Sunday, May 16, 2021

مصر و فلسطين .. بين إعلامنا وأكاذيب التخوين !


بقلم: إيهاب الشيمي

اقتحام مستوطنين لأحياء عربية في القدس ..

اشتباكات ومقتل جنود إسرائيليين في عمليات طعن متفرقة ..

إسرائيل تغلق الأقصى والبلدة القديمة في وجه المصلين ..

الغضب يجتاح الأراضي المحتلة واستهشاد و جرح العشرات في مواجهات مع قوات الاحتلال ..

حماس تقصف جنوب إسرائيل بالصواريخ ..

إسرائيل تبدأ قصفاً جوياً لغزة مساء اليوم رداً على الهجمات الصاروخية ..

الجيش الإسرائيلي يستعد لشن حملة عسكرية برية في القطاع لتحييد خطر الصواريخ ..

استهداف قياديين لحماس و عائلاتهم في غزة ..

تدمير مئات الأهداف المنازل و عشرات المدارس و المستشفيات و تضرر محطات الكهرباء ..

استشهاد المئات وإصابة الألاف من المدنيين الفلسطينيين إثر القصف الجوي والبحري الإسرائيلي ..

كتائب القسام تتوعد الحكومة الإسرائيلية برد قاس في العمق الإسرائيلي ..

سرايا القدس تهدد الجيش الاسرائيلي بمفاجآت حال قرر قادته دخول قواته براً إلى القطاع ..

البيت الأبيض يعلن دعمه لحق إسرائيل في الدفاع عن النفس ..

اجتماع مجلس الجامعة العربية لوقف العدوان ومناشدة المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته ..

...

عفواً عزيزي القارئ، قد تعتقد أن ما سبق هو استعراض لما يحدث الآن في الأراضي المحتلة، ولكن ما سيفاجئك هو أنه يمكنك ببساطة، وبعشوائية إن شئت، اختيار ما تراه مناسباً كأعوام تؤرخ  للعناوين السابقة، و سيمكنك ببساطة أكثر إيلاماً استدعاء مشاعر الغضب و الحزن و الأسى التي عايشتها خلال كل هذه الأحداث وكل تلك التواريخ التي تداعت إلى ذهنك،  رغم مرور سنوات على حدوثها.

لكنك حتماً ستواجه فشلاً ذريعاً حين يكون مرادك تذكر أسباب التصعيد في كل منها، أو مواقف الأطراف المتصارعة قبله  وبعده، أو الأسباب التي أدت لتوقف التصعيد والصدام بين الأطراف كافة وما استتبع ذلك من حجم المكاسب التي خرج بها كل طرف.

عذراً، لن أتحدث عن الخسائر، فالخاسر الوحيد في نظري دائماً هو كل تلك الامهات الثكالى، والاطفال المشردون، والآباء المكلومون على مواراة أبنائهم وأحفادهم التراب بينما ظنوا دوماً انهم هم من سيوارون أجسادهم الثرى!

ولست أتهمك عزيزي القارئ هنا بضعف الذاكرة، أو سطحية التفكير، أو فقدك للاهتمام بالأحداث، فلو أن هذا ما يميزك لما كنت تقرأ هذه السطور من الاساس، و لكن ما أنا بصدده هنا هو بيان الحقيقة المؤلمة في أن فشلك في تذكر أسباب التصعيد وأطرافه ومكاسبهم ليس إلا نتيجة لفشل الإعلام المصري على كافة الأصعدة في أن يمنحك صورة كاملة عن الحدث، و تحليلاً أعمق لجذوره و تفرعاته، وأن يعطي لك بالتالي كمصري فرصة أفضل لتفهم موقف حكومتك الرسمي، والوعي بالدور المحوري لمصر في دعم حق الشعب الفلسطيني في العيش حراً كريماً في دولة ذات سيادة و حدود معترف بها، والأهم من ذلك كله، وهو تبصيرك بالحجج و البراهين التي تساندك حين يتعلق الأمر بالرد على ادعاءات المغرضين الذين لا هم لهم سوى تقزيم الدور المصري، أو تشويهه، أو تخوينه لخدمة أجندات داخلية و خارجية.

