Sunday, May 16, 2021

مصر و فلسطين .. بين إعلامنا وأكاذيب التخوين !


بقلم: إيهاب الشيمي

اقتحام مستوطنين لأحياء عربية في القدس ..

اشتباكات ومقتل جنود إسرائيليين في عمليات طعن متفرقة ..

إسرائيل تغلق الأقصى والبلدة القديمة في وجه المصلين ..

الغضب يجتاح الأراضي المحتلة واستهشاد و جرح العشرات في مواجهات مع قوات الاحتلال ..

حماس تقصف جنوب إسرائيل بالصواريخ ..

إسرائيل تبدأ قصفاً جوياً لغزة مساء اليوم رداً على الهجمات الصاروخية ..

الجيش الإسرائيلي يستعد لشن حملة عسكرية برية في القطاع لتحييد خطر الصواريخ ..

استهداف قياديين لحماس و عائلاتهم في غزة ..

تدمير مئات الأهداف المنازل و عشرات المدارس و المستشفيات و تضرر محطات الكهرباء ..

استشهاد المئات وإصابة الألاف من المدنيين الفلسطينيين إثر القصف الجوي والبحري الإسرائيلي ..

كتائب القسام تتوعد الحكومة الإسرائيلية برد قاس في العمق الإسرائيلي ..

سرايا القدس تهدد الجيش الاسرائيلي بمفاجآت حال قرر قادته دخول قواته براً إلى القطاع ..

البيت الأبيض يعلن دعمه لحق إسرائيل في الدفاع عن النفس ..

اجتماع مجلس الجامعة العربية لوقف العدوان ومناشدة المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته ..

...

عفواً عزيزي القارئ، قد تعتقد أن ما سبق هو استعراض لما يحدث الآن في الأراضي المحتلة، ولكن ما سيفاجئك هو أنه يمكنك ببساطة، وبعشوائية إن شئت، اختيار ما تراه مناسباً كأعوام تؤرخ  للعناوين السابقة، و سيمكنك ببساطة أكثر إيلاماً استدعاء مشاعر الغضب و الحزن و الأسى التي عايشتها خلال كل هذه الأحداث وكل تلك التواريخ التي تداعت إلى ذهنك،  رغم مرور سنوات على حدوثها.

لكنك حتماً ستواجه فشلاً ذريعاً حين يكون مرادك تذكر أسباب التصعيد في كل منها، أو مواقف الأطراف المتصارعة قبله  وبعده، أو الأسباب التي أدت لتوقف التصعيد والصدام بين الأطراف كافة وما استتبع ذلك من حجم المكاسب التي خرج بها كل طرف.

عذراً، لن أتحدث عن الخسائر، فالخاسر الوحيد في نظري دائماً هو كل تلك الامهات الثكالى، والاطفال المشردون، والآباء المكلومون على مواراة أبنائهم وأحفادهم التراب بينما ظنوا دوماً انهم هم من سيوارون أجسادهم الثرى!

ولست أتهمك عزيزي القارئ هنا بضعف الذاكرة، أو سطحية التفكير، أو فقدك للاهتمام بالأحداث، فلو أن هذا ما يميزك لما كنت تقرأ هذه السطور من الاساس، و لكن ما أنا بصدده هنا هو بيان الحقيقة المؤلمة في أن فشلك في تذكر أسباب التصعيد وأطرافه ومكاسبهم ليس إلا نتيجة لفشل الإعلام المصري على كافة الأصعدة في أن يمنحك صورة كاملة عن الحدث، و تحليلاً أعمق لجذوره و تفرعاته، وأن يعطي لك بالتالي كمصري فرصة أفضل لتفهم موقف حكومتك الرسمي، والوعي بالدور المحوري لمصر في دعم حق الشعب الفلسطيني في العيش حراً كريماً في دولة ذات سيادة و حدود معترف بها، والأهم من ذلك كله، وهو تبصيرك بالحجج و البراهين التي تساندك حين يتعلق الأمر بالرد على ادعاءات المغرضين الذين لا هم لهم سوى تقزيم الدور المصري، أو تشويهه، أو تخوينه لخدمة أجندات داخلية و خارجية.

ولا أنكر هنا بأي حال تطور أدوات ذلك الإعلام، بدءاً  بالصحافة المقروءة، ومروراً بالقنوات الفضائية، وانتهاءاً بالمواقع الإليكترونية، و لكن ذلك التطور في الأدوات لم يواكبه أي تطور يذكر في أسلوب التناول والعرض والتحليل السياسي والاستراتيجي القائم على أسس مهنية وعلمية، فلم يجد المتابع نفسه إلا فريسة سهلة لمن يتقنون فعل ذلك لتحقيق أغراضهم، لنجد أنفسنا في النهاية و قد تعادلت كفة عشرات الآلاف ممن يشغلون طوابق ماسبيرو ووكالة أنباء الشرق الأوسط والصحف القومية والفضائيات، مع قلم رجل واحد مثل عبد الباري عطوان في صحيفة القدس العربي التي تصدر في لندن، أو بضع شعارات جوفاء على حساب اللاعب محمد أبو تريكة الذي يغرد من الدوحة ويتابعه الملايين من الشباب المصري والعربي، والعديد من أقرانه ممن نجحت جهود استغلال إنجازاتهم الرياضية والفنية بالتنسيق مع قنوات الجزيرة ومواقع الإخوان المسلمين الظاهرة والخفية، المدعومة والممولة من طهران وأنقرة في لي الحقائق و إظهار تركيا وقطر في صورة المساندين للحق الفلسطيني، و حصر المقاومة الوطنية في حماس، وحصر فلسطين في غزة، بينما رسموا صورة مشوهة لمصر تتحالف فيها مع الكيان الصهيوني تصفيةً لحسابات تتعلق بالأمن القومي.

