Monday, December 28, 2020

حروب الجيل الرابع .. !!


المقدمة

 اختفت في الآونة الأخيرة في أذهان وعقول الفئة الغالبة من الشعب المصري، و شعوب الشرق الأوسط بصفة عامة، تلك الحدود الفاصلة بين حالتي الحرب والسلم، وتجاوزت الحروب التي تخوضها القوى الاستعمارية ضد مصر والمنطقة المواجهات العسكرية التقليدية لتشمل حروباً اقتصادية واجتماعية وإعلامية وافتراضية، مما أدى إلى تصاعد الضغوط على الداخل بصورة غير مسبوقة واندلاع الثورات، والانتفاضات، وتمدد التنظيمات الإرهابية، وتفاقم الصراعات الداخلية، والحروب بالوكالة التي تديرها بعض القوى الإقليمية والدولية.

ورأيت أنه من الضروري من أجل أن نكون مستعدين لكل هذه التحديات أن نفهم أولاً طبيعة تلك الحرب الجديدة من خلال بحث مبسط يمكن من خلاله أن ندرك حجم التحديات وطبيعة الصراع وأساليب المواجهة. في ظل صعود الجيل الرابع من الحروب الحديثة، الذي يتسم بالغموض وعدم اليقين حول طبيعة المواجهات العسكرية، وصعود شبكات التحالفات بين الدول والميليشيات المسلحة، والدمج بين تكتيكات الهجوم والدفاع والردع بصورة متزامنة، بحيث أصبح الكثير من دول العالم تقوم بمهام الدفاع وتأمين الجبهة الداخلية بالتوازي مع التدخل الاستباقي في مواقع التوترات المحيطة وردع التهديدات القائمة والاستعداد للتهديدات المحتملة.

 وأصبح من الضروري على الدول، ومن بينها مصر، في عصر “حروب الجيل الرابع” الاستعداد للتعايش مع حالة استدامة التهديدات”  والمرونة العالية في مواجهة الصدمات المفاجئة، والدمج بين سياسات متوازية تشمل الانخراط العسكري والاحتواء والردع في مواجهة بؤر التهديدات، وعدم انتظار تحقق التهديدات المحتملة ثم الرد على مصادرها، ولكن التعامل مع هذه التهديدات عبر سياسات الاستباق والتدخل الوقائي باعتبارها ضمن آليات الدفاع المتقدم عن مصالح الدولة الحيوية.

 وفي هذا الإطار، يتناول هذا البحث “حروب الجيل الرابع” من خلال استخدام المنهج التاريخي باستعراض تطور أجيال الحروب التقليدية منذ صلح وستفاليا عام 1648 وحتى اليوم، والتحولات التي شهدتها المواجهات العسكرية، والملامح الرئيسية لحروب الجيل الرابع، ودوافع التغير في طبيعة الحروب وأنماط المواجهات العسكرية غير التقليدية ومجالاتها الرئيسية، بالإضافة إلى تقييم الأساليب التي تعتمد عليها الدول في مواجهة التهديدات الأمنية المتصاعدة.

 تطور أجيال الحروب الحديثة

 يرى العديد من المحللين الاسراتيجيين والعسكريين أن التأريخ للحروب الحديثة يرجع إلى توقيع "معاهدة صلح وستفاليا"، عام 1648 التي ارتبطت بنشأة الدول القومية واحتكارها الاستخدام الشرعي للقوة، ومنذ ذلك الوقت دخلت الدول في صراعات وحروب تتطور من جيل لآخر، وتجدر الإشارة إلى وجود قدر من التداخل بين أجيال الحروب، كما أن ظهور جيل جديد لا يعني نهاية ما سبقه، وتتمثل الملامح الأساسية لأجيال الحروب فيما يلي:

حروب الجيل الأول:

اعتمدت على استخدام البنادق والمدافع البدائية، إذ كان الخصوم المتحاربون يحشدون عدداً ضخاً من القوات في شكل صفوف لتوجيه النيران بكثافة وعلى امتداد ميدان المعركة، وتمثل الهدف الرئيسي للحرب في تحقيق انتصار كاسح في المواجهة الأولى، وتتمثل القيمة الأساسية في حروب الجيل الأول في أنها غرست مفاهيم الانضباط والنظام في الجيوش، وهي السمة الرئيسية التي تميز الجيوش الحديثة، غير أنه مع التطور في صناعة الأسلحة والمعدات، خاصة البنادق الآلية، فإن أساليب “الصفوف” أصبحت عديمة الجدوى و تؤدي لخسائر ضخمة.

حروب الجيل الثاني:

أدى التطور التكنولوجي وتوافر قوة نيران أشد كثافة في ميدان المعركة، وظهور معدات عسكرية حديثة، مثل المدرعات الثقيلة، والطائرات، فضلاً عن الاستفادة من الاقتصاد الصناعي للدول الأوروبية لإنتاج العتاد العسكري بكميات ضخمة إلى تراجع تكتيكات حشد عدد ضخم من القوات في ميدان المعركة، والاعتماد على الخنادق بدلاً من ذلك، وأصبح الهدف الرئيسي من الحرب هو الاستنزاف. وتقوم حروب الجيل الثاني على التنسيق بين الأسلحة المختلفة مثل المشاة والمدرعات والمدفعية ، والتركيز على الالتزام الكامل بالأوامر والخطط المسبقة، وليس التصرف حسب الموقف الميداني، لأن ذلك تخل بالتنسيق بين الأسلحة المختلفة، ، ويتم شن الحرب بناء على خطة محددة يتم تدريب الضباط والجنود على تطبيقها.

