية لمنصب الحاكم و منصب النائب عن الولاية في مجلس النواب الأمريكي و هو ما دعاها لإصدار قانون هو الأول من نوعه في تاريخ الولايات المتحدة لوقف نشاط حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات ( Boycott, Divestment and Sanctions Movement) (المعروفة بالاختصار BDS) التي بدأت في 9 يوليو 2005 ضد إسرائيل.


ما يمكن أن يضيف بعداً آخر لكل تلك الكراهية تجاه المسلمين هو أن تعرف أن عائلة هيلي تعتنق مذهب "السيخ" و هي ديانة ابتدعها رجل هندي في اواخر القرن الخامس عشر و تعاقب خلفاؤه على زرع روح الكراهية و العداء في صدور أتباعهم ضد المسلمين و هو ما أدى عبر القرون الماضية إلى موجات من القتل و الاضطهاد و التعذيب ضد المسلمين في البنجاب!
 

الشئ اللافت هو أن المرأتين في كل مرة كانتا تنحدران من عائلة مهاجرة إلى الولايات المتحدة، و تنتميان للحزب الجمهوري، و هو ما يثير إعجابي و غضبي دائماً في الوقت ذاته .. إعجابي بتلك الدقة الشديدة التي ينتقي بها الصهاينة، من بين ملايين الأمريكيين، من يدعمونهم بالمال و النفوذ لكي يقفوا حائط صد ضد كل من يفكر في معارضة إسرائيل، و يدافع عن مصالحها في جميع أروقة المؤسسات الدولية، و غضبي تجاه كيفية فشلنا نحن المصريون حتى في اختيار من يمثلنا في البرلمان و يدافع عن مصالحنا في وجه تغول السلطة و رأس المال و تغلغل الفساد و انحراف الخطاب الديني !


يبقى لي في النهاية أن أهمس لكم أن تنتظروا استبدال وزير الخارجية تيلرسون بالسيدة هيلي في القريب العاجل !

Wednesday, December 6, 2017

التحالفات الشيطانية .. في دهايز المتاهة اليمنية !

 بقلم : إيهاب الشيمي
تم نشر المقال في سبتمبر 2014 في روزاليوسف المصرية
رابط المقال

"الأرض بتلف !! يعني بالليل تبقى دكانتي في باب الشعرية .. أدور عليها الصبح ألاقيها  في روض الفرج؟!"

مشهد لا يمكن نسيانه من مسرحية "السكرتير الفني" للعظيم "فؤاد المهندس" حول مواجهة البعض لصعوبات بالغة  في فهم الكثير من الحقائق التي تحكم عالمنا، و هو ما يمكن إسقاطه على الكثيرين ممن تابعوا المشهد اليمني خلال اليومين الماضيين حيث باتوا ليلتهم و العاصمة اليمنية صنعاء قلعة حصينة في وجه المتمردين "الحوثيين"، الذين يتوعدهم قادة القوات المسلحة اليمنية بالهلاك حال محاولتهم اقتحامها، ليستيقظوا في الصباح الباكر و قد اختفى من المشهد أي أثر للقوى  الأمنية الحكومية، أو ألوية الجيش اليمني، وسط انتشار كثيف لميليشيات "الحوثيين" في كل ركن من أركان العاصمة، بل و في قلب قيادة القوات المسلحة ذاتها، في مشهد يعيد للأذهان بصورة متطابقة تقريباً، ما حدث في بغداد في العام 2003 حين خلدنا جميعاً للنوم و صدام يقف شامخاً وسط جنوده مهدداً أمريكا بفناء قواتها، لنستيقظ في الصباح التالي على مشهد تمثاله و هو يسقط في وسط بغداد بينما تحيط به مدرعات و جنود المارينز!

و لكي أبسط لك المشهد اليمني عزيز القارئ، فلا بد ان ألفت نظرك في البداية أنه ليس بسهولة المشهد السوري الذي تتحكم فيه قوتان أو ثلاث على الأكثر، أو المشهد الليبي الذي تتصارع فيه قوتان واضحتان. فالمشهد اليمني ذو أبعاد زمنية أكبر من كلاهما، كما أن أطراف الصراع فيه تجعله اقرب إلى دوري كرة القدم الذي تتصارع فيه العديد من الفرق الكبيرة و الصغيرة على اختلاف امكانياتها و مهارات لاعبيها السياسية و الاستراتيجية، و امكانيات رعاتها المادية  للفوز بكأس السلطة، او الحصول على ميدالية الوصيف على أسوأ تقدير.

و يمكن تصنيف الفرق على النحو التالي:

الفريق الأول:  فريق ذو لاعب واحد يشغل كل المراكز و هو "علي عبد الله صالح" رئيس حزب "المؤتمر الشعبي العام" الذي تولى السلطة منذ 1978 و حتى قيام الثورة ضده في العام 2011

الفريق الثاني: "الإخوان المسلمون" و يمثلهم ذراعهم السياسي في اليمن "حزب التجمع اليمني للإصلاح" الذي تم تاسيسه في العام 1990 من رحم ميليشيات "الجبهة الإسلامية" المسلحة التي ظهرت في 1979، و يضم الحزب تحت لواءه أيضا بعض السلفيين و معتنقي المذهب الوهابي بقيادة  "علي محسن الأحمر" و "عبد الله الأحمر" و "عبد المجيد الزنداني"

الفريق الثالث: المتمردون الحوثيون و يمثلهم حركة "انصار الله" بقيادة ابن مؤسسها بدر الدين الحوثي في العام 1992 حسين الحوثي و أخوته عبد الملك و يحيى المنتمين للطائفة الزيدية الشيعية التي سبق و ان سيطرت على اليمن من خلال حكم "الإمامة" منذ الاستقلال عن العثمانيين في العام 1918 و حتى إعلان الجمهورية في 1962.

الفريق الرابع: تنظيم القاعدة في اليمن، و هو أحد فصائل القاعدة في جزيرة العرب و الذي بذأ نشاطه في اليمن منذ العام 1998 و حتى اليوم.

الفريق الخامس: الانفصاليون من اليمن الجنوبي الذين يعارضون الوحدة الاندماجية و يرون أنها رسخت لسيطرة الفريقين الأول و الثاني على الجنوب و إقصاء الجنوبيين عن الحكم و التمكين، فيما يشبه الاحتلال و ليس الوحدة، و يقودهم رموز "الحزب الاشتراكي" الذي حكم اليمن الجنوبي منذ الاستقلال في العام 1967 و حتى الوحدة في 1990.

و كأي مسابقة للدوري في أي بلد في العالم، فإن الفرق و مناصريها قد يشجعون فريقاً آخر ضد فريق ثالث، ثم يعودوا لتمني خسارته في جولات لاحقة، حتى يخسر نقاط تمكنهم من البقاء في الصدارة وحدهم، و هذا بالضبط ما يحدث في اليمن، فأصدقاء اليوم هم أعداء الغد، و فرقاء الأمس، هم حلفاء المستقبل، فلا شئ يهم سوى الحفاظ على السلطة.

و باستقراء الانتماءات السياسية  و المعتقدات المذهبية للفرق المتنافسة، و الموقع الجغرافي و التأثير الإقليمي لليمن، يمكنك أن نستشف من هم الرعاة الرسميون للدوري و الذين لن يخرجوا عن المملكة العربية السعودية الممثلة للقوى السنية المحافظة المتثلة في نظر الرياض في حزب الإصلاح، والراعي الرئيسي الثاني وهو نظام الثورة الاسلامية الحاكم في طهران و المحرك الرئيسي للمد الشيعي في الشرق الأوسط و آسيا الوسطى، و الذي يعتبر دعمه للأقليات الشيعية حول العالم سبباً رئيسياً لإقناع شعبه ببقاء نظام الملالي حاكماً لهم، و هو بالتالي يوفر كل الدعم لميليشيات الحوثي!

و تبدأ الحكاية منذ سقوط نظام حكم "الإمامة الزيدية" في الأجزاء الشمالية من اليمن في عام 1962 و تحول الحكم للنظام  الجمهوري بدعم من الضباط الأحرار في مصر في ذلك الوقت، و الذي وقفت ضده الحكومة السعودية حينها لما يمثله من خطر على نظام الحكم الملكي فيها أيضاً، بينما بقيت الأجزاء الجنوبية من اليمن خاضعة للإحتلال الانجليزي حتى عام 1967.

 و بعد استتاب الأمر للنظام الجمهوري في الشمال، تعاقبت العديد من الانقلابات على اليمن الشمالي،  حتى استولى "علي عبد الله صالح" على الحكم في العام 1978. و لكي يضمن "صالح"  بقاءه في السلطة، و دعم الدول الكبرى , المحيطة له بالمال و السلاح، فقد تحالف مع ميليشيات "الجبهة الإسلامية" المحسوبة على "الإخوان المسلمين" في اليمن في حرب خاضوها سويةً ضد "الحزب الاشتراكي" ذو الأيديولوجية الشيوعية الحاكم في اليمن الجنوبي، و بذلك ضمن تدفق المال و السلاح إليه من المملكة العربية السعودية من خلال حليفه "الجنرال علي محسن الأحمر" الذي ضخت السعودية المال و السلاح من خلاله لوقف الخطر الشيوعي القادم من الجنوب، كما أنه وجد في الأمر فرصة سانحة لتلقي الدعم المباشر لنظام حكمه من الولايات المتحدة الامريكية بصفته مدافعاً عن المبادئ الغربية في وجه حلفاء الاتحاد السوفييتي.