إذا كنت تعتقد اني من المتحاملين على الإعلام المصري، فكيف لك أن تفسر عدم استطاعة وسائل الإعلام المصرية الكشف عن حجم العلاقات الوثيقة بين أنقرة والدوحة وتل أبيب على جميع الأصعدة خلال العقدين الماضيين للملايين من الشباب غير المسيس؟!

و كيف لك أن تفسر لماذا لم يتطرق بشكل موضوعي ومؤثر إلى حجم التعاون الاقتصادي والسياسي والعسكري بينهم والذي لم يتوقف حتى بعد عمليات الرصاص المصبوب ضد غزة في 2008 أو الجرف الصامد في 2014؟! بل وكيف زاد حجم التبادل التجاري بين أنقرة وتل أبيب في العام الماضي رغم أزمة كورونا ورغم تهديدات أردوغان بالانتقام رداً على إعلان ضم القدس وأجزاء من الضفة؟!

 و السؤال الأهم هنا، هو كيف لم يتطرق أحد من هذه الوسائل لتفسير اشتراط  حماس لفتح معبر واحد مثل "رفح" و هو الأقل منفعة للفلسطينيين في غزة للقبول بوقف إطلاق النار في 2012 و 2014، بينما تجاهلت ستة معابر أخرى مع إسرائيل يتحرك من خلالها معظم سكان غزة للعمل و الدراسة و التجارة داخل إسرائيل، حتى يظهر للعالم أن مصر هي من تحاصر القطاع و ليس إسرائيل!

كيف لم يتحدث أحد ممن يملأون الشاشات ليلاً و نهاراً عن أن المبادرة المصرية أثناء اجتياح غزة في 2014 كانت تتضمن فتح المعابر الإسرائيلية مع القطاع وإنهاء الحصار الإسرائيلي المفروض عليه منذ انقلاب حماس على السلطة الفلسطينينة في 2007، و أن الجهود الاستخباراتية و الدبلوماسية المصرية نجحت في إقناع إسرائيل بإعلان قبول ذلك ووقف إطلاق النار، وكيف أن الجهود الاستخباراتية المصرية هي ما منعت اجتياح الجيش الإسرائيلي لقطاع غزة خلال الأسبوع الماضي في عملية كان سيسقط فيها الآلاف من الضحايا الأبرياء من الشعب الفلسطيني الأسير في غزة الذي تسيطر عليه وترهبه ميليشيات حماس الإرهابية منذ 14 عاماً ؟!

كيف لم ينجح أي من هؤلاء الإعلاميين في بيان كيفية متاجرة قادة حماس بدماء وأرواح ومستقبل الفلسطينيين برفضهم، خلال الأيام الماضية، لمباردرات وقف إطلاق النار وادعاء وقوفهم في وجه العدوان واستعدادهم للتضحية بكل غالٍ ورخيص من أجل الأقصى، بينما هم غير متواجدين من الأساس في غزة مع من يواجهون الموت كل ليلة، بل هناك برفقة إسماعيل هنية في زيارة إلى الدوحة تلقى خلالها دعماً من امير قطر بقيمة 300 مليون دولار بحضور ممثلين من إيران و تركيا ؟!

كيف لم يطرح ذلك الإعلام سؤالاً بسيطاً، وهو إذا كان كل ذلك الغضب من أجل الأقصى، كما تدعي قيادات حماس، فلماذا لم تنطلق كل تلك الصواريخ حينما أعلن ترامب ونتنياهو ضم أجزاء من الضفة الغربية وإعلان القدس عاصمة لإسرائيل العام الماضي ؟! و كيف لم يكشفوا أن أن الأمر كله مرتبط بتعزيز صورة حماس ضد فتح قبيل الانتخابات المزمعة رغم تأجيلها، و كيف أن هذا التوقيت بالذات مرتبط باجتماعات الاتفاق النووي الإيراني و إيصال رسالة من طهران، عبر حماس، إلى تل أبيب أن الحرس الثوري يمكنه إيذاء العمق الإسرائيلي عبر وكلائه إذا أصرت إسرائيل على موقفها من رفض الاتفاق وتخريب البرنامج النووي الإيراني ؟!