حروب الجيل الثالث:

ظهر هذا الجيل من الحروب خلال الحرب العالمية الثانية، مع قيام الألمان بتطبيق أسلوب "الحرب الخاطفة"، وساهم في ظهوره عاملان أساسيان:

  • تطور التكنولوجيا العسكرية خاصة فيما يخص تصميم وتصنيع الدبابات والطائرات المقاتلة وأنظمة الاتصالات، مما ساعد على القيام بالمناورات العسكرية بدقة وتناسق غير مسبوقين، وسمح بالتنسيق الكامل بين أفرع القوات البرية والجوية، مما ساعد هذا على انتصار جيوش أقل تعداداً على هزيمة جيوشاً أضخم مثل انتصار النازيين على الفرنسيين في الحرب العالمية الثانية عام 1940.
  • تطوير تكتيكات عسكرية راديكالية، فنظراً لإدراك الألمان أنهم لا يستطيعون الفوز في حجم العتاد العسكري، لضعف قوتهم الاقتصادية مقارنة بالدول الأوروبية الأخرى، فقد عمدوا إلى تطوير تكتيكات مختلفة تماماً عن سابقتها باعتماد أسلوب المناورة، بدلاً من الاستنزاف من خلال الالتفاف على قوات العدو، واختراق عمق دفاعاته، و قطع خطوط إمداداته وتدمير مراكز قيادته.و أصبحت المبادرة وليس الطاعة هي الأهم، ولذلك كانت آلية اتخاذ القرار تتسم باللامركزية، على عكس الجيلين السابقين من الحروب.

حروب الجيل الرابع:

تعتمد حروب الجيل الرابع على توظيف أسلوب حرب العصابات، لإقناع متخذ القرار السياسي للخصم بأن الأهداف الاسراتيجية التي يسعى لتحقيقها إما أنه لا يمكن تحقيقها، أو أنها عالية التكلفة المالية و السياسية مقارنة بالمكاسب من ورائها، ويرتبط ذلك بتنظيم حملات دعائية و إعلامية ضخمة للتأثير على صانع القرار في الدولة المعادية، وتتمثل أبرز خصائص حروب الجيل الرابع في التالي

  1. الامتداد الزمني الطويل
  2. أولوية الأبعاد السياسية
  3. استهداف المدنين
  4. تعدد ساحات القتال
  5. محورية حرب المعلومات
  6. تدخل الأطراف الخارجية

 أسباب صعود حروب الجيل الرابع

يشير توماس هامز، العقيد في قوات البحرية الأمريكية وأحد المتخصصن في مفهوم “حروب الجيل الرابع”، إلى أن بداية تبلورها كانت نتاج عدة عوامل سياسية واقتصادية واجتماعية وتكنولوجية، وذلك على النحو التالي:

  1. تراجع احتكار القوة: تراجع احتكار الدولة لاستخدام القوة المسلحة، وظهور تنظيمات قادرة على شن الحرب، وتعتمد تلك التنظيمات على القيادة الكاريزمية والولاءات الأيديولوجية العابرة للحدود القومية، فلم تصبح الدولة فقط هي صاحبة قرار الحرب، ومن الأمثلة الواضحة في هذا الإطار، "حزب الله" في لبنان وسوريا و العراق، و تنظيم “داعش”، و "بوكو حرام" في غرب أفريقيا.
  2. تداخل أدوات الحرب: تزايد الترابط بين المشكلات الاقتصادية والتهديدات الأمنية نتيجة زيادة الاعتماد المتبادل في الاقتصاد الدولي الذي جعل من بعض القضايا الاقتصادية، مثل انقطاع أو وقف إنتاج السلع الأساسية، مصدر تهديد للأمن الوطني والدولي.
  3. صعود الولاءات البديلة: أدت العولمة وتكنولوجيا الاتصالات والمعلومات إلى اتجاه بعض الأفراد لنقل ولائهم من الدولة إلى الولاء لقضايا معينة، وصار العديد منهم أكثر ارتباطاً بما تتم إثارته على شبكات التواصل الاجتماعي، على حساب اهتمامهم بمشاكل مجتمعاتهم الحقيقية، ويتمثل الخطر هنا في أن بعض هؤلاء أصبح متطرفاً ومستعداً لستخدام العنف للتعبير عن قناعاته دون لتقدير نتائج ذلك على مجتمعه و وطنه.
  4. تسارع التطورات التكنولوجية: أدت التطورات التكنولوجية، خاصة في مجالات الذكاء الاصطناعي، إلى زيادة قدرة التنظيمات و الميليشيات المسلحة على امتلاك الأدوات اللازمة لشن هجمات إرهابية، وعلى الرغم من أن هذه المعدات والتقنيات تكون عالية التكلفة حين ظهورها، إلا أنه مع انتشارها تصبح رخيصة ومتاحة للجميع على نطاق واسع. فعلى سبيل المثال، فإن “أنظمة التسليح المستقلة” Autonomous Systems  قد استفادت من هذه التقنيات المتطورة وخاصة في مجال “الطائرات المسيرة”، والتي أصبح يتم إنتاج أعداد هائلة منها يتكلفة زهيدة، وهو ما يزيد من فرص استخدام التنظيات الإرهابية لها لتنفيذ عمليات إرهابية.

 ملامح حروب الجيل الرابع

 تعد حروب الجيل الرابع أكثر من مجرد تطور تقليدي لحروب الأجيال السابقة،حيث تستخدم فيها الوسائل كافة لإجبار العدو على الاستسلام، وتتمثل أهم هذه الوسائل في تأسيس تحالفات معقدة تقوم على المصالح المشركة بين الدول والتنظيمات بدلاً من الأهداف العقائدية أو الوطنية، ويمكن القول إن هذا النوع الأخطر من الحروب يتسم بأربع خصائص تتمثل في التالي:

 

أ- انتشار المناطق الرمادية

يقصد بالمناطق الرمادية “التفاعلات التنافسية بين وداخل التنظيمات وتتسم بوجود غموض طبيعة الصراع، والأطراف المنخرطة فيه، وعدم اليقين حيال السياسة المناسبة التي يجب اتباعها تجاه هذا الصراع. ولا توجد حاجة في الحروب الرمادية إلى تحقيق نصر سريع حاسم، إذ يتم التركيز على العمل تدريجياً لتحقيق الهدف النهائي من الحرب، وهو هزيمة الخصم أو تفكيك الدولة، خلال مدى زمني طويل. ويرتبط ذلك بتلاشي الحدود يبن ما يعد سلاحاً وما لا يعد سلاحاً، وبين ما يعد أفعالاً إجرامية وأفعالاً حربية، وبين المقاتلين وغير المقاتلين، وبين الدولة والكيانات ما دون الدولة. ويرتبط ذلك بالتداخل بين ما يعد أرض معركة وما لا يعد أرض معركة، حيث أصبحت كل من البورصة ومعامل الأبحاث ووسائل الإعلام والمراكز الاقتصادية والمراكز الدينية والفضاء الإليكروني بمنزلة ساحات للمعارك مثلها كميادين القتال الحقيقية، وجعل ذلك من المتعاميلن بأسواق المال، والصحفيين ومديري الشركات والبنوك ورجال الدين والعلماء وأصحاب التخصصات المختلفة بمثابة مقاتلين يمكن استغلالهم ضد الدول في حال نجاح التنظيمات الإرهابية والدول المعادية في استقطابهم.

