بقلم : إيهاب الشيمي
منذ صباح ألأمس وأنا أتابع على وسائل التواصل الاجتماعي الكثير من المنشورات والنقاشات التي تتناول أسباب مشاركة مصر في احتفالات روسيا بالذكرى الثمانين للانتصار على النازية في مايو 1945، خاصةً أنها المرة الأولى في التاريخ التي تظهر فيها عناصر من القوات المسلحة المصرية في عرض عسكري في الميدان الأحمر، وهو ما لم يحدث حتى في ذروة التحالف العسكري بين مصر والاتحاد السوفييتي خلال ستينيات القرن الماضي !
وكالعادة، كانت معظم النقاشات سجالاً سخيفاً بين "الموالاة" و "المعارضة" .. بين المؤيدين على الدوام لأية خطوة أو قرار تتخذه السلطة وكأنها معصومة من الخطأ أو المراجعة، وأولئك المعارضين والمنتقدين على طول الخط رغم اختلاف المواقف والظروف والأحداث دون تقديم حلول أو مقترحات بديلة، لتجد نفسك في النهاية في خضم بحر من "الهري" و "الهري المضاد"، ، ويكفي أن أشير إلى أن الأمر وصل في بعض الأحيان لدرجة من السخافة والسطحية في التناول للحد الذي دفع البعض للادعاء أن زيارة الرئيس السيسي إلى روسيا جاءت على سبيل "الكيد" في الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعد مطالبته لمصر بمرور السفن الأمريكية في قناة السويس دون سداد أية رسوم !
ودعني عزيزي القارئ أطرح عليك قناعتي أن معظم المصريين يفتقرون إلى الحد الأدنى من الإلمام بطبيعة العلاقات المصرية الروسية، ويحصرون مصالحنا الحالية معها في القرض الذي قدمته روسيا لمصر بقيمة تتجاوز 28 مليار دولار لإنشاء محطة الضبعة النووية التي ستوفر 4800 ميجاواط من الكهرباء من خلال مفاعلاتها الأربعة، وشحنات القمح الروسي التي تضمن الأمن الغذائي لغالبية الشعب المصري!
ولكن الأمر في الواقع يتجاوز ذلك بكثير ليشمل دور روسيا المتنامي في دعم مصالح مصر الإقليمية في إفريقيا وليبيا والبحر الأحمر، من خلال التعاون العسكري، والاقتصادي، والدبلوماسي، والذي يمكن إيجازه في الشطور التالية.
ففي ليبيا، دعمت مصر و روسيا الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر عسكريًا وسياسيًا في مواجهة حكومة الوفاق السابقة المدعومة من تركيا، وهو التوافق الذي عزز النفوذ المصري شرق ليبيا، وضمن وجود قوة صديقة لمصر قرب حدودها الغربية، كما أن تبادل المعلومات والتنسيق الاستخباراتي بين موسكو والقاهرة في الملف الليبي ساهم بشكل فعال في منع تدفق الإرهابيين والسلاح عبر الحدود وعمل على الحد من النفوذ التركي في غرب ليبيا، رغم علاقات روسيا المعقدة مع تركيا، مما يصب في مصلحة مصر، التي ترى في أنقرة خصمًا إقليميًا في بعض الملفات الرئيسية، ولا يؤكد ذلك أكثر من توجه الرئيس بوتين بعد مراسم عرض عيد النصر إلى المشير خليفة حفتر بصفة خاصة ليتبادل معه الحديث أمام الجميع من رؤساء وفود الدول المشاركة في الاحتفال، بينما لم يصافح أو يتناول أية أحاديث أخرى إلا مع قادة جيش كوريا الشمالية الذين ساهموا في تحرير إقليم كورسك منذ أسبوعين تقريبا.
أما في إفريقيا، فتقوم موسكو بدعم سياسي لاستراتيجية مصر في النيل والقرن الإفريقي حيث وقفت على الحياد رسميًا في ملف سد النهضة رغم ارتباط حليفها القوي في بكين بمصالح أديس أبابا، وسعت إلى لعب دور "وسيط ناعم"، مما أتاح لمصر كسب دعم دبلوماسي في المحافل الدولية، كما أن روسيا تدعم مصر بشكل غير مباشر في شرق أفريقيا عبر تعزيز علاقاتها مع السودان وأريتريا في مواجهة التغلغل التركي هناك، وهي دول مهمة لمصر في أمن البحر الأحمر وخطوط الملاحة. كما أن نجاح جهود روسيا في إنشاء قاعدة روسية في بورتسودان سيجعلها على مقربة من قناة السويس بعد انحسار نفوذها في شرق المتوسط في سوريا، وهو ما سيمنح مصر ورقة تفاوضية إضافية في ملفات الملاحة والدفاع، وسيجعل مصر شريك عسكري واستراتيجي لا بد منه لروسيا، وهو ما دفع روسيا خلال الفترة الماضية لدعم فكرة ضمان الأمن الجماعي في البحر الأحمر، وأن تبدي استعدادًا لمساعدة مصر في تطوير قدراتها البحرية، بل وتنفيذ مناورات بحرية مشتركة مع الجانب المصري في البحرين الأسود والمتوسط، مما يعزز التعاون الدفاعي ويمنح مصر شرعية أكبر في قضايا الأمن البحري.
ما
لا يدركه البعض أيضاً، هو أن روسيا أصبحت على رأس شركاء تسليح الجيش المصري خلال
العقد الماضي لدرجة جعلتها تتجاوز الولايات المتحدة من ناحية قيمة الصفقات المبرمة
أو نوعية الأسلحة التي تم استلامها، فخلال العقد الماضي (2015–2025)، قامت مصر
بتحديث وتوسيع ترسانتها العسكرية من خلال شراء مجموعة متنوعة من الأسلحة الروسية،
وذلك في إطار استراتيجية تهدف إلى تنويع مصادر التسليح وتعزيز القدرات الدفاعية، وزادت
صادرات الأسلحة الروسية إلى مصر بنسبة 44% بين فترتي 2013–2017 و2018–2022، مما
جعل مصر ثالث أكبر مستورد للأسلحة الروسية.