كيف لم يخرج أحد في هذا الإعلام ليشرح للجميع كيف أنقذت حماس وقيادتها المجتمع الإسرائيلي من الانقسام كلما زادت حدته لتوحد ذلك المجتمع ضد عدو واحد ولتنقذ نتنياهو وتمنحه رئاسة الوزراء على طبق من ذهب وهو ما حدث في 2008 و في 2014 و يحدث الآن في 2021، وكيف حولت الانتباه عمداً عما هو أهم في العراق لصاح الولايات المتحدة وإيران، لتلعب حماس دور حصان طروادة الذي نجح أعداء الأمة في إدخاله عبر أسوار المقاومة العربية ليهدمها من الداخل تحت عباءة الدين وعمامة التقوى؟!

يمكنك متابعة المزيد من التفاصيل حول هذا الموضوع في مقالي هنا:

فلسطين و العراق .. المؤامرة و إشارات التاريخ !

http://ehabelsheemy.blogspot.com/2014/11/blog-post_7.html

عذراً أيها القارئ، فلقد فشل الإعلام المصري، كعادته، في بيان أسباب التصعيد، و حجم المصالح المتعلقة به لدى كل طرف، والمواقف الحقيقية للدول المعنية سواء على الارض بكل ما تحمله من دماء و آلام و دمار، أو في ردهات الدبلوماسية الاقليمية و العالمية الأنيقة بكل ما تحويه من اتفاقات سرية و حسابات استراتيجية، أو في أسواق السلاح و النفط الدولية التي لا يعنيها من كمية الدماء المسالة إلا قدر ما ستؤمنه من صفقات جديدة لترويج منتجاتها بسعر أفضل في ظل طلب أكثر إلحاحاً من الجميع.

بقي لي فقط في النهاية أن أطلب منكم أن تلعبوا أنتم دور الإعلام الغائب مع أبنائكم كي لا يفقدوا الهوية وكي يتحسسوا طريقهم لإدراك حقيقة ما يحدث حتى وإن حاول الآخرون تغيير اتجاه بوصلة الحقيقة !

علموا أولادكم أن الأقصى أسير ..

وأن فلسطين عربية من النهر إلى البحر ..

وأن إسرائيل عدو ..

وأن حماس ليست الشعب الفلسطيني!

وأن المقاومة شرف لا يمكن اختزاله في شعارات جوفاء أو راية يتوشحون بها في ملعب لكرة القدم!

وأن أمن مصر القومي لا يقف عند حدودها، بل يمتد إلى ضفاف الخليج العربي شرقاً، وباب المندب ومنابع النيل جنوباً، وسواحل الأطلسي غرباُ، وتخوم الأاناضول شمالاً !

و أن مصر بدماء ابنائها  وجهود استخباراتها و دبلوماسييها وقوة جيشها، كانت وستظل دوماً هي حجر العثرة أمام طموحات إسرائيل التوسعية وهي النصير القوي و الأمين لحق الشعب الفلسطيني في استعادة أرضه و أمنه و حقه في عيش كريم على تراب مستقل

حفظ الله مصر.


Saturday, March 20, 2021

شريحة اللحم المشوي .. وأشياء أخرى !!

إيهاب الشيمي

منذ كنت طفلاً صغيراً، دائماً ما راودتني تلك الأفكار الغريبة عن حقيقة الأشياء، عن الكون، عن الخالق، عن وجودي ذاته من عدمه .. !

و دائماً ما سألت أصدقائي ..
كيف لك أن تعرف أن عالمي هو عالمك ؟
كيف لك أن تثبت أن ما يحدث لك، يحدث بالفعل ؟
كيف تستطيع أن تثبت أنني موجود بالأساس و أنني أسألك هذا السؤال بالفعل ؟
وحتى ظهور فيلم "المصفوفة" أو "The Matrix" بعد تخرجنا بخمس سنوات كاملة، كان الجواب دائماً، هو: هل أنت مجنون ؟

و كان ردي دائماً، على تساؤلهم حول جنوني من عدمه، هو سؤال آخر..
ما هو اللون الذي تراه هنا ؟
بالطبع سيكون جوابك هو "الأحمر"
و هنا سأصحح لك جوابك
الأحمر هو الاسم الذي تعرف به هذا اللون
و هو الاسم الذي تعرف به هذا اللون منذ أن قالت لك أمك أنه "احمر"
و لكن .. ما الذي يثبت أنني كذلك أراه أحمرا ؟
مجرد تعريفي له أنه "أحمر" لا يعني أنني أراه "الأحمر" الذي تراه أنت.
نعم .. نحن متفقان أن إسم هذا اللون هو "الأحمر" و لكن أليس من المحتمل أنني أراه ما تراه أنت "أزرق" و لكني منذ ولادتي علمني الجميع أن ما أراه "أزرقاً" إسمه "أحمر" ؟

بالطبع .. لن يمكنك أن تنفي أو تثبت ذلك، فعيناي ستظلان عيناي وحدي، و الإشارات العصبية التي تنقل ما تراه عيناي ستظل مشفرة بحيث لا يستطيع فك شفرتها غير مخي أنا فقط، و الكود الذي يحل الشفرة ليجعلني أرى هذا اللون ما تسميه أنت أحمر، و ما أراه أنا أزرقاً، سيظل شيئا لا يمكن الكشف عنه.. !