ب- اتباع تكتيكات “الحروب الهجينة”:

يقصد بالحروب الهجينة تلك الصراعات التي تتضمن الجمع بين استخدام القوات المسلحة التقليدية والقوات غير النظامية مثل حركات التمرد والجماعات الإرهابية والتي تشمل توظيف الدول والميليشيات و التنظيمات المسلحة على حد سواء، والذين يسعون لتحقيق هدف سياسي مشترك. ولا تكون هناك حاجة إلى توجيه القوات غير النظامية بصورة مركزية، وذلك على الرغم من كونهم جزءاً من استراتيجية متسقة تستخدم لمواجهة قوة احتلال أو دعماً لقوات نظامية في مواجهة تنظيمات مسلحة، كما في حالتي العراق وسوريا، واعتماد نظام الأسد على ميليشيات حزب الله  في مواجهة التنظيمات المتطرفة وجماعات المعارضة المسلحة، واعتماد الحكومة العراقية على "الحشد الشعبي" في مواجهة "داعش".

ولا تعد الحروب الهجينة شكلاً جديداً من المواجهات العسكرية، فأثناء الحرب العالمية الثانية، عانى النازيون أثناء غزو روسيا بسبب قيام الآلاف من القوات غير النظامية من الموالين للاتحاد السوفييتي بقطع خطوط إمداداتهم واتصالاتهم, كما أنشأ تشرشل وحدة “منفذو العمليات الخاصة” Special Operation Executive  من قوات غير نظامية وأوكل لها مهمة دعم حركات التمرد ضد الألمان في أوروبا، وأمدها بالسلاح والذخيرة في أوروبا الغربية ومنطقة البلقان.

ج- تشكيل التحالفات الواسعة:

تضم التحالفات في حروب الجيل الرابع أطرافاً متنوعة، مثل الدولة والكيانات العابرة للحدود القومية والشبكات والجماعات والأفراد، مثل الذئاب المنفردة الذين يقومون بتنفيذ عمليات إرهابية دون الحاجة للانضام لتنظيم إرهابي. ولا تلعب الجيوش النظامية الدور الرئيسي في حروب الجيل الرابع، فالتنظيمات المسلحة، وعصابات الجريمة المنظمة تتصدر ساحات القتال، وهذا لا يعني أن الدول لا تقف خلف هذه الجماعات أو تدعمها، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، ولا ينفي أيضاً أن الدول قد تتدخل أحياناً بصورة مباشرة في مناطق الصراع إذا اقتضت الضرورة ذلك. ويرجع صعود أدوار التنظيمات المسلحة في الصراعات إلى أن الدول تجد صعوبة في استخدام القوة المسلحة التقليدية، نظراً للتكلفة الضخمة، واحتمالات التعرض للإدانة أو فرض العقوبات الاقتصادية، أو غيرها، في حين أن الأفراد والتنظيمات المسلحة لا يتعرضون لمثل هذه التداعيات السلبية، وهو ما يعني صعوبة هزيمة الخصم الذي يطبق حروب الجيل الرابع من خلال القوة العسكرية التقليدية وحدها.

‌د- تراجع الطابع المؤسسي:

اتسمت الأجيال الأولى للحروب بوجود كيانات تتمتع بهياكل مؤسسية لها مركز ثقل، يتمثل في التسلسل القيادي والروح المعنوية وخطوط الإمدادات اللوجستية والدعم السياسي والشعبي، إضافة إلى وجود مبررات أخلاقية أو قانونية لخوض الحرب، وعندما كان يتم تدمير مركز ثقل العدو، ينهار الجيش بأكمله، ويتحقق الانتصار. ولكن حروب الجيل الرابع “حروباً شبكية”، لا يوجد بها مركز ثقل يعكس الهيكل المؤسسي لأطراف الصراع.


مجالات صراع  حروب الجيل الرابع

تختلف مجالات حروب الجيل الرابع عما سبقها، فحروب الجيل الأول و الثاني كانت تتخذ من البر والبحر ساحات لها، فيما اعتمدت حروب الجيل الثالث بصورة أكبر على التطورات الاقتصادية والتكنولوجية في أعقاب الثورة الصناعية، وهو ما أضاف السماء إلى نطاق الحرب، وكذلك المساحات تحت سطح البحر وفي المحيطات، وأخيراً الفضاء الإلكتروني، بينما أدت حروب الجيل الرابع لانتقال الحرب إلى أبعاد أكثر وأعمق وأكثر تعقيداً كما يلي:

الحرب الاقتصادية:

تركز الحروب الاقتصادية على إضعاف قدرة الدولة المستهدفة على إنتاج وتوزيع السلع والمواد و الخدمات الأساسية اللازمة باستخدام الأدوات المالية وآليات السوق لعزلها عن النظام المالي والتجاري العالمي، وتدمير مصادر تمويلها، وهو ما يحد من قدرتها على المواجهة داخلياً وخارجياً. ومن أبرز أنواع تلك الحروب لجوء الدول إلى فرض عقوبات اقتصادية، وهو ما يُعد جزءاً رئيسياً من العقيدة العسكرية الأمريكية حيث أن فرض العقوبات الاقتصادية من أهم أدوات السياسة الخارجية، حيث لا تكون هناك حاجة لاستخدام القوة، وهي لا تكلف حياة أي فرد خارج الدول المفروض عليها العقوبات، ولكنها تفرض ضغوط على الأمة المستهدفة بحيث لا تستطيع أن تقاومها وتنهار اقتصادياً واجتماعياً بسببها.