و لضمان استتاب الأمر له في الداخل، قام "صالح" بتأسيس "حزب المؤتمر الشعبي العام" في العام 1982ليكون ظهيرا له في الحكم ضد معارضيه، و بدأ في ضم قيادات القبائل و العشائر اليمنية، و النخب السياسية، و الاجتماعية لهذا الكيان فيما يشبه مجلس مصالح كبير لا تحكمه أو تميزه أية أيديولوجية سياسية أو فكرية، ليترأسه هو و يضمن به سيطرته التامة على مقاليد الأمور في البلاد.

و عقب انهيار أسس حكم "الحزب الاشتراكي" في اليمن الجنوبي نتيجة الانهيار المفاجئ لحليفه الرئيسي "الاتحاد السوفييتي" في عام 1990، وافق قادة الشطر الجنوبي على اتفاقية الوحدة مع الشمال، على أن يكون "صالح" رئيساً لليمن الموحد، و يكون "علي سالم البيض" رئيس الحزب الاشتراكي نائباً له.

و في نفس العام 1990، قرر "الإسلاميون" برعاية الجنرال "محسن لأحمر" و الشيخ "الزنداني" الذي تحول من الزيدية إلى الوهابية بعد إقامته في السعودية لفترة، تأسيس "حزب الإصلاح" ليكون واجهة سياسية لميليشيات "الجبهة الإسلامية" تستطيع المشاركة من خلالها في صنع القرار مع "المؤتمر الشعبي العام"، و إضفاء المزيد من الشرعية و النفوذ على حليفهم "صالح"، و هو ما حدث بالفعل، حيث أسند صالح للأحمر مهام قيادة القوات المسلحة اليمنية، و أسند للزنداني كل ما يتعلق بأمور التعليم و انشاء المدارس و المعاهد في اليمن، و هو ما دفع الإخوان المسلمين ليتصدروا المشهد من خلال استقدام المعلمين و الشيوخ المنتمين لهم للتدريس في هذه المعاهد و المؤسسات الدينية الملحقة بها.

و لكن منح "صالح" لكل هذا النفوذ لحلفاءه فقط، أثار غضب الجنوبيين الذين وجدوا أنفسهم و قد تم إقصائهم من كل أوجه الحياة، بداية من تسريحهم من القوات المسلحة، و نهاية بتفضيل الأقاليم الشمالية على مثيلتها الجنوبية في الخدمات و التمثيل السياسي و النيابي. و أدى كل ذلك لظهور ما يمكن تسميته بالتمرد من قادة و زعماء القبائل التي وجدت نفسها و قد تم اسناد إدارة كل مناطقها إلى محافظين كانوا عسكريين سابقين في نظام "صالح" و هو ما دفع الأمور باتجاه نشوب حرب صيف 1994 و اجتياح "عدن" عاصمة الجنوب بقوات الجيش اليمني بقيادة "علي محسن الأحمر" حليف "صالح" و ذراع الإسلاميين في المؤسسة العسكرية. و لكن عقب هذه الحرب تصاعدت الاحتجاجات في الجنوب و ظهرت حركة "الحراك الجنوبي" التي لم تعد تنادي بالمساواة مع الشمال، بل باتت تدعو للانفصال من جديد عن اليمن الشمالي، و هو ما شكل خطراً كبيراً على نظام "صالح" و حلفائه "الإسلاميين".

و في الشمال و تزامناً مع ما يحدث في الجنوب في نفس الفترة، و استمراراً لرفض طوائف أخرى لسياسات التفرقة التي مارسها "صالح" و "الإسلاميين"، أنشأ "حسين الحوثي" ما يعرف بحركة "أنصار الله" في عام 1992، و هي ما عرفت لاحقاً بحركة "الحوثيين" نسبة إلى الرجل. و اتخذت الحركة من "صعدة" في الشمال مقراً لها، و انطلقت منها معارضتها لنظام "صالح" التي رأت أنه يستهدف الطائفة "الزيدية" و تاريخها و تراثها و وجودها لما تشكله من خطر على نظامه لتاريخها السابق في حكم اليمن. و نتيجة لاشتباكات متقطعة بين الجانبين، نشبت الحرب بينهما في صعدة و  قتل على أثرها مؤسس الحركة "حسين الحوثي" في العام 2004، و تسلم القيادة منه شقيقه الأصغر عبد الملك، و الذي خاض خمسة حروب أخرى مع "صالح" و حليفه "حزب الإصلاح" و امتد الأمر للاشتباك داخل المملكة العربية السعودية و قتل جنود سعوديين في العام 2009 بعد اتهام "الحوثيين" للسعودية بدعم "صالح" و "الإصلاح" على أساس طائفي ضد "الحوثيين" الشيعة، و هو ما ردت عليه الطراف الثلاثة بوجود أدلة قطعية لديها بتمويل و دعم الحرس الثوري الإيراني للحوثيين من أجل دعم المد الشيعي جنوب المملكة.

و وسط كل هذه الاضطرابات في الشمال و الجنوب و صراع الفرق الأربعة "صالح" و "الإصلاح" و "الحراك الجنوبي"، و "الحوثيين"، وجد  "تنظيم القاعدة"  الفرصة الذهبية لبسط  نفوذه في جنوب الجزيرة، و قتال حلفاء النظام السعودي، الذي يكفره "بن لادن"، و المنهكين أصلاً بالقتال على جبهتين. و بدأ التنظيم فعلاً في عمليات خطف و قتل لأجانب بحجة طرد "الكفار" من جزيرة العرب في عام 1998، و تصاعدت الأمور بشدة حتى الوصول لحادث تفجير المدمرة الأمريكية كول في اليمن في العام 2000، و هو ما دعى الولايات المتحدة لاحقاً لدعم نظام "صالح" من جديد بالمال و السلاح بحجة القضاء على الإرهاب في اليمن، و هو ما أجج الغضب ضد نظام "صالح" ليس في مناطق الصراع مع "الحوثيين" و "الجنوبيين" وحدها، و لكن أيضاً في وسط اليمن بعد أن قتلت الغارات الأمريكية اليمنية المشتركة من المدنيين أضعاف ما قتلت من المنتمين للتنظيمات الإرهابية، و هو ما استمر باستخدام الطائرات بدون طيار حتى بعد قيام الثورة بموافقة الرئيس  الحالي "هادي".

الفصل الأخير من مسابقة الدوري، هو ما حدث عقب الثورة ضد "صالح" في 2011، فلقد تخلى حزب "الإصلاح" عن تأييده العلني لصالح،  بل و أعلن "الأحمر" انضمام الجيش لمطالب "الحوثيين" و "الحراك الجنوبي" بضرورة تنحي "صالح" تماماً. كما دفع "الإصلاح" بكوادره الشبابية لتنضم لمئات الالاف من الشباب في "ميدان التغيير" ليسيطروا على فعالياته الثورية، و يغيروا من نبرة و مطالب الثورة، و رفع صوت المطالب المنادية بالتوافق و المصالحة و ضرورة مشاركة الجميع، لا لشئ إلا لضمان بقاء مناطق نفوذ "الإصلاح"، و الدليل أنهم ظلوا ينسقون مع رموز الفساد و المحسوبية في "المؤتمر الشعبي العام" حتى هذه اللحظة للسيطرة على مفاصل السلطة بعد التضحية بصالح ككبش فداء. بل إنهم تمادوا في الأمر لدرجة اشتباك القوات الموالية للجنرال "محسن الأحمر" مع قوات الحرس الجمهوري التابعة لأحمد الإبن الأكبر للرئيس المعزول "علي عبد الله صالح"!

يتبقى لي هنا أن أقول لك يا سيدي، ان سيطرة الحوثيين على صنعاء هذا الأسبوع، لم تكن مفاجئة لمن يتابع المشهد كما قرأت، فانشغال فرق الجيش في الصراعات مع القاعدة، و مع الحراك الجنوبي، قلصت من حجم القوات التي كان يمكنها أن تقف في وجه "الحوثيين"، و لكن دعني أفاجئك لأقول لك، أن الحوثيين لم يكونوا لينتصروا إلا بدعم معلوماتي و مادي و لوجيستي من "صالح" نفسه الذي كان عدوهم اللدود، و الذي وفر لهم كل إمكانياته في الفترة الأخيرة من قنوات تليفزيونية تابعة له لتكون منبراً لهم، و بتوفيره معلومات عن الجيش اليمني و اماكن تمركزه و حجم قواته، لكي ينتقم من "الأحمر" الذي تخلى عنه، و ينتقم من الدول المجاورة التي  جعلته كبش فداء مقابل ضمان استقرار اليمن و المنطقة بأسرها، و لكي تتأكد من ذلك التحالف المريب، فعليك عزيزي القارئ أن تراجع  إعلان اللواء 63 المكلف بحماية مقر القيادة العامة للجيش تأييده للحوثيين حين اقتحموا صنعاء، و هو لواء تابع للحرس الجمهوري القديم الذي مازال يدين بالولاء لصالح و أسرته. و هكذا  وجد "الحوثيين" صنعاء و قد أصبحت لقمة سائغة  ليملأوا سماءها و شوارعها بمظاهر انتصارهم، و ليبقى الخاسر الوحيد هو كل يمني مخلص يحلم بيمن موحد و متقدم و مستقر
.

Sunday, August 6, 2017

Against the Revolution !



Ehab El Sheemy

When Mubarak’s regime boldly took over Egypt, I took it personal. Everyone I knew thought I was insane, including me sometimes !

I had an admirable career and a perfect lifestyle and I could have just taken the privilege, but that wasn’t right. It wasn’t right that other men should fight, be imprisoned and die, while I’m just sitting at home safe talking about it. I needed to serve Egypt. I’ve got the energy and the passion to serve as a real patriot, right in the middle of danger with everyone.

Ironically, I was a revolutionist against the Revolution itself! while everybody else was seeking Retaliation and looking back to a Past full of Despair, Discrimination and Hatred, I was looking forward to seeing a Future full of Hope, Equality and Harmony.