الشيئ الوحيد الذي نتفق عليه هو تعريفنا لإسم هذا اللون، و ليس كيف يراه كل منا!
إذا اقتنعت بما أقول، فعليك أن تعيد النظر في كل التعريفات ..
فكلها مجرد أسماء لما يصل مخك من نبضات كهربية يحل شفرتها ذلك الكود الخاص بك فقط!

و يبقى السؤال .. هل أنت حقاً تقرأ هذه السطور؟ أم أن أحدهم يضخ بعض النبضات الكهربية داخل دماغك ليوهم عقلك أن هذا البوست موجود بالفعل، بينما ليس هناك ما تظن أنت أن اسمه "مدونة" من الأساس ؟

و السؤال الأهم .. ماذا عن مذاق شريحة اللحم المشوي؟





Saturday, February 27, 2021

شرح البيان .. في دعم بن سلمان


إيهاب الشيمي 

عقب انهيار الإمبراطورية العثمانية في أوائل القرن العشرين أدركت القوى الاستعمارية الكبرى أن الصراع فيما بينها لن يصب سوى في مصلحة  أعدائهم المشتركين، وأن عليهم البحث عن حل المعادلة التي سترسخ سيطرتهم على العالم بصورة عامة، والشرق الأوسط بصفة خاصة، وتضمن  عدم عودة التهديد الإسلامي من جديد، و تؤمن السيطرة على طرق التجارة و موارد الشرق الأوسط اللامحدودة لدعم آلة الحرب العملاقة لهذه الدول، و إمداد اقتصادياتها بما تحتاجه على حساب شعوب المنطقة.

وكان ذلك الحل هو  تخليهم عن أحلام بناء الإمبراطوريات التاريخية التي طالما تناحرت فيما بينها، وتوحدهم جميعاً في كيانات سياسية واقتصادية ضخمة، تتجاوز اختلافاتهم الداخلية و بنيتهم المجتمعية المتناقضة، و لغاتهم المتعددة، و أعراقهم المختلفة، بل وكراهيتهم الثابتة تاريخياً لبعضهم البعض.

ومنذ ذلك الحين استمرت تلك الدول في تنفيذ و دعم آليات تلك الاستراتيجة بدءاً من اتفاقية سايكس بيكو، منذ ما يربو على مائة عام، و مروراً بمعاهدة بازل و نهايةً بما نراه الآن من تغول كيانات ضخمة مثل الاتحاد الأوروبي و حلف النيتو.

و دعني عزيزي القارئ أستبق ذلك السؤال الذي يدور برأسك الآن، وأوافقك أنه لا شك أن جميعنا يعلم ذلك، و أن قادتنا لا يحتاجون دروساً في التاريخ الذي يعلمون خباياه جيداً، و لكن ما يؤرقني هو أننا لم ندرك بعد أن السلاح الوحيد القادر على التصدي لتلك المؤامرة هو نفس السلاح الذي استخدمه الغرب ضدنا.

 نعم .. من حق كل دولة من دولنا أن تسعى منفردةً لتنمية القدرات البشرية و خلق الآليات التي تحسن من إدارة الموارد المتاحة لديها، و أن تعمل بقوة على إصلاح الداخل و ضمان الحريات و إتاحة الفرص للجميع لخدمة الوطن، بل وأن تسعى للدخول في تحالفات تضمن مصالحها الإقليمية والدولية، وإن لم يرق ذلك للبعض!

و لكن علينا أن ندرك كذلك أن من بدأوا بفلسطين، ثم لبنان، ثم العراق، ثم السودان، ثم سوريا، ثم ليبيا، و و مازالوا يحاولون بإصرار ومثابرة في مصر و تونس، سيواصلون مخططهم ليمتد إلى بقية الدول و على رأسها المملكة العربية السعودية وشقيقاتها في الخليج العربي.

علينا أن نرى كيف أن واشنطن في السنوات الأخيرة الماضية ، ومنذ ولاية أوباما الأولى، سعت وبشدة لفصل الرياض عن محيطها العربي و ربطها بتحالفات أوروبية و تركية خاضعة لهيمنتها، و هو ما يمكن قراءته بين سطور تحالف الرياض مع واشنطن في الحرب على داعش في سوريا وإعلان البنتاجون حينها أنه من الأفضل التدخل برياً في تحالف بقيادة السعودية  لإزاحة الأسد عسكرياً بحجة إنقاذ الشعب السوري، في محاولة واضحة لإنهاك القوة السعودية على أكثر من جبهة شمالاً في الشام و جنوباً  في اليمن، في نفس الوقت الذي طلبت فيه تأجيل التوقيع على بروتوكول القوة العربية المشتركة التي كانت ستوفر غطاءاً عربياً قوياً للحرب على الإرهاب في سوريا وليبيا واليمن ومصر!