ومن أهم الأمثلة على ذلك، العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة على العراق خلال حقبة التسعينيات، وحتى عام 2003 ، والعقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي على روسيا الاتحادية، بعد ضم موسكو لشبه جزيرة القرم في عام 2014.

وتشن التنظيمات المسلحة كالجماعات الإرهابية، كذلك حروباً اقتصادية، حيث تستهدف المنشآتأو القطاعات الاقتصادية الحيوية في الدولة بهدف تدمير الموارد الاقتصادية للدولة المستهدفة. ومن الأمثلة على ذلك قيام تنظيم “داعش” باستهداف فندقين بهجوم إرهابي مزدوج في يوليو 2015 بمدينة سوسة التونسية، و إسقاط الطائرة الروسية فوق شبه جزيرة سيناء المصرية في 31 أكتوبر 2015 وهو ما أدى إلى تأثيرات سلبية خطيرة على قطاع السياحة في تونس ومصر.

الحرب السيبرانية:

هي “هجوم متعمد بغرض تعطيل عمل أو خداع أو إضعاف أو تدمير أنظمة الكمبيوتر وشبكات الاتصالات والمعلومات والبرامج الموجودة في تلك الأنظمة أو الشبكات التي تمر من خلالها”، ويمكن للدول والجماعات والأفراد القيام بتنفيذ هذه الهجمات، وقد اعترفت وزارة الأمن الداخي في الولايات المتحدة أن الهجات السيبرانية من أكبر التهديدات للأمن القومي الأمريكي. وأخطر ما يميز هذا النوع من الحروب، هو صعوبة الردع من خلال الهجوم المضاد كما هو الحال في الحروب التقليدية، وهو الأمر الذي يصعب القيام به في حالة الحروب السيبرانية، ويرجع ذلك إلى صعوبة تقييم الأضرار الناتجة عن هذه النوعية من الحروب، وصعوبة التحكم في أضرار الهجوم السيبراني المضاد، وكذلك صعوبة تحديد المنفذ الحقيقي للهجوم، وإثبات ذلك أمام العالم. ولكن الميزة الأساسية التي تتسم بها الحرب السيبرانية هي انخفاض تكلفتها، وسهولة القيام بها  واستهداف البنية التحتية الحيوية بعمليات تخريبية من خلال الأدوات السيبرانية والبرمجيات، مثل محطات الكهرباء، وأنابيب النفط، والخطوط الجوية والسكك الحديدية والبنوك، إذ إن الأضرار المترتبة على ذلك قد تصل قيمتها إلى مئات المليارات من الدولارات، فضلاً عن سقوط آلاف الضحايا.

 الحرب المعلوماتية:

تركز الحروب المعلوماتية على إعاقة وتعطيل وتدمير النظم المعلوماتية التابعة للخصوم، مع حماية النظم المعلوماتية الخاصة بالطرف الذي يشن الهجوم. وتعد الحرب الدعائية من أبرز تكتيكات الحرب المعلوماتية، وتتضمن نشر الأخبار والمعلومات والحجج والفضائح بطريقة مخططة، من أجل التأثير على أفكار شعب أو جماعة معينة، وإضعاف آليات القيادة والسيطرة لمؤسسات الدولة. أما البعد الجديد في حروب الجيل الرابع، فيتمثل في زيادة اللجوء إلى التضليل المعلوماتي، واستخدامه بصورة مكثفة في أوقات السلم، ويرتبط ذلك بالتداخل بين حالتي السلام والحرب، بحيث لم تعد هناك حاجة إلى إعلان حالة الحرب. ولا ينبغي تجاهل أن مواقع التواصل الاجتماعي مثل الفيسبوك، ومحركات البحث، مثل جوجل تلعب دوراً في تصفية و اختيار الأخبار من خلال الانحياز لنشر محتوى إخباري معين دون غيره، يحيث يمكن تشويه إدراك الأفراد للحقائق.

 حروب أسلحة الدمار الشامل:

وهي التي يتم شنها باستخدام الأسلحة البيولوجية والكيماوية والنووية، وهي جميعاً تحدث تداعيات خطيرة و مدمرة من حيث عدد الضحايا و الانتشار الجغرافي،وبث الشعور بالخوف والرعب لدى قطاع واسع من الأفراد، وتعطيل المؤسسات الحكومية عن العمل.

 حرب المخدرات:

قد تقوم بعض التنظيمات بإغراق دولة معينة بالمخدرات لتدمر النسيج المجتمعي بها، وتتمثل في تكوين شبكات تضم عصابات الجريمة المنظمة والجماعات الإرهابية، بالرغم من أن الطرفين قد لا يشتركان، سواء على مستوى الأهداف أو الأدوات، ومع ذلك فإنهما يدخلان في علاقات تعاونية بالاستناد إلى اعتبارات المصالح المرحلية المشتركة.

 الحرب البيئية:

يقصد بها التدمير المتعمد للبيئة الطبيعية لدولة معادية، مثل حرق الغابات على نطاق واسع، نظراً لما يمكن أن يترتب على ذلك من تدمير للاقتصادات المحلية، وإرهاب قطاعات واسعة من السكان. و تتميز بقلة التكاليف و الخبرات والتسبب في خسائر ضخمة، وصعوبة تحديد ما إذا كانت عمليات تخريبية أو حوادث عادية.