With Egypt so set on tearing itself apart, it did not seem like such a bad thing to me to want to put a little bit of it back together.

For me, Justice was never about justified Revenge !

Saturday, July 29, 2017

مصر و فلسطين .. بين كذبهم و فشل إعلامنا !



إيهاب الشيمي:

.. مقتل جنديين إسرائيليين في عملية طعن داخل المسجد الأقصى
.. إسرائيل تغلق الأقصى و المدينة المقدسة في وجه المصلين
.. الغضب يجتاح الأاراضي المحتلة
.. استهشاد و جرح العشرات في مواجهات مع قوات الاحتلال 
.. حماس تقصف جنوب إسرائيل دون وقوع خسائر بشرية ..
.. إسرائيل تبدأ قصفاً جوياً لغزة مساء اليوم رداً على الهجمات الصاروخية
.. الجيش الإسرائيلي يبدأ حملة عسكرية برية في القطاع لتحييد خطر الصواريخ
.. استهداف قياديين لحماس و عائلاتهم في غزة
.. تدمير مئات المنازل و عشرات المدارس و المستشفيات و محطات الكهرباء
.. استشهاد المئات من الرجال و النساء و الاطفال إثرالقصف الجوي و البحري
.. كتائب القسام تتوعد الحكومة الإسرائيلية برد قاس ضد مواطنيها في الجنوب
.. سرايا القدس تهدد الجيش الاسرائيلي بمفاجآت حال قرر قادته دخول قواته براً إلى القطاع
.. مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة يتفقد آثار الدمار في غزة بعد توقف العدوان الإسرائيلي
.. اجتماع مجلس الجامعة العربية مع وفد الرباعية الدولية لبحث جهود إعادة الإعمار

 يمكنك ببساطة، و بعشوائية إن شئت، اختيار ما تراه مناسباً كأعوام تؤرخ  للعناوين السابقة ، و سيمكنك ببساطة أكثر إيلاماً استدعاء مشاعر الغضب و الحزن و الأسى التي عايشتها خلال كل هذه الأحداث،  برغم مرور سنوات على حدوثها.

لكنك حتماً ستواجه فشلاً ذريعاً حين يكون مرادك تذكر أسباب التصعيد في كل منها، أو مواقف الأطراف المتصارعة قبله  و بعده، أو الأسباب التي أدت لتوقف التصعيد و الصدام بين الأطراف كافة و ما استتبع ذلك من حجم المكاسب التي خرج بها كل طرف.  لن أتحدث عن الخسائر، فالخاسر الوحيد في نظري دائماً هو كل تلك الامهات الثكالى، و الاطفال المشردون، و الاجداد المكلومون على مواراة أحفادهم التراب بينما ظنوا انهم هم من سيقرأون الفاتحة على قبورهم.

لست أتهمك عزيزي القارئ بضعف الذاكرة، أو سطحيتك في التفكير، أو فقدك للاهتمام بالحدث، فلو أن هذا ما يميزك لما كنت تقرأ هذه السطور من الاساس، و لكن ما أنا بصدده هنا هو بيان الحقيقة المؤلمة أن فشلك في تذكر أسباب التصعيد و اطرافه و مكاسبهم ليس إلا نتيحة لفشل الاعلام المصري في أن يمنحك صورة كاملة عن الحدث، و تحليلا أعمق لجذوره و تفرعاته، و أن يعطي بالتالي لك كمصري فرصة أفضل لتفهم موقف حكومتك الرسمي، و الوعي بالدور المحوري لمصر في دعم حق الشعب الفلسطيني في العيش حراً كريماً في دولة ذات سيادة و حدود معترف بها، و الأهم من ذلك كله، و هو تبصيرك بالحجج و البراهين التي تساندك حين يتعلق الأمر بالرد على ادعاءات المغرضين الذين لا هم لهم سوى تقزيم الدور المصري، أو تشويهه، أو تخوينه لخدمة أجندات داخلية و خارجية مشبوهة.

دعني أذكرك أنك طالعت في كل هذه الأحداث، على اختلاف أعوام حدوثها، نفس العناوين الصماء في صدر الصفحات الاولى و نشرات الاخبار في الإعلام الحكومي و المستقل. دعني أذكرك كذلك أن الشئ المشترك في كل هذه الاحداث هو التناول العقيم لها ممن يتشدقون بالقبض على  ناصية الإعلام و التنوير في مصر، بينما لم يأخذوا من أسباب ذلك إلا ظهورهم بمناسبة أو بدونها ليحركوا مشاعر الكراهية ضد إسرائيل بعرض مشاهد الضحايا تارةً، أو بصب لعناتهم على معارضي الموقف الرسمي المصري تارةً أخرى، غير باحثين عن شئ إلا حصد المزيد من الشعبية الزائفة دون أي جهد فعلي لزيادة الإدراك الشعبي بحقائق الأمور.

لا أنكر بأي حال استخدام هؤلاء لأدوات جديدة في كل مرة، فلقد بدأوا بالصحافة المقروءة، و مروا بالقنوات الفضائية، و انتهوا بالمواقع الإليكترونية، و لكن ذلك التطور في الأدوات لم يواكبه أي تطور يذكر في أسلوب التناول و العرض و التحليل السياسي و الاستراتيجي القائم على أسس مهنية، فلم يجد المتابع نفسه إلا فريسة سهلة لمن يتقنون ذلك ، لنجد أنفسنا في النهاية و قد تعادلت كفة عشرات الآلاف ممن يشغلون ماسبيرو، مع قلم رجل واحد مثل عبد الباري عطوان في صحيفة القدس العربي التي تصدر في لندن، و الذي نجحت جهوده هو و قنوات الجزيرة و مواقع الإخوان المسلمين، و صحافة الغرب الممولة من أطراف إقليمية في طهران و أنقرة في لي الحقائق و إظهار تركيا و قطر في صورة المساندين للحق الفلسطيني، و حصر المقاومة الفلسطينية في حماس، و حصر القضية الفلسطينية في غزة، بينما رسموا صورة مشوهة لمصر تتحالف فيها مع الكيان الصهيوني تصفيةً لحسابات تتعلق بالأمن القومي.

إذا كنت تعتقد اني من المتحاملين على الإعلام المصري، فكيف لك أن تفسر عدم استطاعة وسائل الإعلام المصرية الكشف عن حجم العلاقة الوثيقة بين أنقرة و تل أبيب على جميع الأصعدة؟! و كيف لك أن تفسر لم لم يتطرق أحد منها بشكل موضوعي و مؤثر إلى حجم التعاون العسكري بين الطرفين و الذي لم يتوقف حتى بعد عملية الرصاص المصبوب ضد غزة في 2008؟!  و كيف لم ينتبه أحد منها أن ذك التعاون توقف فقط و لفترة وجيزة في عام 2010 بعد مهاجمة البحرية الإسرائيلية لأسطول مرمرة التركي، بينما ظلت العلاقات التجارية على خير ما يرام كما أعلن المتحدث باسم الخارجية التركية حينها بعد طرد السفير الإسرائيلي من أنقرة؟!

 و السؤال الأهم هنا، هو كيف لم يتطرق أحد من هذه الوسائل لتفسير اشتراط  حماس لفتح معبر واحد مثل "رفح" و هو الأقل منفعة للفلسطينيين في غزة للقبول بوقف إطلاق النار في 2012 و 2014، بينما تتجاهل ستة معابر أخرى مع إسرائيل يتحرك من خلالها معظم سكان غزة للعمل و الدراسة و التجارة داخل إسرائيل، حتى يظهر للعالم أن مصر هي من تحاصر القطاع و ليس إسرائيل!

كيف لم يتحدث أحد ممن يملأون الشاشات ليلاً و نهاراً عن أن المبادرة المصرية الأخيرة كانت تتضمن فتح المعابر الإسرائيلية مع القطاع مما يعني انتهاء الحصار الإسرائيلي المفروض عليه منذ عام 2007 الذي تولت فيه حماس مقاليد الأمور في القطاع، و أن الجهود الاستخباراتية و الدبلوماسية المصرية نجحت في إقناع إسرائيل بإعلان قبول ذلك و وقف إطلاق النار.

كيف لم ينجح أي من هؤلاء الإعلاميين في بيان كيفية متاجرة حماس بدم الفلسطينيين برفضها للمبادرة بحجة أنها لا تحقق شروط الفلسطينيين، بينما لم يكن هناك شروطاً معلنة لهم من الأساس، بل إن حماس نفسها نفت صلتها بحادثة اختطاف المستوطنين الثلاثة لفرض أي شروط.

عذراً أيها القارئ، فلقد فشل الإعلام المصري، كعادته، في بيان أسباب التصعيد، و حجم المصالح المتعلقة به لدى كل طرف، و المواقف الحقيقية للدول المعنية سواء على الارض بكل ما تحمله من دماء و آلام و دمار، أو في ردهات الدبلوماسية الاقليمية و العالمية الأنيقة بكل ما تحويه من اتفاقات سرية و حسابات استراتيجية، أو في أسواق السلاح و النفط الدولية التي لا يعنيها من كمية الدماء المسالة إلا قدر ما ستؤمنه من صفقات جديدة لترويج منتجاتها بسعر أفضل و في ظل طلب أكثر إلحاحاً من الجميع.

بقي لي فقط في النهاية أن أطلب منك أن تعي جيداً أن تيارات اليمين المتشدد ستستغل كل ذلك الفشل الإعلامي لاستعادة تعاطفك معها ضد السلطة الحاكمة كما كان الحال قبل ثورة يناير، و عليك أيضاً أن تعي الأهم و هو أن مصر كانت دوماً هي النصير القوي و الأمين لحق الشعب الفلسطيني في استعادة أرضه و أمنه و حقه في عيش كريم على تراب مستقل.