علينا أن نتيقن أن هؤلاء لا يعجبهم كون السعودية و مصر كفتا ميزان استقرار المنطقة و الضامنتين لبقاء العرب كقوة فاعلة، إحداهما بثقلها الاقتصادي والديني، و الأخرى بثقلها التاريخي والبشري والعسكري، و بالتالي فلا يمكن أن نستبعد فرضية أن أعداء الأمة قرروا أن تكون السعودية هي  الضحية التالية للابتزاز السياسي والإرهاب و الفوضى والمعانة الاقتصادية، لينهار ذلك التوازن الدقيق، ولننسى جميعا ًكل تلك الخرائط التي تحدد ما اعتدنا على تسميته بالوطن العربي!

و قد يظن البعض أنني قد بالغت بعض الشئ هنا، فالسعودية هي الحليف الأهم لواشنطن وأوروبا طوال العقود الماضية ولا يمكن اعتبار هجوم بايدن الحالي على قيادتها، باستغلال قضية مقتل خاشقجي، من أجل تحقيق مصالح آنية للحزب الديمقراطي سبباً للاعتقاد أن هناك مؤامرة كبرى تحاك ضد المملكة والمنطقة بأسرها!

ولكن مبرراتي لذلك الاستنتاج يمكن رؤيتها بوضوح في كل تلك الاتفاقات التي عقدتها أوروبا والولايات المتحدة مع إيران بدايةً من إبرام الاتفاق النووي الذي غض النظر عن استمراها في بناء منظومة صواريخها الباليستية التي يمكنها بها تهديد المنطقة برمتها، وسمح برفع العقوبات الاقتصادية عنها ليمكنها الحصول عى المزيد من الموارد و الأموال اللازمة لدعم عملائها في اليمن و سوريا و لبنان و العراق، بل وتطوير سلاح العمائم الأخطر الذي سيعملون على استخدامه بإفراط في المرحلة القادمة  وهو بث الفتنة الطائفية و تأجيج الصراع الشيعي السني داخل المملكة بل وفي أرجاء الخليج العربي بأكمله!

و لا يمكنني هنا إلا أن أضيف أمراً آخر، قد لا يتفق معي الكثيرون في رؤيته أو إدراك خطورته، وهو منح واشنطن الكثير من المساحة لأنقرة لتدغدغ أحلام استعادة الإمبراطورية حكامها من جديد، وتطلق لهم العنان في سوريا والعراق وليبيا وأرمينيا وشرق المتوسط برمته، ليظل أردوغان في انتظار الفرصة الذهبية  التي يتم من خلالها إضعاف الرياض كممثل للقوى السنية في المنطقة، و إنهاكها إقتصادياً و عسكرياً، ليتمكن حينها من ادعاء أحقية تركيا في تمثيل تلك القوى بدلاً من السعودية، و تحقيق حلمه في اعتلاء كرسي الخلافة العثمانية من جديد على أنقاض الدول العربية، التي يرى أنها مجرد تركة يجب أن يستردها، و هو ما يمكن كذلك استنباطه من تحالف أنقرة مع طهران عسكرياً و اقتصادياً برغم وضوح مشروعها الصفوي للاستيلاء على المنطقة برمتها، وتشكيك كلاً من طهران و أنقرة، على ألسنة مسؤولين بارزين، في أهلية المملكة و قدرتها على احتضان أعظم الشعائر الدينية لدى المسلمين وسعيهما من آن لآخر لطرح مشروع تدويل المقدسات!

و مما يزيل المزيد من حوائط الشك و الريبة أن الولايات المتحدة، تحت إدارة الحزب الديمقراطي، بدأت فعلياً في فك ارتباطها بالسلطة في الرياض واستهداف العائلة الحاكمة قبيل حادثة خاشقجي بأعوام، هو ما أثاره أعضاء بالكونجرس في عام 2016، وفي تزامن مريب مع حملة شبكة سي إن إن الإخبارية المقربة من دوائر الحزب، و التي تدور جميعاً في فلك اتهام العائلة المالكة السعودية رسمياً بالضلوع في هجمات الحادي عشر من سبتمبر بناءاً على معلومات وفرها زكريا موسوي عضو تنظيم القاعدة المقرب من بن لادن و الذي أكد في اعترافاته أن من بين الممولين للمجموعات التي قامت بتدريب الطيارين الذين قاموا بالهجمات في ألمانيا و الولايات المتحدة أمراء سعوديين و ذكر من بينهم تركي الفيصل و بندر بن سلطان !

و بالرغم من تصريح شبكة سي إن إن الإخبارية أنها لا تؤكد صحة هذه المعلومات، إلا أنها قامت بإعادة نشرها في 2016 بعد أن نشرتها للمرة الأولى في فبراير 2015 ، و هو ما تلقفه في تنسيق واضح نواب و أعضاء مجلس شيوخ سابقين لدعم إصدار قانون يتيح مقاضاة السعودية و تجميد أصولها في الولايات المتحدة التي تقترب من تريليون دولار أسوة بما فعلته أمريكا لتدمير الاقتصاد الإيراني طوال السنوات الماضية، و هو ما أراه سيحدث في المستقبل القريب في ظل توجهات إدارة بايدن التي تمثل الولاية الثالثة لباراك أوباما!

