Wednesday, October 9, 2019

سوريا .. صراع الخيارات المؤسفة !!




إيهاب الشيمي

"خيانة .. خيانة" هكذا صرخ الجنود في فيلم الناصر صلاح الدين حين اكتشفوا تواطؤ والي عكا مع الصليبيين.

و هذا المشهد الذي ترسخ في ذاكرة المصريين و الكثير من العرب الذين يعشقون هذا الفيلم، لا يؤكد سوى على شيئين: 

أولهما .. أن الأكراد دائما ما كانوا هدفاً للخيانة و الغدر سواء على أرض الواقع كما يحدث في سوريا الآن، أو على شاشات السينما كما حدث مع "السلطان الناصر صلاح الدين" الكردي الأصل أيضاً..

و ثانيهما .. و هو أن ليس كل ما نسمعه أو نراه هو الحقيقة، فكما تم تشويه والي عكا و وصمه بالخيانة و التحالف مع الأعداء في الفيلم، إلا أن الحقيقة تقول أن الرجل و هو الأمير "بهاء الدين قراقوش" كان أعظم من دافع عن المدينة و الذراع اليمنى لصلاح الدين في هذه الحرب، و هذا تماما ما يمكن إسقاطه الآن على أرض الواقع فيما يحدث في الحرب على تنظيم "داعش" حيث يدعي الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان"أنه أحد أعضاء التحالف الدولي ضد التنظيم، بينما يقدم من خلف الستار كل دعم ممكن لضمان عدم هزيمته.

و لكي تفهم لماذا يفعل "أردوغان" ذلك، عليك أن تعلم عزيز القارئ أن تعداد القومية الكردية في العالم يتجاوز الآن 25 مليون كردي، يتوزعون بشكل رئيسي بين سوريا التي يبلغ تعدادهم فيها حوالي مليوني شخص، و العراق و إيران اللتان تحتضنان حوالي أربعة ملايين كردي في كل منهما، بينما يتركز معظمهم في جنوب شرق تركيا بعدد يصل إلى خمسة عشر مليون شخص يشكلون 20% من تعداد سكان تركيا و 60% من مجموع الأكراد في العالم.

و في أعقاب الحرب العالمية الأولى و سقوط الخلافة العثمانية انتهج مؤسس تركيا الحديثة "أتاتورك" سياسة طمس و محو هويات الأقليات العرقية و القوميات المختلفة في تركيا لصالح اللغة و الثقافة التركية، و تم في إطار ذلك منع الأكراد من التحدث بلغتهم أو كتابتها في المحافل الرسمية و على جميع الأصعدة السياسية و الثقافية و التعليمية، و امتد ذلك ليشمل حظر تشكيلهم للجماعات و الأحزاب، بل و تجريم التحدث بالكردية حتى عام 1991.

و كحال كل الشعوب و الأقليات التي تتعرض لمثل هذا الظلم قرر الأكراد مقاومة الحكومة المركزية، و كانت أبرز محطات هذا الصراع هو انتفاضة عام 1925 بقيادة الزعيم الكردي سعيد بيران و التي انتهت بإعدامه و البدء في حملة تطهير عرقي ضد الأكراد و العرب و الشراكسة قتل خلالها ما يقرب من مليون و نصف المليون شخص، و تم بعدها حظر وصف "الأكراد" و استبدال ذلك بمصطلح "شعب شرق الأناضول"، بينما كانت المحطة الأبرز في مواجهات الطرفين هو ما يحدث منذ إنشاء "حزب العمال الكردستاني" في عام 1978، و هي حركة تحررية مسلحة أنشأها الزعيم الكردي "عبد الله أوجلان" و تدعو لقيام وطن قومي للأكراد، و قامت بإدارة صراع مسلح مع الجيش التركي أسفر عن حرب إبادة ضد الأكراد و تدمير آلاف القرى الكردية و تشريد ما يقارب النصف مليون شخص، وبالرغم من اعتقال "اوجلان" في عام 1995 في عملية مشتركة بين المخابرات التركية و الأمريكية و الموساد الإسرائيلي في كينيا، و إعلان الرجل وقف إطلاق النار من جانب الحزب في عام 2006 لبدء محادثات سلام مع أنقرة، إلا أن التنظيم مازال يتمتع بالكثير من القوة، و ما زال يحتفظ بالكثير من القواعد في جنوب تركيا و شمال العراق.