Saturday, July 1, 2017

Egypt .. Poverty Management vs Resources Development !

Ehab El Sheemy
Today, no one in Egypt can deny that most of the private conversations between family members in Egyptian homes, between friends at cafes, between workers during breaks in their factories, and even among those who just share the same means of transportation are all about the increasing prices of commodities and services. Prices that seem to be in an outrageous race to climb a top of a mountain where no one in Egypt can reach or find the enough money to pay someone to get them !

I will not be telling a secret to say that these conversations are no longer limited to the poor, working, and lower middle classes, but they are even further extended to take a significant part in the daily conversations of other higher social classes. The upper middle class and the elites are now worried about the lifestyle that they have been working hard for years to provide to their families and children. A lifestyle that secures the best available quality of education, medical services and even food and leisure.

I will not also go into the tiny details of the psychological and financial suffering of each of these individuals. The details are not important as long as the broad outlines, their effects and their consequences are affecting every one of them, including the writer of these lines. 

But what concerns me the most here is the very common and identical detail in all of these conversations, which is the exploitation of this frustration and suffering by the groups and the lobbies that aim to tear down the stability and the social safety of Egypt. Groups that are not limited to the Muslim Brotherhood and their sponsors in Qatar and Turkey, but also include Jihadists, Pro-Mubarak regime business and industrial lobbyists, and all those who opposed the Egyptian People protests in June 2013 demanding President Mursi's resignation due to his increasing authoritarianism and his pushing through an Islamist agenda disregarding the predominantly secular opposition or the rule of law and Egyptian constitution!

The signs of this exploitation could be easily identified through several typical slogans and catchwords repeated by the followers and members of these groups, such as:

“ Al Sisi’s reforms did nothing but pushing people into skipping meals because they can't afford food ”
“The army brought down Mursi, and Egypt too !”
“You didn’t like Morsi’s 6 Pounds US Dollar, enjoy Al Sisi 18 Pounds one !”

Having written so many articles in my career, I know that many of those who belong to these groups, or feel sympathetic towards them for a reason or another, have now refrained from completing this article. However, and in case you’ve decided to go on, I will be content to share my thoughts about the real reasons for Egypt‘s suffering with you alone.

Despite the fact that several Egyptian Governments have rolled out policies aimed at improving affordability and helping people to get on the ladder, the cost of living and prices growth has far outpaced any increase in wages. I believe that the following reasons explain What’s really gone wrong:

1.      The lack of governmental political will to control the greed of the market key players, a circle that includes manufacturers, distributors, sellers, brokers and merchants.
2.      Gradual reduction of fuel and energy subsidies.
3.      The devaluation of the Egyptian pound and the decline in foreign exchange reserves
Being crystal clear for all of us in Egypt, I will not go into the details of the first point. Everyone knows the key players personally, and all of us have been listening for decades to the everlasting speeches of the Egyptian Prime Ministers and their cabinet members on how they have rolled out policies and made decisions to tighten control and censorship over market prices, and how new sanctions and penalties are introduced in coordination with the various chambers of commerce and industry to kill the increasing prices beasts. Unfortunately, those policies have been very well kept in their safes and expensive fine wood desk drawers.

I will focus here on the other two points, and will start with the historical impact of the different governmental subsidies on the market prices and the cost of living.

 Nothing is ever what it seems!

If you are a young Egyptian over the age of 30, you can easily recall the annual ironic scene of Hosni Mubarak in the Labor Day celebration where one of those paid people in the back seats suddenly, or consider it so, interrupts Mubarak’s speech to ask for the president’s generosity to grant the people a considerable salary raise!

In a continuation to that theatrical performance, and to show the sympathy of Mubarak with his poor subjects, the man plays the role of a European Medieval king, looks at his Prime Minister and then sarcastically requests him to look down with mercy upon the people and increase the food ration for the year to come!

Despite the fact that this particular scene was designed and well written to show how Mubarak expressed support and sincere care towards the hard-working and low-income classes, the truth was nothing but the painful opposite.

Mubarak’s regime has fooled everybody by keeping prices at almost constant levels for more than 20 years, or let me be more specific to say at levels that would avoid public anger and frustration. The man has simply relied on the continuous and constant increase in wages, offering thousands of new governmental jobs that were not actually needed, and finally on the allocation of massive budget provisions to subsidize fuel, energy, and major food supplies. To give a you taste of that, you just have to know that the price of the cooking gas cylinder was 2.5 Egyptian Pounds in 1991, and was sold for the very same price twenty years later in 2011 !

What made things even worse, was that the cost of these subsidies was not directed to its targeted beneficiaries! Instead, the hundreds of billions of pounds of subsidies benefited the steel, cement and ceramic industrial giants who managed to acquire their quota of fuel and energy at the subsidized price while selling their products at international market prices, achieving more profits and increasing their power inside the regime’s lobbies of influence.

Now you can easily see the painful and plain truth, and find the answer to that particular and most puzzling question:

How on earth did Mubarak manage to run this country?

The man actually did nothing but directing most of the mandatory spending items in the national budget to safeguard the ultimate deception scenario, a scenario where he could avoid people’s frustration, eliminate real opposition, and constantly feed the hunger for power and wealth of his close circle of trusted men, and the larger circle of the loyal business and industrial lobbyists.

In order to imagine the extent of that economic disaster, you just have to know that the total spending in the Egyptian Governmental Budget of 2016-2017 is 975 billion Egyptian Pounds, of which 230 billion pounds are directed to the wages and benefits of more than 7 million governmental jobs created by Mubarak regime, 210 billion pounds are dedicated to commodity, fuel and energy subsidies, while 290 billion pounds are dedicated to the payment of the interest on debt !

Running a simple calculation, you can figure out that 730 billion Egyptian Pounds are currently dedicated to pay for the repercussions of what Mubarak did to ensure the survival of his own regime! A cost that you will never consider as catastrophic until you know that the revenues of the very same governmental budget are estimated at a total value of 670 billion Egyptian Pounds only !
To picture the full tragedy, you must remember that these figure were calculated in 2016 before the devaluation of the Egyptian Pound, meaning that the 500 billion Egyptian Pounds dedicated to the subsidies and interest on debt will rise to almost One Trillion Egyptian Pounds in the new 2017-2018 budget leading to an immediate and imminent collapse of the Egyptian economy.

Sadly, in a different world, and under a different regime, these wasted hundreds of billions should have created a different version of Egypt, a version with a huge infrastructure network, large energy and power grids, and advanced roads and transportation networks. A version where new horizons are open for investment, millions of real jobs are created for all Egyptians, key and major foreign investors are attracted from each corner of the world, and where foreign exchange reserves are constantly growing.

As a result of all that corruption, the chaotic management of the country's resources and economy, and the absence of a real infrastructure that supports the establishment of an industrial base that allows Egypt to export and to maintain an acceptable and fair value of its national currency, Egypt has remained hostage to two main sources of foreign currency: tourism and the Suez Canal ! A fact that reduced Egypt’s economic competitive ability and increased the country’s exposure to threats of hurting its fragile economy through a series of well-planned and heavily funded terrorist attacks.

To get things closer to your mind, the value, strength and stability of the national currency depends mainly on the demand for this currency, in other words on the products and services provided by the country dealing with this currency to the world markets. It’s exactly like selling your national currency in the world markets in the form of a specific good or a product, if it is able to maintain its relative value against other commodities, its value will go up, if not, expect nothing but your local currency to depreciate.

 The Virtual Safe !

To simplify how the foreign exchange reserves affect the national currency value, let us assume that the foreign exchange reserves are kept in a safe that is split into two main parts. The first part is untouchable and is fully dedicated to the payment of interest on debt, while the other part is dedicated to cater for the demand for foreign currency as required by both governmental and Non-Governmental entities, a demand that fulfills the investors and importers needs in the form of guarantees or overseas transfers that enable them to conclude their commercial and industrial transactions. A small portion is  even dedicated to respond to the individual needs required for online purchases, expenses related to traveling for work, leisure, or even to perform their religious rites.

Let’s imagine that the first part of the safe is not provided with any compensation against the regularly withdrawn amounts, and that the other part’s size is rapidly shrinking due to the lack of tourism income, the absence of a real inviting investment environment due to the failure of the successive governments over the past 30 years to establish the proper basis of such an environment, the drop of exports revenues, and the decline of the global economic growth over the past couple of years that directly affected the intensity of the traffic in the Suez Canal.

And here exactly where you can infer why the US Dollar exchange rate difference exceeded 50% between the official Central Bank of Egypt’s announced rates, and the parallel market rates before the floatation took place in November 2016!

Looking at the scenario of the virtual safe, the Central Bank of Egypt (CBE) had to refill the first part of the safe using the amounts available in the second part, as a result of that, and saving the last segment of reserves to buy the strategic and essential commodities and supplies, the CBE was no longer able to provide the foreign currency amounts required to fulfill the governmental and non-governmental needs. A situation that was extremely exploited by the parallel market dealers to impose unreasonable rates with huge profit margins.

Going through the same scenario, you can expect that eventually the safe will be out of cash, Egypt will no longer be able to fulfill its international obligations or to pay the interest on debt,  buy the essential and strategic commodities and supplies, or even import the materials and equipment required to run the existing  investment and production facilities. The failure to pay back the interest on debt will force all lenders to stop lending Egypt, and that would force the government to drastically cut back on expenses, leading to domestic riots and going back to square one. Moreover, foreign investors would quit the stock markets and eventually even direct investments would vanish, and which would ransack the stock markets and destroy domestic companies leading to more unemployment and more unrest. Finally, the currency would fall like a rock but over everyone’s head this time!

This exactly why the Egyptian Government and President Al Sisi had no option but to stop that catastrophic decline in foreign exchange reserves. Unfortunately, the solution was nothing but to return to borrowing from the International Monetary Fund (IMF) and the regional financial institutions such as the African Bank, and of course to issue international bonds for the first time since 2012.
The Plan !