و لا أنكر هنا، بالرغم من كل تلك المؤشرات على ضرورة الوحدة و التكامل في وجه تلك المخططات، أن هناك الكثير من نقاط الخلاف التي طفت على السطح بين مصالح كل من الرياض والقاهرة في الكثير من الأمور الشائكة في المنطقة، إلا أنني وفي الوقت ذاته لا أرى في تلك الخلافات تعارضاً مع الأهداف المشتركة العليا للبلدين بقدر ما هو تعارض في أدوات وأسلوب تحقيقها لدى كل طرف!

فبينما رأت الرياض ضرورة رحيل الأسد و دعم المعارضة في سوريا، رأت القاهرة أنه لا بد من عدم الإطاحة بالرجل حتى التوصل لصيغة سياسية تضمن بقاء الدولة ووحدة الأراضي السورية حتى لا تصل لمرحلة السيولة الثورية التي تفقد معها كل مقومات الدولة بمعهناها الحديث، كما حدث في ليبيا، لنسقط في مستنقع "قاعدة" جديدة، و "داعش" أكثر وحشية و نفوذاً،  و هو الخلاف الذي حاول وكلاء الغرب تصويره والترويج له على أنه تأييد مصري للمعسكر الروسي ضد الرياض، و ترجمه آخرون على أنه ارتماء من الرياض في أحضان واشنطن ضد مصالح القاهرة، وانساق خلف كل هؤلاء في سذاجة مفرطة شعوب وإعلام، بل وبعض مسؤولي البلدين ! 

كما أنه لا يمكننا أن نغفل الخلاف الذي ظهر في الحملة العسكرية للتحالف العربي بقيادة السعودية في اليمن نتيجة تحالف الرياض والحكومة الشرعية مع حزب الإصلاح، الذراع السياسي للإخوان المسلمين في اليمن، كخيار عسكري استراتيجي فرضته ظروف الصراع، و هو الأمر الذي تفهمته القاهرة بالطبع، و لكنه أيضاً ما تعاملت معه بالكثير من الحذر والتحفظ لما نعلمه من التوتر الشديد في العلاقة بين جماعة الإخوان و الشعب المصري بأسره، و ما تقوم به الجماعة من حملة شرسة ضد مصر في أروقة الدبلوماسية العالمية بدءاً من الدوحة و مروراً بأنقرة، و وصولاً إلى الكابيتول في واشنطن، ناهيك عن دعمها الأيديولوجي لكل التنظيمات الإرهابية المسلحة التي تعمل ضد الدولة المصرية في سيناء!

خلاصة القول يا سادة .. أننا الآن أمام خيارين لا ثالث لهما ..

إما أن تستغل مصر والسعودية، شعوباً وحكومات وقادة، ذلك القدر المتاح من الاتفاق لدعم بعضهما البعض أمام تلك الهجمة الشرسة لأعدائهما، وأن نتوقف عن التركيز على نقاط الخلاف والتمسك بالنعرات القومية والتاريخية ومشاهدة أحدنا للآخر وهو يقف وحيداً وسط المعركة .. و إما أن نحصر أهدافنا في مصالحنا الفردية الآنية المحدودة لنمنح أعدائنا فرصة اصطيادنا  واحداً تلو الآخر كالشياه المنفردة !

حفظ الله مصر ..

حفظ الله المملكة العربية السعودية.

 

Monday, January 11, 2021

السطور الخفية .. في رواية الديمقراطية !




إيهاب الشيمي

منذ بداية الانتخابات الأمريكية الحالية كثر الحديث عن دوائر النفوذ التي تتحكم في المشهد من خلف الكوليس داخل أروقة السلطة في الولايات المتحدة الأمريكية، ومدى تأثيرها على سير الانتخابات..
 وانخرط الكثيرون في محاولات استقراء تأثير سيطرة الحزبين الجمهوري والديمقراطي على جناحي الكونجرس الأمريكي و مناقشة تأثير ولاءات المسؤولين الأيديولوجية والحزبية على صناعة القرار أو أسلوب تنفيذ القرارات الصادرة من البيت الأبيض بما يخدم هذه الولاءات في المعترك الانتخابي، وبما يمنح المنصات الإعلامية التابعة لكل طرف ما يمكنها أن تستخدمه للعبث بعقل وإدراك المواطن العادي لصالح مموليهم !

ولكن مع ازدياد حرارة المعركة، ومع خروج الرئيس ترامب عن سياق هذا المشهد بظهوره في صورة المتمرد الثائر على آليات عمل الدولة العميقة، بدأت خيوط اللعبة تتضح أكثر فأكثر، وبدأ الهجوم من الجميع، جمهوريين وديمقراطيين، ومن الشركات لمالكة لمنصات التواصل الاجتماعي والشبكات الإخبارية على شخص الرئيس، بل وتقييد حريته التي منحها له الدستور في مخاطبة شعبه ومؤيديه الذي يتجاوز عددهم 70 مليون أمريكي، في أول سابقة من نوعها في تاريخ الولايات المتحدة، في ظل دعم لم يقتصر على أعضاء الحزب الديمقراطي فقط، بل وامتد ليشمل نواباً من الحزب الجمهوري، وحكاماً للولايات، وقضاةً في المحكمة العليا، وكذلك أعضاءً بارزين في إدارته نفسها وعلى رأسهم نائبه مايك بنس!

