Friday, June 29, 2018

كلما فسد الحاكم .. انتفضت الأمة !


إيهاب الشيمي

على القرص الصلب أحتفظ بمئات الجيجا بايتس من المادة الفيلمية التي قمت بتوثيقها شخصياً للفترة من الثانية عشرة ظهراً يوم 25 يناير 2011 و حتى 30 أغسطس 2013 

من مجرد بضعة أشخاص يحيط بهم كتيبة كاملة من الأمن المركزي في ميدان سفنكس بالمهندسين، مروراً بمئات الآلاف على كوبري قصر النيل في جمعة الغضب وموقعة الجمل  وصولاً إلى الملايين في اعتصام يوليو و ملحمة محمد محمود، و عن قرب مع المئات من رفاق الدرب في مسيرات التوعية و الحرية ضد تغول المجلس العسكري على العملية السياسية و تحالفه المخزي مع إخوان الشيطان، و فساد فلول مبارك و  خداع أذرع الاسلام السياسي، و محاولات الأجهزة الأمنية لتحقيق ثأر شخصي  بدلاً من استعادة ثقة الشعب.
 و مرة أخرى وسط عشرات الآلاف من الفتية و الشباب اليافع ممن انفجروا تنفيساً عن الغضب و الألم و الحزن الجارف بعد مذبحة الغدر ضد رفاق الألتراس في بورسعيد، و انتهاءاً بالاشتباكات مع مجرمي و بلطجية الإخوان في الاتحادية في ديسمبر 2012 عقب إعلان مرسي الدستوري المخزي، و و وصولاً للمشهد الأخير في 30 يونيو 2013 و ما تلاه من فوضى فض اعتصامات الإرهاب و الكذب و الخيانة في اغسطس 2013 !

هذه المكتبة الفيلمية الشخصية هي الوحيدة التي أعلم يقيناً أنها لا تخضع لأهواء الممولين أو لأغراض الإعلام الحكومي أو لأجندات الإعلام الغربي ..
هي ببساطة ما يثبت لي، كلما وجدت الوقت لمشاهدتها من جديد لتذكر وجوه من ثبتوا و من رحلوا و من غابوا و من ضلوا الطريق، أن  كل ما هتفنا به أنا و من ثبتوا معي على الثورة من أجل مصلحة الوطن فقط، و كل ما حذرنا منه، و كل ما رأينا صوابه، كان بالفعل هو الصواب دون غيره !

نعم .. لقد أضاع من خانوا الوطن، عمداً أو عن جهل و غياب للوعي بالتحديات،  الكثير من الوقت و الكثير من الأرواح !

نعم كان من الممكن اختصار الكثير من الوقت و إنقاذ الآلاف من الأرواح لو أن ما حدث في يونيو 2013 أخذ مكانه في يناير 2011 !

نعم، كان من الممكن أن يضيع الوطن للأبد بعد أن تمكن الإخوان من السيطرة على البرلمان و الرئاسة بسبب تخاذل المجلس العسكري في مواجهتهم بل و استخدامه لهم كرأس حربة انقلبت عليه في النهاية، لولا رحمة الله بهذا الشعب، و وفاء قواته المسلحة بعهدها معه في يونيو!

هل أعيدها من جديد لو عاد بي الزمن للوراء؟
نعم .. فالوطن يستحق ما هو أكثر، و نحن، رغم كل ما بذلناه، لم نوف له حقه!

هل تغيرت الأمور للافضل؟
بالتأكيد، فمصر ما قبل يناير ليست هي مصر الآن، و إن ظل هناك الكثير للكفاح من أجله لزيادة الوعي بضرورة المشاركة المجتمعية و مكافحة الفساد و تنمية الوعي و ضمان الحريات و الحقوق!

هل هناك ما أريد أن اقوله ..
نعم .. أريد من الجميع ألا يفقد الإيمان بغد ٍأفضل .. فالثورة لم تبدأ في يناير و لم تنته في يونيو ، فالحراك الوطني بدأه عرابي و استمر مع ناصر مروراً بمصطفى كامل و سعد زغلول. فكلما فسد الحاكم انتفضت الأمة، و سينجب الوادي دوماً من يثور من أجل مصر !

  تحيا مصر .. و ليبقى دائماً المجد للشهداء

Friday, June 22, 2018

مصر و آيسلندا .. بين فساد المقارنة و فساد الادارة !



إيهاب الشيمي :

تابعت بمزيد من الأسف و السخرية في الوقت ذاته ما تم تداوله من نقاشات ساخنة حول كيفية وصول منتخب آيسلندا إلى كأس العالم بلاعبين غير محترفين و بعدد سكان لا يتعدى 350 ألف نسمة ..

و تابعت كيف استمرت تلك النقاشات لتصل لنقطة يحاول فيها من يثيرها زرع فكرة معينة داخل عقول المتابعين مفادها أن هؤلاء وصلوا لكأس العالم لأنهم فضلوا الانتاج و العلم و الفن على الكرة و لم يمنحوا الرياضة ذلك الاهتمام الذي نمنحها نحن إياه و لذلك فاللاعبين يمتهنون مهناً غير كرة القدم ، فمنهم الطبيب و منهم المخرج و منهم المحامي، ثم يمتد الهدف من تلك النقاشات ليشمل كيف أن هؤلاء استطاعوا اختيار منتخب يقارع الكبار من بين ذلك العدد القليل جداً من السكان و كيف أصبحوا ضمن الدول الأكثر تقدماً اقتصادياً بينما فشلنا نحن في الاختيار من بين 100 مليون مصري ليسوا سوى تركة ثقيلة يجب التخلص منها أو الهروب منها !