I will not claim being an economic analyst who discerns potential outcomes of economic or financial decisions made by the Egyptian Government, but I will summarize the actions and measures that most of those experts and analysts advised the Egyptian Government to follow and to apply to confirm its credibility and ensure the ability to fulfill its commitments towards repaying the IMF loan:

• Reduce the wage bill of governmental staff to 7.5% of GDP through the proper application of the civil service law
• Increase the contribution of corporate tax and sales to 6.7% of GDP by 2018, through the application of the VAT.
• Reduce energy subsidies from 6.6% to 3.3%
• Reduce Suez Canal transit dues and tariffs to attract more navigation lines.
• Maximize the gold resources of the central bank to respond to the instability of the dollar

The Guarantees !

What really matters here, is that all of these economic measures will only be a new burden on the current generation, unless the government, the president, and the elected parliament are willing to impose administrative and legislative reform measures and guarantees targeting governmental corruption along with the hard and painful measures of the subsidies restructure and reform. This should include:

• Establishing an institutional framework to prevent monopoly.
• Political leadership should play a crucial role in fighting corruption and ensure appropriate action is taken when needed.
• Promote transparency and adopt the international standards of taxation and financial transparency.
• Strengthening the rule of law and effective legal prosecution, and appointing specialized anti-corruption institutions with an effective anti-money laundering framework.
• Regulate and simplify the competencies of public officials and reduce their discretionary powers to reduce their ability to bypass the law, request bribes and disrupt the flow of investments.
• Develop adequate incentives for outstanding performance, and ensure effective wages structure and compensation procedures.
My belief is that as long as the government, the president and the parliament are committed to respect all aspects of economic, legislative and executive reform, and not only devoted to imposing more taxes and reducing subsidies, I have no choice but to support them all.
Until they do, they must accept being criticized and even attacked by those who are most affected by the painful reforms.

As for people like me, who are convinced of the importance and inevitability of the economic and social reform, they have to bear the burden of communicating these facts with all Egyptians to show how the pain and suffering are always for a better tomorrow!


God save Egypt.

Friday, June 30, 2017

مصر..بين إدارة الفقر و تنمية الموارد !

 
إيهاب الشيمي
 
لا يستطيع أحد ممن يقرأون هذه السطور أن ينكر أن معظم الأحاديث الخاصة بين أفراد الأسرة في البيوت المصرية، أو بين الأصدقاء على المقاهي، أو بين العمال في فترات الراحة في المصانع، بل و بين من جمعهم القدر على غير ميعاد دون سابق معرفة في وسائل المواصلات تدور الآن عن ارتفاع أسعار السلع و الخدمات يوماً بعد الآخر و كأن هناك سباقاً محموماً فيما بينها للوصول لقمة الجبل التي لا يستطيع أحد من هؤلاء حين يصل إليها أن يجد في جيوبه ما يمكن أن يكفيه للحصول عليها !

 و لن أخفيكم سراً حين أقول أن تلك الأحاديث لا تدور في فلك الطبقات الفقيرة و الأكثر فقراً ممن دأبت الحكومات المتعاقبة على وصفهم بمحدوي الدخل الذين يجب أن يحظوا بالقدر الأوفر من الرعاية و الدعم، بل إن الأمر تخطى هؤلاء ليطال الطبقات المتوسطة و المرتفعة الدخل نسبياً ليهدد جودة الحياة التي اعتادوا عليها أو التي حرصوا على أن يوفروها لأبنائهم من جودة التعليم و العلاج و الغذاء.

 و لن أخوض هنا في تفاصيل المعاناة النفسية و المالية التي يعانيها كل فرد من هؤلاء، فالتفاصيل ليست بالأمر المهم طالما ظلت الخطوط العريضة و تأثيراتها و تبعاتها تقترب من التطابق لديهم جميعاً، و الأمر بكل همومه يطال الجميع و منهم كاتب هذه السطور. و لكن ما يهمني هنا هو تلك التفصيلة الثابتة في كل هذه الأحاديث، و التي تتمثل في استغلال كل من يريد العبث باستقرار مصر ممن ينتمون للإخوان المسلمين تنظيمياً أو أيديولوجياً، أو يعارضون ثورة الثلاثين من يونيو سياسياً، أو كارهي المؤسسة العسكرية المصرية، و بالطبع المتعاطفين مع نظامي مبارك و مرسي لهذا الاحتقان و السخط الشعبي.
 
و يمكنك عزيزي القارئ أن ترى علامات ذلك الاستغلال من خلال عدة جمل نمطية يكررها كل هؤلاء مثل: " شفت السيسي عمل إيه في البلد ؟ الناس خلاص مش لاقية تاكل " ..  و " الجيش خلاص خربها !" .. و " ما كانش عاجبكم أيام مرسي لما كان الدولار بستة جنيه ! اشربوا بقى دولار السيسي أبو 18 جنيه " .. و أيضاً " فين أيام مبارك لما كانت العشرين جنيه بتكفي الواحد أسبوع !"

 لا أستطيع أن أمنع نفسي من الابتسام بخبث هنا، فأنا أعلم أن الكثيرين ممن ينتمون لهؤلاء قد امتنعوا الآن عن استكمال قراءة مقالي هذا .. و لكني سأكتفي بك وحدك عزيزي القارئ لأطلعك على بعض الخطوط العريضة لأسباب ما تمر به البلاد الآن !

فأسباب ارتفاع الأسعار يمكن حصرها في رأيي المتواضع في ثلاثة أسباب رئيسية :

.. جشع التجار و غياب الرقابة الحكومية
.. التقليص التدريجي لدعم الوقود و الطاقة و زيادة الرسوم على الواردات
.. انخفاض قيمة العملة المحلية و تراجع احتياطي النقد الأجنبي

 و لن أخوض في تفاصيل النقطة الأولى لأنها ببساطة لا تخفى عليك، فأنت غالباً تعرف هؤلاء التجار شخصياً، كما أنك تطالع وجوه رئيس و أعضاء الحكومة يومياً على شاشات التليفزيون و في صدر صفحات الجرائد و تبتسم في سخرية كلما استمعت لقراراتهم حول تشديد االرقابة و استحداث العقوبات بالتنسيق مع الغرف التجارية المختلفة، تلك القرارات التي تعلم جيداً أن مصيرها هو أدراج أرشيف الوزارة لتعلوها الأتربة حتى يلتهمها حريق مجهول الأسباب في النهاية !

 و لكني سأركز هنا على النقطتين الأخرتين و سأبدأ بتأثير الدعم على ارتفاع السعار و غلاء المعيشة ..

فلو أنك ممن تجاوزوا الثلاثين من العمر فسيمكنك بسهولة أن تسترجع تلك الصورة المثيرة للسخرية التي كنا نشاهدها على شاشة التليفزيون الرسمي في عيد العمال، حين كان يصرخ أحد القابعين في الصفوف الخلفية هاتفاً: " المنحة يا ريس" .. ثم يرد آخر من الجهة المقابلة: " العلاوة يا ريس" و هنا يبتسم ذلك الأخير موجهاً كلامه لرئيس الحكومة قائلاً: " عايزينك تزود العلاوة حبتين السنة دي .. قول للحكومة تفك الكيس شوية !"  لينفجر الجميع في الضحك ثم يتعالى التصفيق و الهتاف بحياة الرئيس !

ذلك المشهد الذي يبدو في ظاهره انحياز الرئيس للطبقة الكادحة و محدودي الدخل، بينما في الحقيقة يبطن في طياته أسباب الواقع الأليم الذي نعيشه الان جميعاً !

 فنظام مبارك خدع الجميع ببقاء الأسعار عند مستويات ثابتة تقريباً، أو دعني أكون أكثر تحديداً بقولي أنه أبقاها عند مستويات تمكنه من تجنب الغضب الشعبي لأكبر فترة ممكنة.

فلقد اعتمد مبارك على الزيادة المستمرة للأجور عاماً بعد الاخر، و الإعلان عن وظائف حكومية لا حاجة لها سنوياً، و توفير مخصصات هائلة لدعم مشتقات الوقود من الغاز و المازوت و البنزين و كذلك دعم الكهرباء و هو ما مثل عبئاً كبيراً على الموازنة العامة للدولة.
و يمكنني أن أذكر لك مثالاً واحداً و هو أن سعر اسطوانة البوتاجاز ظل جنيهان و نصف فقط لمدة 20 عاماً منذ 1991 و حتى سقوط الرجل في عام 2011 و هو ما لا يمكن تبريره أو تخيله تحت أي بند سوى شراء رضا الشعب على حساب انهيار الاقتصاد الوطني !

و ما زاد الطين بلة، أن ما تكلفته الدولة هنا لم يتم توجيهه إلى مستحقيه، بل استفاد منه أباطرة صناعة الحديد و الإسمنت و السيراميك الذين حصلوا على الوقود و الطاقة بالسعر المدعوم بينما باعوا منتجاتهم بالأسعار العالمية ليحتفظوا بالفارق في خزائنهم، و ليزيد نفوذهم، و يزيد بالتالي نفوذ و سطوة الحزب الحاكم الذي مثلوا رموزه و قياداته العليا !
 