أساليب مواجهة حروب الجيل الرابع

 تتسم حروب الجيل الرابع بكونها مواجهات شاملة تستهدف الدولة والمجتمع معاً، وعلى الرغم من الطابع غير الدموي لبعض أسلحتها، فإنها تستهدف في المحصلة النهائية إكراه الدول على الرضوخ لإرادة الأطراف التي تشن الحرب ضدها أو تدمير جبهتها الداخلية خلال فترة طويلة نسبياً من الزمن فترات عبر المواجهات العسكرية وغير العسكرية واستخدام أساليب متعددة اقتصادية ومعلوماتية وثقافية وتقنية بصورة متزامنة، وفي هذا الإطار تتمثل أهم أساليب مواجهة حروب الجيل الرابع فيما يلي:

التحصين المجتمعي:

من خلال التركيز على كسب ولاء المواطنين، واستهداف الحواضن الاجتماعية للإرهابين والميليشيات المسلحة، كما أن كسب ثقة المجتمعات المستهدفة يساعد في الحصول على المعلومات الاستخباراتية اللازمة لمكافحة الجماعات المتطرفة.

وتتصدر آليات التحصين المجتمعي تطبيق سياسات الحكم الرشيد وإدارة “عمليات تنمية اسراتيجية استباقية” من جانب الدول، ترتكز على التحسن المادي لجوانب الضعف في النظام الاجتماعي، باستخدام اسراتيجيات تنموية وتعليمية مع إشراك المجتمع في عملية التنمية لمنع الفساد، إضافة إلى توفير فرص العمل للأجيال الشابة في المجتمعات المستهدفة، وكذلك بناء الولاء لدى الشباب ودفعهم للعمل مع مؤسسات الدولة لتحقيق أهداف مشتركة طويلة الأمد.

 برامج توعية الأفراد:

تعد حروب الجيل الرابع بمنزلة حرب تركز على “الإنسان” أو حروب تستهدف السكان فهي تستهدف المدنيين بصورة أساسية، وتهدف إلى التلاعب بمدركاتهم، وإثارة سخطهم على الأوضاع القائمة، بغرض الانتقاص من شرعية الحكومة القائمة، بما يؤدي لإضعاف الدولة في مواجهة أي محاولة لاختراقها خارجياً، وهو الأمر الذي يتطلب حملات إعلامية مكثفة تركز على الرد على الادعاءات الكاذبة ضد الدولة. ومن جهة ثانية، شرعت بعض الحكومات إلى تطوير برامج لتوعية برامج لتوعية المواطينن حول كيفية مواجهة الأخبار الكاذبة، مثل تطوير برامج تعليمية لطلبة المدارس لتلقين الطلاب وسائل وأدوات التمييز بين الأخبار الكاذبة والصحيحة، والتأكد من مصدر الخبر، وعدم مشاركة أية أخبار مجهولة المصدر، لمنع القوى الخارجية من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لتأجيج الاضطرابات داخل الدولة، والتأثير على سياستها الداخلية.

 تكنولوجيا المراقبة والرصد:

قامت الدول الكبرى، باستثمارات هائلة في تكنولوجيا رقابة ورصد الأفراد، في إطار جهودها الرامية إلى محاربة التنظيمات الإرهابية. وتستخدم الدول الغربية تكنولوجيا الرصد والتتبع بهدف جمع معلومات عن السمات الشخصية لمواطنيها من أجل تحديد سلوكهم المحتمل في فرة زمنية محددة، ففي الولايات المتحدة، وتقوم بتحديد الإرهابيين المحتملين. وتقوم الدول الكبرى بالجوء الدول المتقدمة لآلية الرقابة والتتبع لمواجهة أي تهديدات أمنية، حتى لو ترتب عليها انتهاكات واضحة لحرية وخصوصية الأفراد، وهو ما يدفع الدول المختلفة إلى اتباع تكتيكات مشابهة لمواجهة التحديات الأمنية النابعة من التوظيف الخارجي للثغرات المجتمعية وضعاف النفوس.

 تفكيك التحالفات المعادية: تقوم مواجهة حروب الجيل الرابع على تفكيك التحالفات التي قد تنشأ ضد الدولة من خلال إعاقة تطوير القيادة والسيطرة، ومنع اختراق المجتمع ثقافياً، ووقف التمويل والدعم الخارجي وعمليات الاستقطاب وإعاقة الاتصالات والاجتماعات والتخطيط ، ويتم ذلك بأي أداة سواء كانت عسكرية أو غير عسكرية، لتجنب تفجير الوضع الداخلي نتيجة وجود ثغرات في النسيج المجتمعي نابعة من الفقر أو تقلص الحريات أو عدم المساواة.

 الاستنتاجات

غاية حروب الجيل الرابع ليس مجرد تحقيق الانتصار الميداني في أرض المعركة والسيطرة على المنطقة المتنازع عليها، بل إسقاط نظام الحكم وإجبار الخصوم على تعديل سلوكياتهم، إذ تهدف الحرب إلى تحقيق المصالح القومية للدولة، والمتمثلة في البقاء والأمن ودعم الاستقرار وتعزيز النفوذ والقوة والمكانة الإقليمية والدولية، ومع التسليم بأن طبيعة الحرب لم تتغير، فإنه قد طرأت عليها عدة تحولات يتمثل أهمها في:

  1.  تراجع الصراعات بين الدول، في مقابل تزايد الصراعات الداخلية، التي تتفجر بين الدولة والتنظيمات المسلحة المدعومة من الخارج
  2. تصاعد التعاون بين التنظيمات المسلحة وجماعات الجريمة المنظمة العابرة للحدود الدولية.
  3. انتشار الصراعات الممتدة التي تستمر لفترات زمنية طويلة، ولذلك تتبع الدول أسلوب “الانخراط المحدود”، وتجنب التورط العسكري المباشر في الصراعات، والاعتماد على الوكلاء
  4. استغلال التنظيمات المسلحة للتطور التكنولوجي للقيام بعمليات إرهابية أو قتالية.
  5. تلاشي الخطوط الفاصلة بين حالتي الحرب والسلم، من خلال توظيف الحرب المعلوماتية والحروب الاقتصادية والتجارية.
  6. تراجع الولاء للدولة الوطنية في بؤر الصراعات المسلحة، وصعود الولاءات لكيانات أو قضايا عابرة لحدود الدولة، أو الولاء لكيانات إثنية أو طائفة معينة، وهو ما أدى لانتشار التطرف الديني والقومي والطائفي.

