Monday, November 27, 2023

ما يحتاجه الرئيس ... !

 بقلم: إيهاب الشيمي


رغم وقوفي بثبات و دون تردد في جانب الوطن و الرئيس والجيش كخيار لا رجعة عنه ولا داعٍ لمناقشة حيثياته في هذه المرحلة الحرجة من عمر الوطن والمنطقة، بل والعالم بأسره، إلا أنني لست مؤيداً أو موافقاً من الأساس على انخراط وسائل الإعلام المصرية الرسمية وشبه الرسمية والمحسوبة على على السلطة سواء كانت تلك المرئية أوالمسموعة أوالمقروءة ، على مدارالساعة، في سرد إنجازات الرئيس خلال السنوات العشر الماضية، وكأنها جزء من حملته الانتخابية الخاصة وليست جزءاً من منظومة الدولة المصرية التي لا يجب أن تنحاز لمرشح بعينه !

قناعتي الراسخة هي أن ما يحتاجه الرئيس فعلاً ليقف بقوة في وجه مخططات القوى الخارجية و عملائها في الداخل هو الدعم الحقيقي له ولسلطاته الدستورية من خلال كيانات سياسية قوية تمثل الشعب المصري وتعكس حجم تأييده لقيادته، وليس من خلال الإعلام الموجه أو برلمان الصوت الواحد، أوالمستقبل الذي ينحصر في منظورالعين الواحدة!

ما يحتاجه الرئيس هو انتهاج سياسة إعلامية جديدة تعتمد على الشفافية مع الشعب، وتنمية الوعي لدى الجميع، كبيرهم قبل صغيرهم، ومخاطبة الخارج بلغته التي يفهمها لا بشعاراتنا الجوفاء التي استهلكناها عبر عقود من الزمن ضاعت علينا فيها الكثير من الفرص!

ما يحتاجه الرئيس هو توظيف من يمتلكون الخبرة العملية لإدارة الملفات الشائكة بصورة علمية وليس من يحظون بالثقة على حساب الإمكانيات العلمية والخبرات الحقيقية والرؤى الثاقبة !

ما يحتاجه الرئيس هو أن تتخلى الحكومة عن النظرة الاستعلائية تجاه الشعب وأن تتوقف فوراً عن التعامل معه على أنه مجرد أداة تتلاعب به وتصنفه حسبما تقتضي الأمور، فتنصبه قائداً ومعلماً وسيداً يجب طاعته حين تحتاج دعمه، وتعتبره طفلاً أخرقاً وعبئاً وإرثاً ثقيلاً حين تسوء الأحوال وتنحرف منها دفة قيادة الأمور!

ما يحتاجه الرئيس هو أن تبذل تلك السلطة كل ما في وسعها لتشرح ببساطة وسلاسة ودون تعقيد لرجل الشارع، وللفلاح في قريته، وللعامل في مصنعه، بل وللشاب اليافع في مدرسته وجامعته، ماهية التحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية التي تحيط بنا من كل اتجاه، وأهمية ما تم من إنشاء بنية تحتية كاملة، وكيف تم تقليص نسبة البطالة، وماهية الأسباب الحقيقية للزيادة غير المسبوقة لمعدلات التضخم، وعوامل التراجع الكارثي لاحتياطات النقد الأجنبي، وتفاصيل الإجراءات التي سيتم تنفيذها لتدارك كل ذلك، وتأثير تلك الإجراءات على كل فرد منهم في الحاضر و المستقبل بدلاً من تركهم فريسةً سهلة للمغرضين والعملاء والجهلاء!

ولكن .. يبقى الشيئ الأهم في قائمة ما يحتاجه الرئيس هو أن يدرك أن اختياره للقيادة، منذ عقد من الزمان، كان قراراً من الشعب فرضته ضرورات مرحلية على رأسها حفظ وحدة التراب الوطني و الإبقاء على الحد الأدنى اللازم من سيادة الدولة، وأن أمامه خيارين لا ثالث لهما، أولهما هو البقاء داخل تلك العباءة وتذكير الشعب من آن لآخر بأياديه البيضاء لإنقاذ الوطن ومحاربة الإرهاب، وتطوير قدرات القوات المسلحة، وإعادة هيكلة منظومة العلاقات الخارجية، وهي أمورلا ينكرها إلا جاهل أو حاقد ولكنها رغم كل شيئ تندرج تحت بند المهام الآنية قصيرة الأجل،  أو الخيار الثاني الذي يتطلب انتقاله من مجرد قائد مرحلي فرضته الظروف إلى قائد تاريخي يسعى لتحقيق أهداف أكثر استدامة وأعظم تأثيراً وصولاً إلى التنمية المستدامة في جميع المجالات وتحقيق الرخاء الذي يتطلع إليه كل مصري من أجل مستقبل أفضل لأبنائه !