و هكذا يمكنك بسهولة عزيزي القارئ تبين الحقيقة المؤلمة، و الإجابة عن السؤال الأكثر إثارة للحيرة بين الجميع: " هو مبارك كان مدورها إزاي ؟!" .. فالرجل لم يفعل شيئاً سوى توجيه معظم بنود النفقات في الموازنة العامة نحو تخدير الشعب و ضمان تجنب سخطه و غضبه و ذلك بالعمل على الزيادة الدورية للأجور، و خلق فرص عمل وهمية لا تساهم بأي شكل في زيادة الانتاجية، و العمل كذلك على زيادة الدعم الذي يلتهمه في النهاية رجاله المقربين أو من يشبهونهم من "حيتان السوق" كما يحب البعض أن يطلق عليهم، ممن أدمنوا التحايل على القانون لتمرير الدعم لصالحهم كما حدث مؤخراً في قضية صوامع القمح، و هو ما يفعله مئات غيرهم في سلع و مواد أخرى ، بدايةً من المواد التموينية، و نهايةً بلبن الأطفال الذي يستولي عليه موزعي الأدوية بالسعر المدعم ليبيعوه بأضعاف ذلك السعر في الصيدليات الأهلية !
 
و لكي تتخيل حجم الكارثة، و أثر ذلك التخدير للشعب و كيف أدى بنا لما نعانيه اليوم، فحجم الموازنة العامة بالكامل لعام 2017-2016 هو 975 مليار جنيه، منها 230 مليار جنيه يتم توجيهها لأجور الوظائف الحكومية التي خلقها نظام مبارك بلا داعي لضمان شراء ود الشعب، و منها أيضاً 210 مليار جنيه موجهة للدعم السلعي و دعم الوقود و الكهرباء، بينما نقوم بدفع فوائد الديون التي تراكمت بسبب ذلك التخدير بما قيمته 290 مليار !أي أن تداعيات ما فعله مبارك لضمان بقاء نظامه تتجاوز ما قيمته 730 مليار جنيه و هو ما يفوق كل إيرادات الحكومة في الموازنة العامة و البالغة 670 مليار جنيه فقط !

و لكي تتصور مدى الحاجة لإعادة هيكلة و تقليص ذلك الدعم بصورة فورية فعليك أن تتذكر أن هذا الرقم كان محتسباً بناءاً على قيمة الجنيه قبل تحرير سعر الصرف، و هو ما يعني أن ما قيمته 500 مليار جنيه من الدعم و فوائد القروض سوف ترتفع لتصل ما قيمته تريليون جنيه، و هو ما يعني انهيار الاقتصاد المصري بالكامل !
 
و يمكنك أيضاً أن تكتشف كيف أن عشرات المليارات المهدرة كان يمكنها أن تنشئ بنية تحتية ضخمة تشمل محطات لتوليد الكهرباء، و شبكات طرق، و موانئ ضخمة، تسهم في فتح آفاق جديدة للاستثمار في مصر، و تعمل على خلق وظائف و فرص عمل حقيقية للجميع تضاعف من الناتج القومي، تجذب المزيد من المستثمرين الرئيسيين من أطراف العالم، و تزيد من موارد العملة الصعبة، و ترفع بالتالي من قيمة احتياطي النقد الأجنبي لدى البنك المركزي .. و لكنه للأسف ما لم يحدث على الإطلاق، و هو ما نحاول الآن أن نتداركه لإنقاذ ما يمكن إنقاذه !
و لك أن تعلم هنا أن تكلفة إعادة بناء الشبكة القومية للطاقة خلال العامين الماضيين فقط بلغت 515 مليار جنيه، لا أعلم كيف تم توفيرها حتى الآن، و لا يريد الخبثاء ان يلقوا الضوء عليها !

 و كنتيجة لكل ذلك الفساد، و تلك الإدارة الفوضوية لموارد و اقتصاد البلاد، و غياب بنية تحتية حقيقية تسمح بإنشاء قاعدة صناعية تتيح لنا التصدير و الاحتفاظ بقيمة مقبولة و عادلة للعملة الوطنية أمام العملات الأجنبية، ظلت مصر رهينة الاعتماد على السياحة و قناة السويس كمصدرين أساسيين للنقد الأجنبي، بالإضافة بالطبع لتحويلات المصريين العاملين بالخارج. و أصبح من السهل على أية قوة خارجية تريد العبث باستقرار مصر الاقتصادي و الاجتماعي أن تصل لمبتغاها بتمويل تنظيمات إرهابية و مؤسسات سياسية و مجتمعية تنفذ مخططاتها، بل و افتعال حوادث و اتخاذ إجراءات عقابية ضد مصر تقوض من قدرتها الاقتصادية و التنافسية.

 و لكي أبسط لك الأمور، فقيمة العملة الوطنية و قوتها و ثباتها تعتمد بشكل أساسي على الطلب على هذه العملة، أو بمعنى آخر على المنتجات و الخدمات التي توفرها الدولة التي تتعامل بهذه العملة للأسواق العالمية، فالأمر يشبه تماماً السلعة المعروضة في الأسواق، فإذا كان الطلب عليها ثابتاً و متزايداً، احتفظت بقيمتها النسبية أمام السلع الأخرى، و إذا لم يكن لها حاجة، تدهورت قيمتها بشكل متسارع. و طالما لا نستطيع لأسباب عدة أن نقدم للعالم ما يحتاجه، فلا تنتظر في المقابل إلا أن تتراجع قيمة عملتك المحلية.

 و لمزيد من تبسيط الأمور أيضاً، فدعنا نفترض أن احتياطي النقد الأجنبي موضوع بصندوق مقسم لجزئين رئيسيين، جزء لا يمكن المساس به و هو الخاص بسداد أقساط الديون الخارجية المستحقة للدائنين، و جزء آخر يتم استخدامه لسد الطلب على النقد الأجنبي سواء من جانب الحكومة لتوفير التمويل اللازم لاستيراد السلع الأساسية، أو للبنوك العاملة في مصر التي تقوم بدورها بتوفيره للمستثمرين و المستوردين في صورة ضمانات أو تحويلات تمكنهم من إتمام صفقاتهم التجارية و الصناعية اللازمة لدفع عجلة الاقتصاد، و بالطبع للأفراد العاديين الذين يحتاجون للنقد الأجنبي أثناء سفرهم خارج البلاد للعمل أو للسياحة أو حتى لأداء شعائرهم الدينية.

 و تخيل معي عزيزي القارئ أن ذلك الصندوق لا يتم تزويده بأي مبالغ تعويضاً عن تلك التي تتناقص تدريجياً من الجزء الأول المخصص لأقساط الديون الخارجية، كما أنه و في إطار غياب مناخ إستثماري حقيقي نتيجة فشل الحكومات المتعاقبة في وضع خطوط عريضة له، و فشل محافظي البنك المركزي في وضع سياسات تضمن مصالح المستثمرين، و تحفز الآخرين على الدخول في السوق المصرية، فإن  تراجع الصادرات و ما يرافقها من تراجع الدخل السياحي، و تراجع حركة الاقتصاد العالمية و بالتالي حجم الحركة في قناة السويس، تعمل جميعاً على أن يتناقص الجزء الآخر بسرعة شديدة دون أمل قريب في التعويض، خاصةً في ظل توجيه جزء كبير منه لسلع استهلاكية مثل الهواتف المحمولة و السيارات الفارهة و الأجهزة الاليكترونية التي مازال المصريون يصرون على اقتناء الأحدث منها، و ليذهب الاحتياطي النقدي إلى الجحيم !

 و يمكنك أيضاً هنا استنتاج سبب تجاوز فارق السعر بين السعر الرسمي و غير الرسمي للدولار لأكثر من 50%  خلال المرحلة التي سبقت تحرير سعر الصرف، فالبنك المركزي كان مضطراً حتماً أن يعوض تناقص الجزء الأول من الجزء الثاني من الصندوق، و مع تناقص المتوافر بالجزء الثاني بشكل متسارع، فلن يمكن للبنك المركزي إعطاء القدر الكافي من العملة الأجنبية للبنوك المحلية، و بالتالي لا يمكن للمستفيدين من الجزء الثاني من الصندوق الحصول على احتياجاتهم لاستمرار أعمالهم، و هو ما سيدفعهم للبحث عن النقد الأجنبي في " السوق السوداء"، و التي يستغل تجارها الأمر لفرض ما يريدون من فارق في السعر.

 و هكذا يمكنك أيضاً عزيزي القارئ أن تتوقع أن الأمر في النهاية كان سيصل بنا إلى فراغ الصندوق تماماً لنجد أنفسنا عاجزين عن سداد التزاماتنا الدولية، و عاجزين أيضاً عن استيراد السلع الأساسية و مستلزمات الإنتاج لينهار كل شئ !

 و بالتالي أصبح من الحتمي على الحكومة البحث عن مصدر يعوض و بشكل سريع ذلك التناقص الكارثي في احتياطيات النقد الأجنبي، و للأسف فإن ذلك الحل لم يكن سوى العودة للاقتراض من صندوق النقد  الدولي و المؤسسات المالية الإقليمية مثل البنك الإفريقي، أو من خلال طرح سندات خزانة دولارية متوسطة الأجل.

و لن أخوض في جدلية صلاحية ذلك الحل من عدمه، أو في حقيقة فرض صندوق النقد الدولي شروطاً لضمان قدرة الحكومة على السداد للدول الأعضاء من عدمه أيضاً، فالأمر لن يقدم أو يؤخر طالما انتهت المفاوضات و حصلنا بالفعل على الدفعة الأولى من القرض ..