 الخاتمة

استعرض هذا البحث كيف أن حروب الجيل الرابع هي حروب بلا قيود، يتم شنّها غالباً عبر فرة زمنية ممتدة، وتهدف إلى هزيمة الخصم، وتفجير الدولة من الداخل عبر التركيز على إثارة الانقسامات المجتمعية وتعميقها، باستخدام الأساليب العسكرية وغير العسكرية، وباستغلال الحروب الاقتصادية والنفسية والمعلوماتية وغيرها

وتستند هذه الحروب إلى تحالفات شبكية تضم الدول والتنظيمات المسلحة، سواء كانت جماعات إرهابية، أو جريمة منظمة، أوغيرها من الجماعات التي لا يجمعها هدف مشترك، سوى إسقاط الدولة المعنية.

واستعرض البحث كيف تتسم حروب الجيل الرابع بأنها تستهدف المجتمع، فهي تقوم على استغلال التناقضات الموجودة في بنيته، وأوجه الضعف القائمة فيه، لإثارة سخط الشعب، ومن ثم تهديد كيان الدولة من داخلها بما ينذر بإمكانية انهيارها أو إضعافها في أقل الأحوال في مجالات شتى، وليس المجال العسكري فقط، إذ تعتمد بصورة أكبر على الحروب الاقتصادية والمالية والمعلوماتية وغيرها، كما أنها ترتكز على إقامة تحالفات واسعة تضم دولاً وجماعات وشبكات إجرامية، بل وحتى أفراد، لا تجمعهم بالضرورة مصلحة سوى إسقاط الدولة المستهدفة.

 أوضح البحث تطور الأجيال المختلفة من الحروب مع التركيز على حروب الجيل الرابع وسماتها الرئيسية، وأخيراً طرح الوسائل التي يمكن من خلالها مواجهتها باستخدام الآليات الأمنية والعسكرية في مواجهة الجماعات المنخرطة في مثل هذا النوع من الحروب، بالإضافة إلى عدم إغفال الأساليب غير العسكرية، مثل التحصين المجتمعي وتوعية المجتمع بالتحديات المحيطة وتكتيكات الحرب الإلكترونية والتحكم في الفضاء الإلكتروني واستخدام تكنولوجيا الرقابة والرصد لحرمان الجماعات الإرهابية من القدرة على الاتصال ونشر أفكارها الهدامة.

المراجع:

-عبد الوهاب، شادي، 2017، التحولات الرئيسية في المواجهات العنيفة غير التقليدية في العالم، المستقبل للأبحاث و الدراسات المتقدمة، أبوظبي

 -شعيشع، أحمد، 2014، الجيل الرابع من الحروب، ورقة مقدمة إلى مؤتمر "ملامح السياسة الخارجية المصرية 2030"، القاهرة

-عبد القادر، محمد، 2019، حروب الجيل الرابع، الموسوعة الجزائرية للدراسات السياسية والاستراتيجية، أنقرة

- شعبان، شيماء، 2019، "حروب الجيل الرابع" معركة السيطرة على العقول والخداع النفسي"، الأهرام، القاهرة 


 

Friday, December 4, 2020

المنظمات الحقوقية .. والحسناء الشقية !

إيهاب الشيمي

منذ أيام قليلة خرجت علينا الحسناء سكارليت جوهانسن بفيديو قصير تطالب فيه الحكومة المصرية بالإفراج عن أربعة من العاملين بإحدى المنظمات غير الحكومية في مصر، وبالرغم من عدم معرفتها الحقيقية والشخصية بهؤلاء الأشخاص، وهو ما ظهر في صعوبة نطقها لأسمائهم العربية، إلا أنها ادعت أنه تم اعتقالهم بشكل تعسفي وغير قانوني وتلفيق التهم لهم لمجرد مطالبتهم بكرامة وحقوق المصريين، وكأن تلك الشقراء القادمة من هوليوود تعلم ما هي مطالب المصريين، أو كيف تم اتخاذ الإجراءات القانونية ضد هؤلاء الأربعة!

وذكرني ذلك بمقالي الذي نشرته منذ عدة أشهر باللغة الانجليزية، قبل نشر تسريبات بريد هيلاري كلينتون الأليكتروني، و تناولت فيه نوعية العلاقات التي تربط بعض تلك المنظمات بالخارج، و رأيت أن أعيد نشر المقال هنا ولكن باللغة العربية هذه المرة ليمكن للجميع رؤية جزء أكبر من الصورة، خاصةً بعد أن أثبتت تلك التسريبات صحة العديد مما استنتجته و كشفته في ذلك المقال.

https://ehabelsheemy.blogspot.com/2020/07/ngos-doubts-and-facts.html


في الخامس من يونيو الماضي، وقع صندوق النقد الدولي بالأحرف الأولى على اتفاقية مع الحكومة المصرية لتوفير الموارد المالية اللازمة لمساعدة مصر على مواجهة تبعات وباء فيروس كورونا، وعلى الرغم من حقيقة أن تلك الأموال تهدف إلى تعزيز شبكة الأمان الاجتماعي ، وتحسين الشفافية المالية ، ودعم الإصلاحات من أجل النمو وخلق فرص العمل ، والحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي ، شنت ثمان منظمات غير حكومية هجومًا شرسًا غير مسبوق ضد الحكومة المصرية وأصدرت رسالة مشتركة إلى صندوق النقد الدولي لإبداء مخاوفهم بشأن تفشي الفساد وسوء الإدارة في البلاد ، وطالبوا صندوق النقد الدولي فيها بتأجيل التصويت على تسهيل القرض العاجل لمصر بقيمة 5.2 مليار دولار

وجاء في الرسالة: "تقودنا التطورات الأخيرة في مصر فيما يتعلق بالحوكمة والشفافية وسيادة القانون والفساد إلى الاعتقاد بأن صندوق النقد الدولي يجب أن يضع متطلبات وشروطاً صارمة لضمان استخدام أي أموال إضافية يتم صرفها لهذا البلد للغرض المقصود منها وهو دعم النمو الشامل وتحسين الشفافية المالية. ، وزيادة الإنفاق الصحي والاجتماعي"


تضمنت قائمة الموقعين على الرسالة: "هيومن رايتس ووتش”، ومعهد القاهرة لدراسات حقوق الإنسان”؛ و”كوميتي فور جستس”؛ و”المنتدى المصري لحقوق الإنسان”؛ والشبكة الأورو-متوسطية للحقوق”؛ والفدرالية الدولية لحقوق الإنسان”؛ و”مبادرة الحرية”؛ و”مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط”. 