فلقد تعاقدت مصر على شراء 50
طائرة من مقاتلات ميغ-29M/M2
، ضمن صفقة شملت أيضًا منظومات دفاع جوي من طراز SA-23 وSA-17، و46 مروحية هجومية من طراز Ka-52، بقيمة إجمالية تُقدّر بنحو
5 مليارات دولار.
كما تعاقدت مصر على شراء منظومة
الدفاع الجوي S-300VM (أنتي-2500) بقيمة مليار دولار.
ووقعت مصر كذلك صفقة لشراء 20
طائرة من مقاتلات سوخوي-35 بقيمة 2 مليار دولار.
وتعاقدت مصر أيضاً على شراء 500 من دبابات T-90 بقيمة تُقدّر بنحو 2.5 مليار دولار، إلا أن موعد التسليم لم بتم الإفصاح عنه بعد من الجانبين.
الخلاصة عزيزي القارئ، وبعيداً عن سخافات المؤيدين وصياح المعارضين، هي أن روسيا رغم كل شيئ و رغم الحصار والعقوبات الدولية عليها تمثل لمصر شريكًا استراتيجيًا لا غنى عنه سياسياً واقتصادياً وعسكرياُ في موازنة القوى الإقليمية، ودعم المواقف المصرية في ليبيا وأفريقيا، وتعزيز القدرات الدفاعية والبحرية المصرية في البحرين الأحمر والمتوسط، بالإضافة لكونها شريكا أساسياً في خطط تنمية البنية التحتية ودعم الأمن الغذائي.
حفظ الله مصر !
ملحوظة : يمكنك مطالعة المزيد من التفاصيل حول الأسلحة الروسية إلى مصر في نهاية المقال:
فيما يلي أبرز الأسلحة الروسية التي حصلت عليها أو تعاقدت عليها مصر خلال الفترة من 2013 وحتى 2025
القوات الجوية :
مقاتلات
ميغ-29M/M2: تعاقدت مصر على شراء 46 مقاتلة من طراز
ميغ-29M/M2، وهي طائرات متعددة المهام من الجيل الرابع،
قادرة على تنفيذ مهام جو-جو وجو-أرض، وتتميز بقدرتها على استخدام صواريخ موجهة
بدقة دون الحاجة للدخول في نطاق الدفاعات الجوية المعادية.
مروحيات
كا-52 "التمساح": تسلمت مصر 40 مروحية هجومية من طراز كا-52، من أصل 46
تم التعاقد عليها. تتميز هذه المروحيات بقدرتها على تنفيذ مهام الاستطلاع والهجوم،
ويمكنها التنسيق مع مروحيات أخرى أثناء العمليات. كما تم التعاقد على نسخة بحرية
من هذه المروحيات للعمل على متن حاملات المروحيات من طراز
"ميسترال".
تم توقيع عقود لتسليم 20 طائرة من مقاتلات سوخوي-35 مقاتلة وهي مقاتلة تفوق جوي روسية متعددة المهام، أحادية المقعد ثنائية المحرك، وهي ذات قدرة فائقة على المناورة تنتمي إلى الجيل 4++ المعزز، وتمنج القوات الجوية المصرية تفوقاً نوعيا رهيباً بما دفع الولايات المتحدة للتهديد بتوقيع عقوبات على مصر فور تسلمها لتلك الطائرات.
أنظمة الدفاع الجوي
منظومة
"أنتي-2500" (S-300VM): حصلت مصر على ثلاث
بطاريات من هذه المنظومة الدفاعية بعيدة المدى، القادرة على التصدي للطائرات
الحديثة والصواريخ الباليستية متوسطة المدى.
منظومة
"بوك-M2": تعاقدت مصر على عدد من بطاريات هذه
المنظومة المتوسطة المدى، القادرة على التعامل مع أهداف جوية متنوعة، بما في ذلك
الطائرات والمروحيات والصواريخ.
منظومة
"تور-M2": تمتلك مصر هذه المنظومة قصيرة المدى،
التي تتميز بقدرتها على اكتشاف وتدمير الأهداف الجوية أثناء الحركة، وتستطيع
التعامل مع عدة أهداف في وقت واحد.
صواريخ "إيغلا-S" المحمولة على الكتف: تعتبر من أقوى صواريخ الدفاع الجوي المحمولة، قادرة على إسقاط الطائرات التي تحلق على ارتفاعات منخفضة، وتتميز بسرعة استجابة عالية.
القوات البحرية
زورق الصواريخ "مولنيا" (R-32): أهدت روسيا لمصر زورقًا من طراز "مولنيا"، مزودًا بصواريخ "موسكيت" البحرية، التي تتميز بسرعتها العالية وقدرتها التدميرية الكبيرة.
أنظمة الحماية الإلكترونية
منظومة
"بريزيدنت-S": تعاقدت مصر على هذه المنظومة لحماية
الطائرات والمروحيات من الصواريخ الموجهة، حيث توفر حماية فعالة ضد تهديدات
"أرض–جو" و"جو–جو".
تحديث وتطوير الأنظمة
القائمة
تحديث
أنظمة الدفاع الجوي القديمة: قامت مصر بتحديث أنظمة الدفاع الجوي الروسية القديمة
مثل "بيتشورا 2M" و"سام-6"، بالإضافة إلى
تطوير محطات الرادارات وأنظمة التوجيه الإلكترونية.