ولا اظنك عزيزي القارئ ستختلف معي في أن الخيار الثاني، لو أراد الرئيس أن يكون ذاك هو ما يريد، يتطلب منه ما هو أصعب بكثير  من الخيار الأول !

فهو يتطلب قراراً صعباً بضرورة القضاء على كل الوجوه التي سئمها الجميع ، و العقليات المهترئة التي لا يمكنها الخروج من حقبة القرن الماضي، و الاستراتيجيات الاقتصادية العقيمة التي لا تعتمد في تنمية الموارد سوى العودة لمنطق أمراء المماليك بتنمية الموارد عن طريق فرض المزيد من الضرائب و الاستمرار في زيادة الرسوم يوماً تلو الآخر دون طرح رؤية حقيقية للحلول ..

كما يتطلب رؤية لتنمية الصناعة بشكل حقيقي عن طريق دعم استيراد مستلزمات الانتاج والعمل على تكوين خريطة كاملة لكيفية استغلال واستخراج الموارد المتاحة، و خلق شبكات الطرق والطاقة الجديدة والمتجددة بالشكل الذي يدعم هذه الصناعات، وهو ما يتطلب كذلك تصنيف تلك الصناعات وتحديد أولويات دعمها طبقاً لتأثيرها على الاقتصاد الوطني وإمكانية تكاملها مع صناعات و أنشطة أخرى لخلق فرص عمل اشمل و أوسع، و ليس فقط قصر الدعم على منح المزيد من الإعفاءات الضريبية و خفض رسوم الوقود و الطاقة التي لا تصب في النهاية سوى في خانة أرباح أباطرة الصناعة فقط ..

رؤية تشمل استراتيجية حقيقية لتنمية الصادرات ، و جذب الاستثمارات لتنمية الاحتياطيات الحقيقية والفاعلة للنقد الأجنبي، و ليس تلك الاموال الساخنة التي تعتمد فقط على سعر الفائدة المرتفع، وهو ما سيسفر في النهاية عن ضبط سعر الصرف بصورة هيكلية تضمن مصلحة المستثمر و الدولة في آن واحد، و ليس فقط عن طريق فرض اللوائح والقوانين التي تقيد التعامل في النقد الأجنبي وتحد من جاذبية مصر لفرص الاستثمار الأجنبي المباشر!

رؤية حقيقية للاستفادة من الموارد السياحية الطبيعية و الأثرية تشمل تغيير عقلية القائمين على قطاع السياحة أنفسهم بدءاً من القمة حيث يقبع رؤساء هيئات تنمية و تنشيط السياحة و نزولاً إلى أصغر حارس على مقبرة وسط الصحراء، و مروراً بأولئك الذين كسروا ذقن توت المسكين و أعادوا لصقها بالغراء في المتحف المصري، بل و تمتد لتغيير نظرة العاملين بقطاع السياحة و الشعب نفسه للسائحين كسفراء لنا حين عودتهم لديارهم، و ليس كنعاج يجب أن نجتز آخر شعرة صوف من على أجسادهم قبل أن يمكنهم المغادرة ..

وقبل ذلك كله .. رؤية لتطوير آليات و أساليب القيادة نفسها، آليات تحكمها خطوط عريضة لمعايير تقبل النقد بعيداً عن مشاعر الغضب أو الذاتية، و تحدد معايير السعي لطلب النصيحة من أولي الخبرة و الكفاءة، و تضع قواعد الحالات التي يجب فيها الاعتراف بالخطأ حين يتطلب الأمر ذلك لضمان الشفافية الكاملة، تلك الآليات و القواعد التي لا بد من إرسائها بدلاً من اللجوء دوماً لادعاء امتلاك الحقيقة المطلقة و فساد كل رأي يخالف رأي القيادة، و هو ما لن يفلح سوى في إعادتنا لمرحلة ما قبل يناير التي أكد الرئيس نفسه في عدة مناسبات أنها كانت حتمية، و أنها من جاءت به من بين صفوف الشعب ليكون عوناً له على تحقيق مطالبه !

 ببساطة .. ما يحتاجه الرئيس دون دعوات، ودون هاشتاجات، ودون طلبات للتفويض ودون مسيرات ودون لافتات ودون صخب هو أن يشعر المصريون أنهم شركاء حقيقيون في نجاح الوطن و ليس مجرد أدوات يمكن استدعاؤها حين يتعلق الأمر بتحمل أعباء الإصلاح أو رفض دعوات الفوضى، وحينها فقط سيجد أعداء الوطن صعوبة كبيرة في إثارة القلق و إشعال الفتنة و إسقاط الدولة باستغلال نصاب هارب و قناة عميلة و جماعة مارقة، لأنهم سيضطرون حينها لمواجهة أمة بأكملها و شعبٍ بكامل أطيافه و انتماءاته، و ليس مجرد شخص الرئيس فقط!



حفظ الله مصر !