 و لن أدعي أيضاً كوني خبيراً استراتيجياً إقتصادياً كأولئك الذين يطالعونا على شاشات الفضائيات، و لكني سأوجز هنا ما اتفق عليه معظم الخبراء في هذا الشأن، فالحكومة مطالبة بتنفيذ الإجراءات الاقتصادية التالية لضمان قدرتها على سداد القرض لصندوق النقد الدولي، و بالتالي موافقة مجلسه التنفيذي على منحها ذلك القرض:

•  خفض فاتورة أجور موظفي الحكومة إلى 7,5% من الناتج المحلي وذلك من خلال التطبيق الصحيح لقانون الخدمة المدنية

•  زيادة مساهمة ضريبة الشركات والمبيعات إلى 6,7% من الناتج المحلي بحلول عام 2018، وذلك من خلال تطبيق قانون القيمة المضافة

•  خفض دعم الطاقة من 6,6% إلى 3,3% من خلال :
- زيادة متوسط تعريفة الكهرباء
- تفعيل قانون الكهرباء والطاقة بحلول عام 2018
- تحقيق فائض في الطاقة الكهربائية قدره 1000 ميجاوات خلال 3 سنوات.
• زيادة مشاركة القطاع الخاص في مشروعات الطاقة المتجددة إلى 1500 ميجاوات نهاية 2018

•  تخفيض تعريفة المرور لجذب الناقلات العملاقة و الاستفادة من تطوير المجرى الملاحي لقناة السويس
•  شراء الذهب  لتعظيم موارد البنك المركزي لمواجهة عدم استقرار الدولار

 و لكن ما أود أن أؤكد عليه هنا، هو أن كل تلك الإجراءات الاقتصادية لن تكون سوى حزمة جديدة من الأعباء على كاهل الأجيال الحالية، ما لم تلتزم الحكومة و من قبلها الرئيس الذي قام باختيارها و البرلمان الذي منحها الثقة بفرض إجراءات إصلاحية إدارية و تشريعية و تنفيذية تستهدف الفساد داخل أروقة الحكومة بشكل أساسي، جنباً إلى جنب مع الإجراءات الاقتصادية التقشفية و إعادة هيكلة الدعم، فلا يمكن أن يكون الشعب دائماً هو ضحية محاولات انقاذ الاقتصاد.

و لا بد أن تشمل هذه الإجراءات ما يلي:

•  وضع إطار مؤسسى لمنع الاحتكار و منع المضاربة في الأسعار.
•  أن تلعب القيادة السياسية دورا حاسما فى مكافحة الفساد، وضمان اتخاذ إجراءات مناسبة عند الحاجة
•  تعزيز الشفافية واعتماد معايير دولية فى الشفافية الضريبية والمالية.
•  تعزيز سيادة القانون والملاحقة القانونية الفعالة، وتعيين مؤسسات متخصصة لمواجهة الفساد مع إطار فعال لمكافحة غسل الأموال للحد من عائدات الفساد.
•  تنظيم وتبسيط اختصاصات الموظفين العموميين و الحد من سلطاتهم التقديرية التي تمكنهم من تجاوز القانون و طلب الرشى و تعطيل تدفق الاستثمارات.
•  وضع حوافر مناسبة للسلوك الجيد و ضمان أجور وإجراءات فعالة تضمن عدم مساواة العاطل بالباطل، و تحفز الجميع على الأداء من أجل مصلحة الوطن.

 و طالما التزمت الحكومة و الرئيس و البرلمان بكافة جوانب الإصلاح الاقتصادي و التشريعي و التنفيذي و ليس فقط بفرض المزيد من الضرائب و تقليص الدعم، و فرض المزيد من القيود على التعامل في النقد الأجنبي، فلن يكون لدي من خيار سوى تأييدهم جميعاً ..

و حتى يتحقق ذلك الأمر فعلى الرئيس و الحكومة  أن يتقبلوا النقد بل و الهجوم من أصحاب المصالح الخفية و من المتضررين من محدودي الدخل، طالما ظل القائمين على الأمور لا يملكون الرغبة في التواصل مع الشعب، و على من هم على شاكلتي ممن يقتنعون بأهمية و حتمية الإصلاح و إعادة هيكلة الدعم أن يتحملوا عبء التواصل مع الجميع لبيان كيف أن ما يحدث من ألم و معاناة هو دائماً من أجل غد أفضل !
 
حمى الله مصر.

Thursday, June 29, 2017

يونيو .. ضرورات المرحلة و نقطة اللاعودة !



إيهاب الشيمي:

على مدى ثلاثة أعوام و نصف منذ قيام الثورة في يناير 2011 و حتى يونيو 2014، لم تمر مصر و شعبها بكل هذا الجدل حول هوية من يستحق أن يقبض على عصا قيادة الوطن وسط كل تلك السماوات الملبدة بالغيوم القاتمة التي لم تمثل صواعقها التي تضرب بين الفينة و الأخرى خطراً عليها، بقدر ما مثله خطر جبال الريبة و الشك و الخوف و انعدام الثقة التي تختفي خلف تلك الغيوم، و التي تهدد بسقوط الجميع في هاوية سحيقة حال الارتطام بها و تحولها من مجرد مخاوف في أذهانهم إلى حقيقة واقعة تعود بالجميع إلى حقبة ما قبل الخامس و العشرين من يناير !

و حين أذكر مصر و شعبها، فأنا لا أستثني منه أحدا، فالكل حينها كان مشمولاً بحالة الجدل و الانقسام في الرأي الذي وصل في بعض الأحيان لاتهام البعض للآخر إما بخيانة الثورة، أو في المقابل بخيانة الوطن.

كانت يونيو هي تلك اللحظة الفارقة و الخطوة الكبيرة التي لا بد أن يخطوها الشعب المصري على طريق استكماله لثورته الحقيقية في يناير حين قال كلمته لأول مرة في تاريخه دون وصاية من زعامة أو قصر أو جيش  !

كانت يونيو هي تلك اللحظة في التاريخ التي قرر فيها المصريون جميعاً أن يزيحوا من سمائهم كل تلك الغيوم، و أن يستعيدوا وعيهم الذي تم تغييبه على يد العديد من المنتفعين بذلك التغييب على اختلاف أهدافهم و تنوع رعاتهم و مموليهم !

كانت يونيو هي تلك اللحظة التي اتخذ فيها الشعب، كل الشعب، القرار بأن يستعيد وطنه الذي يعرفه، و أن يمسك من جديد بمقاليد الأمور التي استلبها منه بعد الثورة بقايا نظام مبارك ..

ذلك النظام الذي قد يظن البعض أنه يضم مبارك و أسرته و حاشيته المقربة فقط، بينما كان في الواقع منظومة متكاملة من المؤيدين له، و المستفيدين من فساده، و المستفيدين من قمعه، بل و دعني أؤكد أنه كان يشمل أيضاً المستفيدين من معارضته ليس لصالح الوطن و لكن لصالحهم هم فقط !

و يمكنك هنا اقتراح من تراه مناسباً ليشغل أحد مقاعد المستفيدين، و دعني أساعدك لأقترح عليك أعضاء الحكومات المتعاقبة، و رموز الحزب الوطني، و أباطرة الصناعة، و ملياديرات الأعمال، و حيتان الاستيلاء على أراضي الدولة، و الدعاة و الشيوخ و الدراويش الذين امتلأت الأسواق باسطوانات مواعظهم، و ازدحمت الفضائيات بأحاديثهم ليضمنوا بقاء الشعب مغيباً و بقاء عقله مغطى بملاءات الخرافة و البدع و التفسير الخاطئ و المسيس للنصوص ..

و القائمة هنا تمتد أيضاً لتشمل قادة الجماعات الأصولية المتشددة و الإخوان المسلمين الذين تم السماح لهم بممارسة أنشطتهم من داخل زنازينهم الفارهة، ليضموا المزيد من الأتباع و يقوموا بالاستيلاء على كل المنابر، بل و يتمتعوا بالحرية الكاملة دون رقيب في إدارة المليارات من الدولارات في أنشطة تجارية و صناعية تضمن تمويل منظماتهم، ناهيك عن السماح لأتباعهم، و منهم مرسي نفسه، بالفوز بمقاعد في مجلس الشعب في عدة دورات ليظهروا بمظهر المعارضة السياسية الوطنية مقابل الالتزام بعدم المساس باستقرار النظام !

و دعني أضيف لقائمتك هنا أيضاً عديد الصحفيين و الإعلاميين و المحللين السياسيين الذين كنت أصر طوال فترة حكم مبارك و في الأيام الأولى للثورة على عدم مصداقيتهم بينما كنت أنت و معظم المتابعين لهم تعدونهم من المعارضين الناقدين للنظام الذين لا هم لهم إلا صالح الوطن، بينما تكشفت فيما بعد و عبر ست سنوات من توالي سقوط الأقنعة، عديد الحقائق و الأحداث التي أثبتت كيف أنهم لا يتبعون إلا مصالحهم الشخصية، و لا يتفوهون إلا بما يريده من يدفع أكثر !