و في مقابل هذه الخلفية التاريخية للصراع الكردي التركي، علينا ألا نغفل عن حلم تنظيم "الإخوان المسلمين" في إقامة دولة الخلافة الإسلامية من جديد، و التي يرى"اردوغان" بشكل خاص أنها يجب أن تكون بقيادته هو، و بالشكل العثماني الذي اتخذته الخلافة الإسلامية لأكثر من خمسة قرون قبل سقوطها في بدايات القرن الماضي.

و في ظل هذه المعطيات، يمكنك عزيز القارئ أن تتبين بعض ملامح الصورة، و أن تبدا في بلورة الأمور التي بدت متشابكة و غير مفهومة للكثيرين، فعلى "أردوغان" في سبيل تحقيق حلم الخلافة أن يقوم بإسقاط الأنظمة القائمة في البلاد المحيطة و التي تقف عائقاً أمام تحقيق ذلك الحلم، و عليه أن يبدأ بنظام الأسد في دمشق الذي يشكل هدفاً سهلاً و منطقياً في الوقت ذاته، فإسقاطه سيكون بداعي حماية المدنيين السوريين من بطش قوات النظام، كما أن إزاحته ستكون على هوى العديد من الدول الخليجية التي ترى في تحالف الأسد مع إيران الشيعية خطراً داهماً على وجودها، خاصة مع تدخل إيران في لبنان و العراق و أخيراً في اليمن.

و في سبيل تحقيق ذلك يجب على "اردوغان" أن يدعم تنظيم "داعش" و "جبهة النصرة" في سوريا لسببين، الأول هو أنهما سيكونان بمثابة رأس حربة ضد نظام الأسد في معركة إسقاطه، و الثاني هو أنهما سيضمنان عدم استيلاء معارضة ليبرالية سورية معتدلة على الحكم حال سقوط نظام الأسد، و سيعملان بشكل أو بآخر على تولية نظام تهيمن عليه جماعات الإسلام السياسي التي تتحالف مع "أردوغان"، و على رأسها جماعة "الإخوان المسلمين" بدعم من الميليشيات المسلحة المتحالفة معها، مثل الجيش الوطني الحر و أحرار الشام و النصرة نفسها، و من وراء هؤلاء جميعاً أموال قطر و دعم تركيا اللوجيستي و السياسي و العسكري، و هو ما ستراقبه الولايات المتحدة برضا و موافقة ضمنية، و إن أعلنت عكس ذلك، لما سيحققه على المدى الطويل من تفتيت للمنطقة و تحويلها لدويلات أو ولايات يسهل السيطرة عليها، و لو اضطرت في سبيل ذلك لاستغلال حلم "أردوغان" و لو بشكل مؤقت.

و في هذا الإطار وفر أردوغان ملاذاً آمنا لقادة "داعش" و "النصرة" على الأراضي التركية، بل و ساهم بشكل كبير في علاج مصابي التنظيمين في المشافي التركية و هو ما أكدته تقارير و استجوابات المعارضة داخل البرلمان التركي نفسه قبل تنصيب "أردوغان" رئيساً للبلاد. إلا ان "اردوغان" في الوقت نفسه وجد أن عليه أن يواجه معضلة أخرى ستعمل على خلط الأوراق في مخططه بل و ربما انهياره بالكامل، و هي ضرورة الإذعان لمطالب الدول الغربية، و على رأسها الولايات المتحدة، و الاشتراك في تمثيلية تحجيم قوة "داعش" الذي خرج فيما يبدو عن السياق المحدد له سلفاً في كل من العراق و سوريا، و أثار مخاوف الدول الخليجية من تنامي خطر التنظيم على حدودها بما يفوق في تقديراتها خطر التمدد الشيعي المتمثل في نظام الأسد المتحالف مع إيران.