إن ما حدث خلال الأسابيع الماضية، أكد للجميع أن هناك الكثير من السطور الخفية في رواية الديمقراطية الأمريكية، وأن هؤلاء ليسوا سوى واجهة لمن يسيطر بالفعل على المشهد السياسي والاقتصادي، بل والعسكري في الولايات المتحدة الأمريكية، ومن يدير الأمور لصالحه فقط منذ إعلان الاستقلال في الرابع من يوليو عام 1776 ولكن تحت عباءة الديمقراطية والحقوق الدستورية ودعم الحريات، ليس في الولايات المتحدة فقط، ولكن في العالم أجمع!

ودعني عزيزي القارئ أحاول فك بعض تعقيدات المشهد لنرى معاً ما هو خلف الكواليس ..

لا أعتقد أنك تختلف معي أنه منذ فجر الحضارة فإن "المال" و "الثروة" كانا دائماً هما المحركان الأساسيان لكل الأنشطة الإنسانية، وأن من يمتلك المزيد منهما يمتلك في واقع الأمر القوة والنفوذ وليس رفاهية العيش فقط، وهذا تماماً ما أدركه من يحركون الخيوط هناك في الولايات المتحدة، وما ينفذونه بدقة بالغة واستمرارية حثيثة تثير الدهشة والإعجاب في ذات الوقت.

فعلى مدار القرون الماضية في الولايات المتحدة، نشأت وتطورت واندمجت وتعملقت شركات تمتلك أصول مالية و عينية توازي ما لدى دول بأكملها، و تخصصت كل منها، في اتفاق ضمني غير معلن لتقسيم الكعكة، في مجالات مختلفة شملت صناعة الأسلحة والنفط، والإعلام، والمؤسسات المالية، والتكنولوجية.
وبطبيعة الحال، وبما أن بصمات مؤسسي هذه الكيانات الضخمة كانت واضحة في إنشاء وتطور وتعديل نظام الحكم وكتابة نصوص الدستور ووضع نظام الانتخابات الفريد من نوعه والقائم بالأساس على منح العدد الأكبر من الأصوات للولايات ذات الثروة والقوة الاقتصادية فقط،استطاع هؤلاء تكوين لوبيات تعمل لضمان مصالحهم من خلال السياسيين الذين يتصدرون المشهد بالنيابة عنهم.

فبغض النظر عن كتلة الأصوات والقاعدة الشعبية التي قد تأتي بأحد السياسيين إلى داخل أحد الحزبين المسيطرين على المشهد، أو إلى فوزه بأحد مقاعد مجلسي النواب و الشيوخ أو حتى إلى وصوله إلى المكتب البيضاوي في البيت الأبيض، فإن نجاحه في إدارة حملته الانتخابية يحتاج إلى دعم مالي وإعلامي ضخم يفوق بأشواط قدرته المادية، وهو بالطبع ما يمنحه إياه من يقفون خلف الكوليس من خلال العديد من المانحين والمتبرعين والمجموعات التي يصعب ربطها بهم، بينما يقوم  ذلك السياسي في المقابل بضمان مصالحهم عبر دعم وتمرير القرارات السياسية والاقتصادية والعسكرية اللازمة لازدهار أعمالهم.

وهكذا يمكنك عزيز القارئ أن تدرك أن الساسة والسلطة التشريعية والتنفيذية والنظام القضائي برمته هناك مجرد واجهات لتمرير الخطط الكبرى التي تنفذها الإدارات الأمريكية المتعاقبة للسيطرة على الولايات المتحدة ودول العالم واستغلال واستنزاف ثرواتها الطبيعية والبشرية لصالح تلك الشركات العملاقة.
فالأمر كله لا يرتبط بالوجوه أو الأشخاص أو الأحزاب، بل يتعدى كل ذلك ليقف فقط عند تنفيذ المخطط الموضوع مسبقاً، فالحرية الممنوحة للشعب تقتصر على اختيار الحافلة واختيار السائق واختيار الطريق واختيار مقعدك أيضاً، ولكنها لا تتضمن اختيار الوجهة النهائية التي تم اختيارها للجميع مسبقاً!

وقد يبدو لك الأمر كله هنا مجرد مبالغة ساذجة، أو إغراق في نظرية المؤامرة والمؤامرة المركبة، فكيف يمكن لأي شركة أو مجموعة من الأشخاص التحكم في أكبر دولة في العالم ؟!

ولا ألومك هنا ..

فلكي يمكنك أن تتخيل حجم سيطرة هذه الشركات، لا بد أن تعرف أن هنك ما يقارب 11 مليون شركة في الولايات المتحدة الأمريكية (طبقا لآخر إحصاء في مارس 2020) تضخ ما يزيد على 20 تريليون دولار في الناتج القومي الأمريكي، ولكن ما يجب أن تعرفه أيضاً أن 1000 شركة فقط من هذه الشركات مسؤولة عن 12 تريليون دولار أمريكي أي ما يوازي 60% من الناتج القومي الأمريكي، أو ما يساوي 15% من اجمالي الناتج القومي لكل دول العالم مجتمعة والبالغ 80 تريليون دولار!