ولا أنكر هنا بأي حال تطور أدوات ذلك الإعلام، بدءاً  بالصحافة المقروءة، ومروراً بالقنوات الفضائية، وانتهاءاً بالمواقع الإليكترونية، و لكن ذلك التطور في الأدوات لم يواكبه أي تطور يذكر في أسلوب التناول والعرض والتحليل السياسي والاستراتيجي القائم على أسس مهنية وعلمية، فلم يجد المتابع نفسه إلا فريسة سهلة لمن يتقنون فعل ذلك لتحقيق أغراضهم، لنجد أنفسنا في النهاية و قد تعادلت كفة عشرات الآلاف ممن يشغلون طوابق ماسبيرو ووكالة أنباء الشرق الأوسط والصحف القومية والفضائيات، مع قلم رجل واحد مثل عبد الباري عطوان في صحيفة القدس العربي التي تصدر في لندن، أو بضع شعارات جوفاء على حساب اللاعب محمد أبو تريكة الذي يغرد من الدوحة ويتابعه الملايين من الشباب المصري والعربي، والعديد من أقرانه ممن نجحت جهود استغلال إنجازاتهم الرياضية والفنية بالتنسيق مع قنوات الجزيرة ومواقع الإخوان المسلمين الظاهرة والخفية، المدعومة والممولة من طهران وأنقرة في لي الحقائق و إظهار تركيا وقطر في صورة المساندين للحق الفلسطيني، و حصر المقاومة الوطنية في حماس، وحصر فلسطين في غزة، بينما رسموا صورة مشوهة لمصر تتحالف فيها مع الكيان الصهيوني تصفيةً لحسابات تتعلق بالأمن القومي.

إذا كنت تعتقد اني من المتحاملين على الإعلام المصري، فكيف لك أن تفسر عدم استطاعة وسائل الإعلام المصرية الكشف عن حجم العلاقات الوثيقة بين أنقرة والدوحة وتل أبيب على جميع الأصعدة خلال العقدين الماضيين للملايين من الشباب غير المسيس؟!

و كيف لك أن تفسر لماذا لم يتطرق بشكل موضوعي ومؤثر إلى حجم التعاون الاقتصادي والسياسي والعسكري بينهم والذي لم يتوقف حتى بعد عمليات الرصاص المصبوب ضد غزة في 2008 أو الجرف الصامد في 2014؟! بل وكيف زاد حجم التبادل التجاري بين أنقرة وتل أبيب في العام الماضي رغم أزمة كورونا ورغم تهديدات أردوغان بالانتقام رداً على إعلان ضم القدس وأجزاء من الضفة؟!

 و السؤال الأهم هنا، هو كيف لم يتطرق أحد من هذه الوسائل لتفسير اشتراط  حماس لفتح معبر واحد مثل "رفح" و هو الأقل منفعة للفلسطينيين في غزة للقبول بوقف إطلاق النار في 2012 و 2014، بينما تجاهلت ستة معابر أخرى مع إسرائيل يتحرك من خلالها معظم سكان غزة للعمل و الدراسة و التجارة داخل إسرائيل، حتى يظهر للعالم أن مصر هي من تحاصر القطاع و ليس إسرائيل!

كيف لم يتحدث أحد ممن يملأون الشاشات ليلاً و نهاراً عن أن المبادرة المصرية أثناء اجتياح غزة في 2014 كانت تتضمن فتح المعابر الإسرائيلية مع القطاع وإنهاء الحصار الإسرائيلي المفروض عليه منذ انقلاب حماس على السلطة الفلسطينينة في 2007، و أن الجهود الاستخباراتية و الدبلوماسية المصرية نجحت في إقناع إسرائيل بإعلان قبول ذلك ووقف إطلاق النار، وكيف أن الجهود الاستخباراتية المصرية هي ما منعت اجتياح الجيش الإسرائيلي لقطاع غزة خلال الأسبوع الماضي في عملية كان سيسقط فيها الآلاف من الضحايا الأبرياء من الشعب الفلسطيني الأسير في غزة الذي تسيطر عليه وترهبه ميليشيات حماس الإرهابية منذ 14 عاماً ؟!

كيف لم ينجح أي من هؤلاء الإعلاميين في بيان كيفية متاجرة قادة حماس بدماء وأرواح ومستقبل الفلسطينيين برفضهم، خلال الأيام الماضية، لمباردرات وقف إطلاق النار وادعاء وقوفهم في وجه العدوان واستعدادهم للتضحية بكل غالٍ ورخيص من أجل الأقصى، بينما هم غير متواجدين من الأساس في غزة مع من يواجهون الموت كل ليلة، بل هناك برفقة إسماعيل هنية في زيارة إلى الدوحة تلقى خلالها دعماً من امير قطر بقيمة 300 مليون دولار بحضور ممثلين من إيران و تركيا ؟!