و لن أتنصل هنا من قناعتي منذ قيام الثورة في يناير، أن من سمح لكل أولئك أن يحيدوا بالثورة عن مسارها، و أن يستغلوا غضبة الشعب المصري ضد القمع و الفساد و الأحادية و الاحتكار في يناير، و من أدى بالأمور إلى أن تصل لنقطة الانفجار في يونيو لم يكن سوى الإدارة التي جانبها الصواب من جانب قادة المجلس العسكري الذي تولى السلطة في أعقاب الثورة ..
تلك القيادة التي و إن لم أشك لحظة واحدة في وطنيتها و عدم تفريطها في ذرة تراب واحدة من أرض مصر، إلا أنها فرطت في حقوق الشعب المصري حين التزمت الصمت تجاه فساد مبارك و حاشيته لثلاثة عقود متتالية، و فرطت مرةً أخرى في حقوق الشعب المصري بقبولها لتراجع مستوى منظومة تسليح الجيش المصري و انحسارها لتبقى محدودة في إطار ما تقدمه الولايات المتحدة على سبيل المعونة التي تمنحها حين الرضا و تمنعها حين يتطلب الأمر الرضوخ لتوازنات سياسية و إقليمية فرضتها تبعية نظام مبارك الكاملة لواشنطن و إن روج إعلامه بغير ذلك .. !
تلك القيادة التي سمحت بجنوح سفينة الثورة على شاطئ المؤامرات  حين تخاذلت في مواجهة من قفزوا على ثورة الشعب و أطلقت دون مبرر واضح سراح قادتهم بعد مرور أيام قلائل من تنحي مبارك ليجد من قاموا بالثورة ضد النظام بأكمله أنفسهم محاطين بمن كانوا جزءاً أصيلاً من المستفيدين من ذلك النظام أمثال الملياردير حسن مالك و رفيقه خيرت الشاطر الذين خرجا من السجن ليدخلوا ميدان التحرير و يعتلوا منصة الثوار وسط دهشة الجميع و في حراسة الشرطة العسكرية و بدعم من المجلس العسكري وكأنهم هم من ثار من أجل حقوق الشعب، بينما هم أبعد ما يكونون عن ذلك ..
و استمر التخاذل ليشمل السماح بأن يتولى المستشار البشري، وهو من عرف عنه انتمائه لفكر الإخوان، رئاسة لجنة تعديل الدستور، بل و أن يتم السماح لميليشيات الإخوان و السلفيين بالسيطرة على مشهد الاستفتاء فيكفرون من يعارض التعديل و يقومون بدور الكهنة الذين ينزهون المجلس عن الخطأ و يحكمون على من يعارضه بالخروج من عباءة الإسلام !
و استمر فيما بعد ليشمل التصديق على قانون انتخاب معيب و الدعوة لانتخابات برلمانية في ظل بيئة حزبية منقوصة يعلم الجميع أنها لن تفرز سوى برلمان يسيطر عليه الإخوان و من والاهم، ثم الدعوة لانتخابات رئاسية نعلم  جميعاً ما آلت إليه !

قد تجد نفسك و قد قررت ألا تكمل قراءة هذه السطور، بل و دعني أكون أكثر وضوحاً لأقول لك أنك بدأت جدياً في الشعور أن من كتب هذه السطور هو مجرد عميل آخر من مرتزقة التمويل المحرضين على الجيش و الكارهين لكل ما هو عسكري ..

و دعني أؤكد لك أنك على خطأ .. فمن كتب هذه السطور فقد صداقة و ود نصف رفاقه لأنه قرر النزول في يونيو للإطاحة بمن يرون أنه، بالرغم من كل ما يمثله من فاشية و ولاء لجماعته، كان رئيساً منتخباً ديمقراطياً، بينما فقدت معظم النصف الباقي في يونيو 2014 حين قررت اختيار السيسي لقيادة المرحلة الحالية عن قناعة لا يشوبها شك أنه الرجل الأنسب للمرحلة الأخطر من تاريخ مصر .. مرحلة تمثل الفارق بين الاستمرار كدولة ذات سيادة و تراب وطني موحد أو التحول إلى حالة من السيولة السياسية و العسكرية و الاجتماعية !

و لن أبالغ حين أقول أن حالتي أنا و رفاقي كانت في حقيقة الأمر حال كل بيت و كل أسرة و كل حارة في مصر .. ففي زاوية من المشهد الوطني، انقسم من هم على شاكلتي ممن يرون أن يونيو هي استمرار للمد الثوري الذي بدأ في يناير، بين اختيار صباحي و هو من قدم نفسه كمرشح للثورة بكل ما تعنيه من مبادئ الحرية و المساواة و العدالة الاجتماعية و رفض ضمني للعودة لحكم ذوي الخلفية عسكرية ، و بين السيسي و هو من استجاب لنداءاتهم في يونيو لإنقاذ سفينة الوطن من الغرق في غيابة بئر فاشية الحكم الديني، بالرغم من كل التحفظات على انتماء الرجل لمجلس طالما هتفوا ليرفع يده عن الحكم و مازالوا يطالبون بمحاسبته على الانتهاكات التي سجلت في عهده حتى تسليمه مقاليد الأمور لغير المأسوف على عزله.

بينما وجدنا في زاوية اخرى من المشهد المحتدم، اليساريون و القوميون و الاشتراكيون من أصحاب الصخب المعتاد و ادعاءات امتلاك الحقيقة المطلقة و هم بدورهم منقسمون بين اختيار صباحي المرشح اليساري التوجه، القومي النزعة، و بين السيسي الذي يرون أنه يمثل إعادة لنموذج أيقونة عبد الناصر الخالدة التي يمكنها التواصل مع الشعب و شحذ الهمم و إعادة هيبة الدولة و استعادة دورها الإقليمي و الدولي دون تبعية أو استكانة.

 
إلا أن من كانوا يشغلون المساحة الأكبر من المشهد بعد يونيو، و من صنعوا الفارق الحقيقي، كانوا أولئك المصريين البسطاء الذين لا يعنيهم من الأمر سوى أن هناك من أعاد لهم وطنهم الذي يعرفونه، و من خاطبهم بلغتهم التي اعتادوها، لا سيما و أن الرجل يرتدي الزي العسكري الذي طالما ارتبط في الوجدان المصري بالعزة و الكرامة الوطنية.

و لكن ما يعنيني حقيقةً في مشهد يونيو،  هم أولئك الذين لا تستطيع أن تلحظ لهم وجوداً لقلة عددهم و انحسار الأضواء عنهم بل و ترفعهم عن إثارة الصخب ليلتفت إليهم الجميع !
أولئك الذين أؤمن أنهم الأكثر صواباً، و الأكثر قدرة على تحليل الأمور و اتخاذ القرار الذي لا يصب إلا في إناء المصلحة العليا للوطن، و لا ينتقص بأي حال من حظوظ الثورة على المدى الطويل في بسط مبادئها رغماً عن الجميع.

هؤلاء الذين لم يعنيهم التقيد بشعارات جوفاء، أو التبعية لأيقونات واهية، أو الانتماء لأيديولوجيات جامدة، حتى و إن كان ذلك احياناً على حساب تراجع مؤقت للمسيرة الثورية، ليقينهم أنه و إن كانت الثورة في لحظة ما هي الوسيلة المثلى للتغيير، فهي ليست هدفاً بحد ذاتها.

هؤلاء ممن يظن المتابع الضحل لهم أنهم غير ثابتين على مبادئهم، فلقد رآهم يخرجون في يناير للمطالبة بالعيش و الحرية و العدالة الاجتماعية و مطالبين للجيش بمساندتهم، ثم رآهم بعدها و هم يطالبون بتنحي المجلس العسكري و إقامة الدولة المدنية و إرساء دعائم دولة القانون بدلاً من دولة البطش و الطوارئ، ثم رآهم في النهاية يخرجون بدهم من نفس الجيش على من قد يبدو رئيساً مدنياً منتخباً، بينما كان خروجهم ضد التفاف الإخوان على مبادئ الثورة و خيانتهم لثقة الملايين ممن أئتمنوهم على وطن لم يروه إلا لبنة ضمن أخريات في مشروع إعادة بناء الخلافة المزعوم.

هذه القلة التي لم تحيد عن مطلبها و هدفها في رؤية وطن موحد قوي ينعم فيه الجميع بالحرية و المساواة و الكرامة، و لكن الأهم أن يكون كل ذلك أولاً تحت راية واحدة و فوق تراب وطني موحد، و هو الهدف الذي يتطلب على المدى القصير وجود قيادة تمتلك الحد الأدنى لتحقيق ذلك ..
قيادة مدعومةَ بتاييد شعبي حقيقي ..
قيادة تمتلك الرؤية الاستراتيجية و القدرة على تحقيق التوازن الإقليمي و التواصل مع كافة القوى الكبرى لدعم مكانة مصر السياسية و الدبلوماسية و دعم القدرة العسكرية للجيش المصري للتعامل مع التهديدات الإقليمية ..
قيادة  تمتلك الحد الأدنى اللازم للتحكم في موارد و أجهزة الدولة دون إبطاء لإصلاح البنية التحتية التي تضمن عدم انهيار منظومة الاقتصاد بالكامل و تضمن بقاء ما يمكن البناء عليه لإصلاح تلك المنظومة ..
و أخيراً .. قيادة تمتلك القدر الكافي من الصرامة اللازمة لكبح جماح من سولت لهم أنفسهم استباحة الدماء و الأعراض و الملكيات العامة و الخاصة لكي لا نقع من جديد في فخ التخاذل و التوازنات فيضيع كل شيئ مرة أخرى!

قد يتوهم البعض أني، و من يوافقونني الرأي، نعطي بذلك الضوء الأخضر لمن تولى مقاليد الحكم ليفعل ما يشاء و أن يعود بالأمور لما قبل يناير، و لكني أؤكد لهؤلاء أنه و بالرغم من تأييدي و دعمي و قناعتي بحتمية يونيو و اختياري لهذه القيادة في المرحلة الآنية، فأنا على ثقة أن المصريين، بل و الرئيس نفسه، صاروا يمتلكون الحد الكافي من اليقظة للحيلولة دون إعادة تأليه الحاكم، و أني و من يتوافقون مع رؤيتي للأمور و من بذلوا الجهد الذي يستطيعون في صمت طوال السنوات الماضية بأموالهم و دمائهم و حناجرهم و أقلامهم، مصرون على  مواصلة العمل على تنمية الوعي السياسي و الإجتماعي و الثقافي للأمة و تعريف الجميع بحقوقهم التي صوتوا لدستور يمنحهم إياها ..

و الأهم من ذلك كله .. هو ثقتي في أن من خرجوا في يونيو لن يقبلوا إلا أن تكون هي الضمان أن يناير ستظل و بلا شك نقطة اللا عودة لما قبلها من قبول للقمع تحت ستار حفظ الامن، أو كبت الحريات تحت مظلة حماية الأمن القومي، أو تخوين المعارضة بحجة الحفاظ على وحدة الكلمة.

حفظ الله مصر .. و سدد على طريق الخير خطى أبنائها.