الشيئ المميز هنا هو ذلك التوافق والتناغم الشديد بين تلك الشركات بحيث لا تتصادم أو تتعدى مناطق نفوذها للتعدي على بعضها البعض، بل العكس تماماً هو ما يحدث بقيامها بتشكيل جماعات تمارس مختلف وسائل الضغط للتأثير على القرار الحكومي والتشريعي كي يتوافق مع أهدافها ومصالحها  في الداخل والخارج ، بما جعل بعض هذه الشركات مرتبطة بالتأثير على معايير و سياسات الأمن القومي للولايات المتحدة بل والتدخلات العسكرية التي قامت بها في جميع أنحاء العالم طوال عقود!

وما يثير الإعجاب أيضاً في أسلوب جماعات الضغط والمصالح في الولايات المتحدة هو سعيها الحثيث لجعل كل ما تقوم به وما تهدف إليه مدعوماً بظهير علمي من خلال إنشائها وتمويلها لمراكز الدراسات الاستراتيجية وتوظيف نخب العاملين الحاليين والسابقين في وزارات الدفاع والخارجية ووكالات الاستخبارات والأمن القومي بها للتسويق للقرارات المطلوبة في إطار أكاديمي، وتقديم الخدمات الاستشارية في مجال السياسة الخارجية، أو بالظهور في وسائل الإعلام المختلفة للتأثير على توجهات ومزاج المواطن العادي وجعله أكثر قابلية للموافقة على القرارات المطلوبة.

 ولكي أعطيك لمحة سريعة عن مجال واحد من هذه المجالات التي تسيطر عليها تلك الشركات، وهو مجال صناعة السلاح، عليك أن تعرف أن العقود "المعلنة" لوزارة الدفاع الأمريكية لسنة 2019 فقط بلغت 400 مليار دولار ذهبت لعشر شركات فقط هي لوكهيد مارتن، بوينج، جينرال دايناميكس، رايثيون، نورثروب، يوناينتد تكنولوجيز، هنتنجتون الصناعية، هومانا، هاريس، و بي إيه إي سيستمز. وهذا بالطبع لا يتضمن عقود هذه الشركات مع دول العالم.
 ( ملاحظة : إجمالي الناتج القومي المصري يبلغ 300 مليار دولار فقط في عام 2019 مقارنة بما يساوي 250 مليار دولار في 2018)

ويمكنك الآن أيضاً عزيزي القارئ أن تفهم لماذا لم يتم اتخاذ إجراءات "مناسبة" في أعقاب الأزمة المالية في عام 2008 حيث كان متوقعاً من البيت الأبيض والكونجرس أن تتخذ إجراءات تشريعية سريعة تجبر الشركات الكبرى على التقيد بمعايير محاسبية أكثر صرامة ودقة  تدافع عن مصالح المساهمين والمودعين والموظفين والعملاء والملايين من العمال والطبقة الوسطى، وهو ما لم يحدث! تماماً كما لم يتم تمرير تشريع الضرائب التصاعدية على الشركات الكبرى، بل على العكس، حصلت بعضها على إعفاءات ضريبية تحت مبررات عديدة !

ويمكنك أيضا تفهم تعاون تلك الشركات مع وكالة المخابرات المركزية والحكومة الأمريكية ليمكنها العمل، تعاوناً أو احتلالاً أو تنفيذاً لقرارات وعقوبات دولية، في دول معينة مثل الدول النفطية حيث تقوم بتنفيذ وتشغيل مشاريع ضخمة في البنية التحتية في تلك الدول مقابل إستمرار تدفق النفط بأسعار متفق عليها، واستعمال تلك الدول لفائض الإيرادات النفطية في شراء سندات الخزانة الأمريكية في نهاية المطاف!

خلاصة الأمر ..

ليس عليك أن تقف مذهولاً من جرأة شركات مثل تويتر وفيسبوك وآبل وجوجل لتقوم بالحجر على حق رئيس اقوى دولة في العالم في مخاطبة شعبه ..

 أو تحريض زعيمة الأغلبية الديمقراطية في أكبر صرح دستوري وتشريعي و ديمقراطي في العالم للقادة العسكريين على التمرد و عدم تنفيذ أوامر القائد الأعلى للقوات المسلحة ..

أو من انقلاب نائب الرئيس عليه في أحلك الظروف التي كان يجب أن يقف بجانبه فيها أخلاقياً وسياسياً ..

عليك فقط أن تدرك أن الآباء المؤسسين لجمهورية الولايات المتحدة الأمريكية لم يؤسسوها من أجل حماية الحريات وحقوق الإنسان وبناء جنة للديمقراطية هناك في العالم الجديد، بل أسسوها من أجل تحقيق أهدافهم وحماية مصالح حلفائهم من الجماعات والأسر الثرية التي خرجت من أوروبا للسيطرة على العالم بأسره وليس ذلك الذي اكتشفه كولومبوس وأمريكو فيسبوتشي فقط!