و هنا تكمن مصيبة "اردوغان" الكبرى، فلكي يستجيب لتلك الضغوط  الأمريكية، و مخاوف الخليجيين، كان عليه منذ خمس سنوات تقريباً أن يقوم بدعم أعداءه التاريخيين من الأكراد في الشمال السوري و في بلدة "كوباني" تحديداً التي لجأ إليها مئات الآلاف من النازحين السوريين ذوي الأصول الكردية، و هو ما يعني في حال انتصار الأكراد، تنامي الروح القومية لديهم، و عودة تهديدهم للأمن القومي التركي، بل و إمكانية مطالبتهم من جديد بإنشاء وطن قومي لهم يضم شمال سوريا و جنوب تركيا و دولة الحكم الذاتي في شمال العراق. و هنا لم يتردد "أردوغان" لحظة واحدة في تنفيذ حيلته و خيانة الأكراد من جديد بإعلانه الاشتراك في التحالف، بينما يقوم من خلف الستار بتسهيل عبور مقاتلي "داعش" من تركيا إلى سوريا، بل و منحهم معلومات استخبارية عن خطط التحالف و مواقع الأكراد، ناهيك عن منعه الأكراد الأتراك من عبور الحدود إلى "كوباني" لمناصرة إخوتهم و منع مذبحة مروعة ضدهم.

و رداً على كل ذلك العبث "الأردوغاني" انتفض ملايين الأكراد الأتراك ضد سياسته التي ترسخ لحقيقة عداء الدولة التركية للاقلية الكردية، و اندلعت مظاهرات عنيفة سقط فيها عشرات القتلى من الأكراد في عام 2014، في مشهد أعاد للأذهان حقبة التسعينات التي شهدت أعنف التوترات العرقية و أوامر حظر التجوال و انتشار الجيش في المدن التركية، و هو  ما أضطر "اردوغان" لنشر اكاذيبه من جديد أن ما يحدث هو ثورة كردية جديدة، و أمر قواته الجوية و مدفعيته بقصف و مهاجمة مواقع لحزب العمال الكردستاني في جنوب البلاد بدلاً من ان يوجه نيرانه نحو "داعش".

و في هذا الإطار يمكنك أن تتفهم لم كان الدبلوماسيين الاتراك المختطفين في الموصل هم الوحيدون الذين نجوا من مسلسل الذبح الذي تمارسه "داعش" ضد الجميع بعد استيلائها على المدينة ..
 و أن تتفهم لم أطلقت تركيا سراح أكثر من خمسين قياديا في التنظيم في استجابة غير مسبوقة لمطالب جهة إرهابية ..
و أن تتفهم كذلك لماذا كانت الشركات التركية تشتري البترول الذي استولت عليه "داعش" من الحقول السورية، و لماذا تسمح الحكومة التركية بمروره عبر الحدود التركية إلى موانيها و منه إلى الولايات المتحدة في دعم صريح لاقتصاد التنظيم و موارده! ..
و لم أعلنت الولايات المتحدة النصر على داعش في سوريا بينما لازال التنظيم ينتشر بفاعلية هناك بل و في العراق حتى اللآن ! ..
و لم رفضت أوروبا و أمريكا استلام أسراها من الدواعش و تركهم ليتحمل الأكراد مسؤولية احتجاز ما يزيد على خمسة آلاف منهم ! ..
و لم انسحبت الولايات المتحدة من شمال سوريا فجأة تاركة حلفائها الأكراد في مواجهة جحافل الجيش التركي بحجة أن كل ذلك ما هو إلا حرب عبثية لا هلاقة للولايات المحدة بها
و كيف سيعود داعش للنهوض من جديد بعد أن يتجرر كل هؤلاء الأسرى ضمن فوضى الحرب بين الجيش التركي و الجيش السوري الحر و النصرة من جهة و الأكراد من جهة أخرى ..

