Friday, January 8, 2016

العين الواحدة !

إيهاب الشيمي
القاهرة

"حبيبك يبلع لك الزلط .. و عدوك يتمنى لك الغلط"

 مثل شعبي يتجاوز حدود المعنى الحرفي لكلماته، ليصف حقيقة رؤية الكثيرين للأشياء من منظور واحد فقط، حيث ليس هناك من خيارات سوى ما يريده هو، فأما الحب المطلق، و إما الكراهية العمياء!

 ولا يقتصر مفهوم النظر بعين واحدة على مفهوم هؤلاء و رؤيتهم لمن حولهم فقط في العمل أو العائلة أو حتى داخل الأسرة الواحدة، بل يمتد ليشمل ترجمتهم لكل ما يشاهدونه، و يسمعونه، ويقرأونه، فتجدهم و قد استوعبوا – فقط - تلك الأجزاء التي توافق توجههم فقط، بينما تتجاهل عقولهم بشكل لا إرادي و تلقائي كل ما يتعارض مع قناعاتهم و أهدافهم المرحلية أو القصوى.

 تلك العين الواحدة هي التي ترى أن من حق القاهرة أن تعبر حدودها لتقصف طائراتها معسكرات من يهددون أمنها القومي في ليبيا بينما تنكر على الرياض حقها في فعل نفس الشئ لحماية أمنها القومي عبر الحدود في اليمن  !

 العين الواحدة التي ترى أحقيتنا في محاكمة و إعدام من ثبت تخابرهم مع أنظمة خارجية لزعزعة الاستقرار في مصر، بينما تنتقد إعدام نمر النمر و هو من فعل نفس الشئ لزعزعة استقرار السعودية بل و الخليج برمته بتعاونه مع ملالي طهران و عمائم حزب الله و جنرالات الحرس الثوري !

 العين الواحدة التي ترى أحقية الرياض في تشكيل " تحالف إسلامي " ضد الإرهاب بينما تعتبر بيان الكنيسة الروسية المؤيد للضربات الجوية ضد داعش حرباً صليبية ضد المسلمين  !

العين الواحدة التي ترى الأبرياء يموتون بسبب  القصف الروسي فقط، و كأن طائرات  التحالف كانت تلقي لهم بالقنابل التي تزهر وروداً حين تصطدم باسطح منازلهم طوال أكثر من عام و نصف من القصف الذي لم يسفر سوع عن تهجير الملايين و استيلاء داعش على أضعاف ما كانت تسيطر عليه قبل بدء القصف  !

العين الواحدة التي ترى الجيش السوري يحاصر المدن و القرى و البلدات فيمنع الطعام و الدواء و الأغطية عن المدنيين الذين لا يشكلون له أي تهديد ، بينما يمكن مرور الإمدادات و الأسلحة للمسلحين المعارضين لنظام الأسد ليستطيعوا مواصلة القتال و قتل المزيد من جنوده  !

العين الواحدة التي ترى في سعي الدول الغربية لتأمين مصالحها و تحقيق أهدافها بتكوين كيانات اقتصادية و عسكرية ضخمة مؤامرة كبرى، بينما تتجاهل فشل أنظمتنا الحاكمة الذريع في فعل الشئ نفسه و التوحد في كيانات مماثلة تدافع عن مصالح شعوبنا و تقف في وجه مخططات الغرب و تبدأ في تنفيذ مشروع قومي يتعدى الحدود الضيقة لكل دولة ليشمل المنطقة برمتها !

العين الواحدة التي ترى أن المعزول مرسي هو من يمتلك شرعية الصندوق، بينما تتغاضى عن أنه أول من انتهك تلك الشرعية بما أصدره من قرارات تقوض دعائم الديمقراطية و تمنح السلطة المطلقة لجماعته فقط !


العين الواحدة التي ترى في أردوغان الصورة المثلى لاندماج قيم الاسلام و تعاليم الشريعة بقيم الديمقراطية الحديثة و تمنحه حق الدفاع عن حقوق الإخوان المسلمين في مصر و السعودية و ليبيا و تونس و غيرها، بينما تتغاضى عن بحور الدم التي تملأ شوارع المدن التركية ذات الأغلبية الكردية التي عاث فيها زبانيته قتلاً و اعتقالاً ضد معارضيه !

العين الواحدة التي ترى أن البرلمان المصري الأخير هو مجموعة من أذناب النظام البائد أو حفنة من المدسوسين أمنياً، و تتغاضى عن أن من يملأون الدنيا صراخاً للترويج لذلك هم من انسحبوا من الانتخابات لفشلهم في التواصل مع الشعب الذي يدعون التحدث بلسانه و ينصبون أنفسهم أوصياء على خياراته !

العين الواحدة التي ترى أنه ليس في الإمكان أبدع مما كان، بينما تتغاضى عن أنه مازال الكثير لنفعله لمحاربة الفساد و تغيير عقلية القائمين على إدارة مؤسسات الدولة و إعادة هيكلة منظومة الأجهزة الأمنية و تغيير عقيدتها التي زرعها نظام مبارك بأنها هنا لحماية الحاكم و ليس لخدمة الشعب !

 و هي  نفس العين التي ترى ان السلطة يديرها مجموعة ممن منحتهم أجنحة الملائكة المنزهين عن الخطأ، بينما شيطنت كل من يمارس حقه الديمقراطي الطبيعي لمد يد العون لها بالنصح و العون و النقد كلما تطلب الأمر ذلك فحولته إلى خائن أو عميل أو جاهل !

 إن من يقرأ وهو يريد أن يتوصل لما يوافق هواه فسيصل لما يريد، و من يقرأ لكي يفهم المغزى الحقيقي للكلمات، فسيقدر حتما الصعوبة التي جعلته أكثر فهما لمن حوله، و ما حوله، و أكثر إدراكاً لحقيقة التحديات، و أكثر وعياً بكيفية ترجمة حبه لوطنه لواقع ملموس يشاركه فيه كل أبناء الوطن المخلصين. 
 

خلاصة القول هو أن الصورة لا تكتمل إلا بفتح كلتا العينين بحيث يمكنهما رؤية المشهد كاملاً، فلا يمكن بحال من الأحوال رؤية كل ما هو إيجابي فقط، و لا أن نصر على رؤية كل ما هو سلبي فقط، فكما أن الإيجابيات هامة لبث روح العمل و العزيمة و الإرادة الجادة للبناء، فإن رؤية السلبيات كذلك ضرورية لتصحيح المسار كلما تطلب الأمر ذلك، و مستقبل الأمة لا يمكن أن نراه بعين واحدة !

No comments:

Post a Comment