كالعادة، وفي أعقاب ذلك، انخرط العديد من الصحفيين والسياسيين والإعلاميين المصريين في حملة للدفاع عن الحكومة المصرية ضد تلك المنظمات غير الحكومية ، وشرح كيفية تقدم الأمور بشكل جيد في المعركة ضد الفساد وتعزيز خدمات الرعاية الاجتماعية والصحية والتعليمية،

وعلى الرغم من إيماني الشخصي بأنه لا يزال هناك الكثير لتقديمه من أجل القضاء التام على الفساد الذي استشرى في أروقة الكيانات التنفيذية والقضائية بل والتشريعية لأكثر من سبعة عقود، إلا أنه لا يمكنني أن أنكر أنه قد تم بذل الكثير من الجهد ‘ وإن ظل غير كافٍ، خلال الأعوام القلية الماضية لتفعيل دور هيئات الحوكمة ودعم استقلاليتها للحد من الفساد وتعزيز الشفافية، وهذا بالضبط هو المكان الذي يجب أن تتوقف فيه وتتساءل لماذا تم توجيه مثل هذه الرسالة إلى صندوق النقد الدولي في مثل هذا الوقت الحرجإذا كان الغرض من القرض هو دعم الفئات الأكثر معاناة تحت أو بالقرب من مستوى الفقر ، والدخل المنخفض ، والطبقة الوسطى ، فلماذا ترفض منظمة غير حكومية طلب مصر للحصول على مثل هذا التمويل بينما هدفها النهائي كمنظمة غير ربحية هو تحسين نوعية ومستوى المعيشة للشعب المصري؟


كوني واحدًا من ملايين المصريين الذين شاركوا في ثورة يناير 2011 ضد نظام مبارك ، فقد شاركت خلال تلك الفترة في العديد من الأحداث والحملات السياسية والاجتماعية في المجتمع، وتضمنت هذه المشاركة التنسيق مع العديد من الحركات الثورية ، بالإضافة إلى العديد من النقابات المهنية والأحزاب السياسية والمنظمات غير الحكومية، مما جعلني أكثر قرباً من فهمطبيعة وشكل العلاقة التي تربط بعض هذه المنظمات بالخارج. ولكن، لا أريدك عزيز القارئ أن تقفز إلى النتائج وتفترض أن ما ستقرأه في السطور التالية هو اتهام مباشر مني لكل تلك المنظمات بالخيانة أو عدم الولاء ، بل هي محاولة متواضعة من لدعوتك للانضمام إلى مسعاي للعثور على إجابات وإزالة الشكوك والمخاوف وتوضيح الحقائق بقدر الإمكان فيما يتعلق بالروابط والعلاقات بين تلك المنظمات غير الحكومية والعديد من الكيانات والمنظمات والحكومات الأجنبية.

من المفهوم أن الحركات الثورية الصاعدة في يناير 2011 كانت بعيدة كل البعد عن كونها منظمات هرمية ذات خطط استراتيجية واضحة قصيرة وطويلة المدى ، وبالطبع كانت تفتقر بشدة إلى التمويل الذي كان يعتمد بشكل أساسي على التبرعات والمساهمات أو دعم أعضائها الشباب، أو التمويل المباشر من بعض الشخصيات السياسية التي سعت من خلال ذلك لخلق قاعدة ثورية يمكنهم من خلالها مخاطبة الشعب المصري!  

ولا ينفي ذلك الانعدام التام لذلك التنظيم الهرمي ، والقدرة على التخطيط ، والتمويل الثابت ، وكذلك الوصول إلى كل من وسائل الإعلام والمنظمات الإقليمية والدولية لحقوق الإنسان، فكل ذلك كان متاحاً، ولكن في أماكن أخرى وتحت مسميات مختلفة، وخادعة في كثير من الأحيان، ولكنها جميعاً اشتركت في وصفها بما يسمى "المنظمات غير الحكومية" أو ما يعرف اختصاراً NGO


مثلت هذه المنظمات غير الحكومية الشريك الذي يمكن للحركات الثورية الصاعدة أن تتعاون معه وتعتمد عليه لتحقيق أهداف ثورة الشعب من خلال النافذة الأكبر والمدخل الأوسع الذي تقدمه للوصول إلى وسائل الإعلام المحلية والإقليمية، بل والتواصل مع الجماعات والتنظيمات الثورية الأخرى ، ولكن الأهم من ذلك هو الخبرة القانونية التي تمتلكها تلك المنظمات لتذليل العقبات المرتبطة باحتجاز العديد من المنتكين للحركات الثورية ممن اعتقلتهم الأجهزة الأمنية خلال الفترة ما بين يناير 2011 وحتى انتخاب محمد مرسي في يونيو 2012، مروراً ثورة باستفتاء الدستور في مارس واعتصام يوليو وأحداث شارع محمد محمود الدموية، وهو ما جعل تلك المنظمات والحركات الثورية الوليدة تعتقد بسذاجة شديدة أن تلك المنظمات الحقوقية هي الشريك المثالي والحقيقي النزيه الذي يمكن الوثوق به!