المؤسف أن الجميع يحاول إيهامك ان خياراتك محصورة في الآتي:
  
الوقوف في صف أردوغان و حلمه بعودة الخلافة الإسلامية المزعومة بكل ما يعنيه ذلك من انتهاك للأرض و السيادة العربية بمساعدة داعش و النصرة وجماعة الإخوان المسلمين والطغمة الحاكمة في الدوحة ..

أو تأييد الأكراد و دعمهم ليتمكنوا من وقف الزحف التركي و الحيلولة دون عودة داعش للمشهد من جديد، مقابل إمكانية سعيهم لإقامة وطن قومي لهم في الشمال السوري و شرق الأناضول و شمال العراق في حال نجاهم و افسادهم لخطط أردوغان، على أمل ألا تعيد الولايات المتحدة خيانتها لهم كما فعلت بأبناء عمومتهم في شمال العراق ..

أو الحفاظ على وحدة الأراضي و كيان الدولة السورية و الأمن القومي العربي في مواجهة خطط الولايات المتحدة و إسرائيل لتفتيت المنطقة، من خلال دعم نظام الأسد رغم كل ما يمثله من بطش و ديكتاتورية شرعنت الثورة ضده، و رغم تحالفه المعلن و الثابت مع عمائم طهران الذين لا يألون جهداً في تهديد الأمن القومي العربي في العراق و سوريا و لبنان و اليمن و الخليج العربي برمته، و برغم توقيعه في السابق على اتفاقية أضنة عام 1998 التي منح بموجبها لتركيا حق ضم لواء الاسكندرونة الذي استولت عليه في ثلاثبنيات القرن الماضي، و ما واكب ذلك من منحه الاتراك حق التوغل داخل سوريا لتحييد خطر حزب العمال الكردستاني في سابقة خطيرة هدفها الحفاظ على وجوده فقط !

أو الخيار الأكثر هدوءاً و سهولة، بالابتعاد عن كل ذلك الصخب و كل تلك الفوضى و الاكتفاء بمتابعة أخبار الرياضة و الفن و أحدث صيحات الموضة و آخر ابتكارات تكنولوجيا الاتصالات و الانتظار في قناعة تامة بحتمية مصيرنا المشؤوم حتى يحل علينا الدور  بعد أن تنهار سوريا و ليبيا و العراق و لبنان، و ينهك اقتصاد السعودية و الإمارات و تتحول اليمن لبؤرة للإرهاب، لنجد أنفسنا في النهاية أمام خيارين، إما القبول بتقسيمنا و فرض الوصاية علينا أوالقتال من أجل البقاء و لكن وحدنا ضد كل هؤلاء هذه المرة .. الولايات المتحدة و تركيا و إيران و الإخوان المسلمين و داعش و كل من يمكن شراءه مقابل المال و السلطة من خونة الداخل، وما أكثرهم!

نعم .. قد لا تعجبك كل هذه الخيارات، و لكن البديل الوحيد لها هو أن نستفيق جميعاً من ذلك السبات العميق الذي فرضته علينا الأنظمة العربية الحاكمة والقوى الاستعمارية على حد سواء  ولعقود طويلة، لندرك حجم المخطط الذي تحاك خيوطه لكل دول المنطقة، و أن نعي أنه لو لم نقف صفاً واحداً مع أنفسنا كمصريين شعباً و جيشاً و حكومةً، و مع إخوتنا كعرب في سوريا و العراق و ليبيا و اليمن و لبنان و الخليج في وجه كل تلك التحديات فلن نجني إلا الفشل، و لن نجد حينها "صلاح الدين" ليعيد الأمور إلى نصابها من جديد!

حفظ الله مصر ..
حفظ الله سوريا ..
حفظ الله امتنا العربية!

Friday, October 4, 2019

جيشي الذي أعرفه.. !



إيهاب الشيمي

كلما أطلت علينا ذكرى أكتوبر المجيدة أقوم بتغيير صورة الغلاف و صورتي الشخصية على حساب الفيسبوك لتعبر عن ذلك النصر العظيم.
و كلما فعلت ذلك كانت تواجهني الانتقادات من أطراف عدة:
فقبل الثورة - و أعني بها هنا يناير و ليس غيرها - كان يهاجمني رفاقي الناصريين و القوميين الذين يرون في ذلك النصر بداية ﻷن ترتمي مصر في أحضان الرأسمالية الغربية و التفريط في حقوق مصر السيادية في سيناء بل و التخلي عن انتماءنا العربي و القومي باستكمال التحرير عن طريق اتفاقية منتجع الحاج ديفيد.