كيف لم يطرح ذلك الإعلام سؤالاً بسيطاً، وهو إذا كان كل ذلك الغضب من أجل الأقصى، كما تدعي قيادات حماس، فلماذا لم تنطلق كل تلك الصواريخ حينما أعلن ترامب ونتنياهو ضم أجزاء من الضفة الغربية وإعلان القدس عاصمة لإسرائيل العام الماضي ؟! و كيف لم يكشفوا أن أن الأمر كله مرتبط بتعزيز صورة حماس ضد فتح قبيل الانتخابات المزمعة رغم تأجيلها، و كيف أن هذا التوقيت بالذات مرتبط باجتماعات الاتفاق النووي الإيراني و إيصال رسالة من طهران، عبر حماس، إلى تل أبيب أن الحرس الثوري يمكنه إيذاء العمق الإسرائيلي عبر وكلائه إذا أصرت إسرائيل على موقفها من رفض الاتفاق وتخريب البرنامج النووي الإيراني ؟!

كيف لم يخرج أحد في هذا الإعلام ليشرح للجميع كيف أنقذت حماس وقيادتها المجتمع الإسرائيلي من الانقسام كلما زادت حدته لتوحد ذلك المجتمع ضد عدو واحد ولتنقذ نتنياهو وتمنحه رئاسة الوزراء على طبق من ذهب وهو ما حدث في 2008 و في 2014 و يحدث الآن في 2021، وكيف حولت الانتباه عمداً عما هو أهم في العراق لصاح الولايات المتحدة وإيران، لتلعب حماس دور حصان طروادة الذي نجح أعداء الأمة في إدخاله عبر أسوار المقاومة العربية ليهدمها من الداخل تحت عباءة الدين وعمامة التقوى؟!

يمكنك متابعة المزيد من التفاصيل حول هذا الموضوع في مقالي هنا:

فلسطين و العراق .. المؤامرة و إشارات التاريخ !

http://ehabelsheemy.blogspot.com/2014/11/blog-post_7.html

عذراً أيها القارئ، فلقد فشل الإعلام المصري، كعادته، في بيان أسباب التصعيد، و حجم المصالح المتعلقة به لدى كل طرف، والمواقف الحقيقية للدول المعنية سواء على الارض بكل ما تحمله من دماء و آلام و دمار، أو في ردهات الدبلوماسية الاقليمية و العالمية الأنيقة بكل ما تحويه من اتفاقات سرية و حسابات استراتيجية، أو في أسواق السلاح و النفط الدولية التي لا يعنيها من كمية الدماء المسالة إلا قدر ما ستؤمنه من صفقات جديدة لترويج منتجاتها بسعر أفضل في ظل طلب أكثر إلحاحاً من الجميع.

بقي لي فقط في النهاية أن أطلب منكم أن تلعبوا أنتم دور الإعلام الغائب مع أبنائكم كي لا يفقدوا الهوية وكي يتحسسوا طريقهم لإدراك حقيقة ما يحدث حتى وإن حاول الآخرون تغيير اتجاه بوصلة الحقيقة !

علموا أولادكم أن الأقصى أسير ..

وأن فلسطين عربية من النهر إلى البحر ..

وأن إسرائيل عدو ..

وأن حماس ليست الشعب الفلسطيني!

وأن المقاومة شرف لا يمكن اختزاله في شعارات جوفاء أو راية يتوشحون بها في ملعب لكرة القدم!

وأن أمن مصر القومي لا يقف عند حدودها، بل يمتد إلى ضفاف الخليج العربي شرقاً، وباب المندب ومنابع النيل جنوباً، وسواحل الأطلسي غرباُ، وتخوم الأاناضول شمالاً !

و أن مصر بدماء ابنائها  وجهود استخباراتها و دبلوماسييها وقوة جيشها، كانت وستظل دوماً هي حجر العثرة أمام طموحات إسرائيل التوسعية وهي النصير القوي و الأمين لحق الشعب الفلسطيني في استعادة أرضه و أمنه و حقه في عيش كريم على تراب مستقل

حفظ الله مصر.