ما استطعت استخلاصه هو أن أهداف ذلك الطرح، و إن كانت منطقية في ظاهرها، إلا أنها بصورة خفية تصب في الرغبة في زرع فكرة وجوب التخلى عن الاهتمام بالرياضة كهدف للشباب المصري و كسلاح من أسلحة الامن القومي و دعامة أساسية للنمو البشري و أن نتقبل ضمنياً فكرة تفوق العرق الأبيض و الأوروبي تحت ذريعة أن عشرات الملايين منا لا تساوي بضعة آلاف منهم من حيث القيمة و الانتاجية !

و لكل من ساهم في هذه الحلقات النقاشية بحسن نية أو لتنفيس غضب أو لنشر روح الإحباط و اليأس من إمكانية هذا الوطن على التقدم، أحب أن أوضح أمرين :

الأمر الأول .. هو أن لاعبي آيسلندا "جميعاً" هم لاعبون محترفون في الدوريات الأوروبية المختلفة و ليسوا مجموعة من الهواة ممن وصلوا إلى كأس العالم بالصدفة كما تدعي أنت !

آيسلندا وصلت لما وصلت إليه ليس بالصدفة و الهواية كما تدعون و لكن لأن لديها اتحاد كرة يديره محترفون و متخصصون في الإدارة الرياضية و الطب الرياضي و التسويق الرياضي و يعترفون بالرياضة كعلم و مصدر للدخل القومي و أداة للتنمية البشرية و ليس مجرد وسيلة للإلهاء و المنفعة الشخصية لحفنة من الفاسدين و أنصاف المتعلمين كما هو الحال لدينا !

الأمر الثاني .. هو بالتأكيد فساد المنطق و الاستدلال حول ارتباط عدد السكان بالناتج القومي او بنوعية و جودة الخيارات المتاحة في مجال معين .. فلو أن الأمر كذلك لحصلت الصين على كأس العالم دون غيرها من الدول في كل مرة، و لكانت الهند هي ضمن كبار الدول التي تمتلك اكبر ناتج محلي في المجرة و ليس في كوكب الارض فقط بسبب تعداد سكانها الذي يتجاوز المليار نسمة !

ببساطة .. 
آيسلندا ذات معدل نمو اقتصادي متميز لأنه ليس لديها ما يجعل الآخرين يسعون لوقف هذا النمو بل و السعي الدائم لتدمير اقتصادهم و تحجيم قدراتهم كما يحدث مع مصر منذ خمسينيات القرن الماضي ..
آيسلندا ذات معدل نمو اقتصادي متميز لأنه ليس لديها من يدفع ملايبن الجنيهات من عائدات وظيفته و عمله في بضع أحجار و كتل أسمنتية وسط الصحراء بحجة ان ذلك نوع من الاستثمار العقاري بينما هو مجرد تجميد لثروات الوطن و تحجيم لقدرتنا على خلق فرص عمل جديدة من الاستثمار في مجالات إنتاجية زراعية و صناعية
آيسلندا ذات معدل نمو اقتصادي متميز لأنه ليس لديها من يسعى نتيجة موروثات ثقافية عفنة لزيادة عدد السكان و التباهي بفحولته و كثرة ذريته دون التفكير في الإضافة التي يمكن أن تقدمها هذه الذرية له و لمجتمعه !
و الأهم من كل ذلك .. آيسلندا ذات معدل نمو اقتصادي متميز لأن لديها شعب قرر المشاركة في صنع القرار و اختيار ممثليه و اختيار حكومة تدرك كل التحديات و تضع قائمة عادلة و رشيدة للأولويات .. شعب لم يكتف فقط بالمشاهدة و الإغراق في النواح أو الافراط في البهجة دون تأثير يذكر على صناعة القرار !

ببساطة .. هم ليسوا كائنات فضائية أو عرق افضل، بل نحن من نمتلك كل شيء و لكننا ندمن الإعجاب بالآخرين و التقليل من شأن أنفسنا دون السعي لرؤية ما يجب أن نفعله لاستغلال ما نمتلكه، و دون علاج الأخطاء التي حالت دون تحقيق النجاح المفترض حدوثه لمن يمتلك كل تلك القدرات البشرية و ذلك القدر اللامحدود من الموارد و الإمكانات الطبيعية و التاريخية و الثقافية..
 نحن من نتكاسل عن المشاركة و نحن من نتغاضى عن حساب من أخطأوا بحجج ساذجة مثل التسامح و الشفقة و الرحمة و ضرورة النظر للمستقبل بدلاً من مراجعة أوراق الماضي .. !
و الأهم و هو أننا نغفل دائماً عن وضع معايير المقارنة العادلة بين ظروفنا السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية و ظروف من نرى أنهم دوماً الأفضل !

عفواً يا سادة .. الحل هو أن نتمكن نحن من إدراك قيمتنا و أن نشارك بفاعلية في صنع القرار، و أن تمتلك السلطة الحاكمة الرغبة قبل القدرة على توفير الإدارة الجيدة للبشر و الموارد بدءاً من معلمي رياض الأطفال و مروراً بمسؤولي اتحاد الكرة و انتهاءاً برئاسة الحكومة، و أن نتوقف جميعاً عن التعظيم من شأن الآخرين مقابل الاستهانة بقيمتنا البشرية و الإنسانية لصالح من يريدون بقائنا في القاع !

حين نفعل ذلك .. سيمكننا الفوز بكل شيئ .. حتى كأس العالم !