بعد الثورة .. و تحديدا في اكتوبر 2011 هاجمني رفاقي الثوار، فذاك هو الجيش الذي أفرج عن حسن مالك و خيرت الشاطر في أعقاب الثورة وترك رفاقنا ليلقوا حتفهم في ماسبيرو، و تحالف مع القوى الإسلامية فسمح لها بإجهاض الثورة و الاستيلاء على مجلس الشعب و فتح لهم الطريق للاستيلاء أيضاً على رئاسة الجمهورية من خلال تنظيم انتخابات يعلم جيدا أنهم الفصيل الوحيد المنظم الذي يستطيع الفوز بها! 

بعد انتخاب مرسي .. هاجمني أصدقائي من فلول مبارك ممن صدمهم إذعان الجيش لضغوط القوى اﻹسلامية للحد الذي دفعه لتسليم البلاد برمتها للإخوان المسلمين، و هاجمني أيضا أصدقائي من الثوار المستقلين الذين رأوا أن الجيش في حقبة مرسي هو مجرد استمرار لمجلس طنطاوي بل و ذهب ببعضهم الحال الى اتهام السيسي بأنه عميل اﻹخوان في الجيش.

و بعد سقوط مرسي هاجمني الجميع، فاﻹخوان يرون أنه جيش خائن أسقط الرئيس الشرعي و حنث بالقسم، و الثوار يرونه يسعى جاهدا ﻹعادة دولة مبارك، و الحقوقيين يرون أنه جيش قتل معتصمي رابعة العزل بدم بارد، و يقتل مؤيدي مرسي ممن يجوبون الشوارع في مسيرات خفية لا يستطيع أن يراها إلا مشاهدي الجزيرة.

و الآن يهاجمني كل هؤلاء مجتمعين، فهم يزعمون أن الجيش يحاول بكل ما يستطيع أن يسيطر على مقاليد الأمور بأكملها، اقتصادياً و سياسياً، و عسكرياً، بل و حتى ثقافياً و فنياً، و أن مصر تحولت لدولة يحكمها الجنرالات !

لكل هؤلاء أقول:
من حقكم أن تعتقدوا ما تريدون، و لكن الجيش المصري بالنسبة لي سيظل دائماً هو ذلك الشاب المصري الذي تخضبت ملابسه بدماء أقرانه في يونيو 67 و استمع لكلماتهم اﻷخيرة و هم في أحضانه يبثونه آمالهم التي لم تتحقق و حنينهم ﻷبنائهم الذين لن يرونهم مرة أخرى و معشوقاتهم اللواتي لن يقبلوا شفاههن كما حلموا .. ذلك الشاب الذي جثى على ركبتيه قبل أن تفارق قدميه أرض سيناء ليغترف حفنة من ترابها و يحتفظ بها في جيبه حتى لا يشعر أنه ترك سيناء كلها للإسرائيليين .. ذلك الشاب الذي انتظر ست سنوات كاملة لم يحلم فيها سوى بأن يعيد تلك الحفنة من الرمال إلى الضفة الشرقية حيث اغترفها أول مرة .. ذلك الشاب الذي لم يفطن أنه فقد نصف دمائه على أرض سيناء إلا حينما اطمئن أنه يرى من بعيد تلك القطعة من القماش التي حرص عليها أكثر من حياته و هي ترفرف فوق أنقاض نقاط العدو الحصينة، بينما في مقدمة المشهد يستطيع أن يرى بالكاد رفاقه يهرعون إليه ليستحلفونه بدموعهم ألا يفارقهم حتى يشاركهم الفرحة بتحقيق حلمه.

هذا هو جيشي الذي أعرفه .. و هذا هو أكتوبر الذي أفخر به.

عاشت مصر و عاش جيشها العظيم