مع استمرار الحراك الثوري ، بدأت صورة ذلك الشريك المثالي تتلاشى أكثر فأكثر، فتمويل الفعاليات الثورية لم يصبح أقل صعوبة من ذي قبل كما كان متوقعاً ، بل أصبح أكثر صعوبة بعد إضافة المطالب الإضافية لتلك المنظمات غير الحكومية التي لم تكن ذات قيمة مضافة حقيقية،  حيث استمر التمويل مقتصرًا على الشباب الثوري فقطولجعل الأمور أسوأ ، استغلت المنظمات غير الحكومية هذه الفعاليات لتحقيق أهدافها المؤقتة التي لا تتعلق بالأهداف العليا والحقيقية لثورة الشعب المصري، فلقد شاركوا في مسيرات إطلاق سراح المعتقلين، ولكن فقط عندما يكون أحد هؤلاء المعتقلين عضوا في تلك المنظمات أو أحد أفراد عائلة عضو بارز فيها، وهو تماماً ما كان الحال عليه في حملة "أفرجوا عن مصر" التي أطلقها تحالف العديد من الحركات الثورية التي نظمت عشرات المسيرات عبر مدن مصر الكبرى، بينما لم تشارك المنظمات غير الحكومية فعلاً في تلك المسيرات حتى تم اعتقال الناشط السياسي علاء عبد الفتاح وهو نجل أحمد سيف عبد الفتاح مدير مركز هشام مبارك للقانون.


بعد تلك الحادثة بالذات ، كان ذهني مشغولاً باسترجاع شريط الأحداث للمسار الكامل للعمل مع المنظمات غير الحكومية، و كيف أنهم لم يساهموا في جهودنا لتنظيم جلسات توعية بالممارسة الديمقراطية للشباب المصري خلال الأشهر الأولى للثورة والتي نظمناها مع العديد من مراكز  ومديريات الشباب الحكومية بجهود فردية وبالتنسيق مع شخصيات بارزة، وكيف لم يشاركوا في جلسات اللجنة الشعبية للدستور المصري الجديد التي شارك فيها العديد من الرموز الوطنية السياسية و الثقافية والإعلامية والقضائية بل والدينية كذلك ممن لا يختلف أحد على وطنيتهم وإن اختلفت توجهاتهم و رؤاهم، وكيف لم يشاركوا، رغم مواردهم الضخمة، في تقديم الدعم المالي والقانوني للمعتقلين ، والأهم من ذلك كله ، كيف لجهودنا لفضح الانتهاكات والمخالفات التي ارتكبها الإخوان المسلمون طوال فترة الثورة وخلال الاستفتاءات على التعديلات الدستورية ، والاستحقاقات الانتخابية، حتى نجحوا في تولي رئاسة البرلمان المصري، وتولي مقاليد الحكم،  مما أثبت بما لا يدع مجالاً للشك، أن الأهداف الحقيقية لتلك المنظمات "الحقوقية" غير الحكومية برمتها لم تكن أبدًا ذات صلة بحقوق الشعب المصري التي خرج في ثورته من أجلها!  


واسمح لي هنا عزيز القارئ أن أطيل عليك بعض الشيئ لأشرح لك باختصار أحد الأمثلة الفعلية  على ذلك، و هو منظمة غير حكومية تأسست في القاهرة في عام 2002 من قبل محامٍ حديث التخرج ، بلغ من العمر آنذاك 24 عامًا فقط. و على الرغم من حقيقة أن الاسم المختار لتلك المؤسسة كان مرتبطًا بـ "الحقوق الشخصية" ، إلا أنه في الواقع كان يشير إلى نوع محدد للغاية وغير إعتيادي من الحقوق التي تتعارض تمامًا مع المعتقدات الثقافية والدينية للشعب المصري بدلاً من الحقوق الدستورية السياسية والاجتماعية والاقتصادية والقانونيةالتي يجب الدفاع عنها أولاً، فلقد كانت أول منظمة حقوقية في مصر تعترف وتدافع عن حقوق المثليين باعتبارها من حقوق الإنسان.

وكانت تساؤلاتي هنا هي كيف يمكن لشاب حديث التخرج أن يؤسس ويدير مؤسسة لحقوق الإنسان في مصر؟ وما هي وسائل التمويل التي أمكنه الحصول عليها لمثل هذه المنظمة خاصة مع هذا النطاق غير العادي من العمل؟ وكيف أمكنه تطوير وتوسيع وتوظيف العديد من الشخصيات القانونية البارزة ونخبة العاملين في حقوق الإنسان للعمللديه، بل و توسيع نطاق الخدمات ليشمل الحقوق السياسية وما يسمى بالحقوق "الدينية" في مثل هذه الفترة القصيرة من الزمن؟

وبنظرة أكثر قرباً، يُظهر ملف تعريف هذا المدير التنفيذي لتلك المؤسسة، أنه يعمل كخبير في Global Freedom of Expression ، ورئيس مجلس إدارة الشبكة الدولية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (ESCR-Net) ، وعضو في مجلس إدارة صندوق حقوق الإنسان العالمي ، وعضو المجلس الاستشاري للمكتب الإقليمي العربي لمؤسسة المجتمع المنفتح ومبادرة العدالة التابعة لها!  

وقد يبدو هذا كملف تعريف طبيعي لمثل هذا المدافع والناشط عن حقوق الإنسان، ولكن "الأشياء ليست على الإطلاق كما تبدو لك" !

في عام 2014 تم تأسيس منظمة حرية التعبير العالمية Global Freedom of Expression ، بواسطة لي سي بولينجر  Lee C. Bollinger، رئيس جامعة كولومبيا ، وهو رجل معروف بدعمه القوي لقناة الجزيرة في قضيتهم ضد الحكومة المصرية في عام 2016، وعلاوة على ذلك ، فقد عزز الرجل العلاقات مع النظام الحاكم في قطر من خلال عدة اتفاقيات شراكة بين جامعة كولومبيا ومؤسسة قطر الدولية، كما تجدر الإشارة هنا إلى أن المديرة المشاركة لنفس المنظمة ، هولي جونسون Hawley Johnson، حاصلة على درجة الدكتوراه في الاتصالات من جامعة كولومبيا التي يرأسها بولينجر في عام 2012 ، كما حصلت أيضًا على درجة الماجستير من نفس الجامعة!  


و لا أجده من قبيل الصدفة أن نكتشف أن جامعة كولومبيا وقعت مذكرة تفاهم للشراكة مع معهد الدوحة الذي أسسه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في قطر، وهو من يتولى منصب  المدير العام وعضو مجلس الإدارة التنفيذي به عزمي بشارة ، عضو الكنيست الإسرائيلي السابق، والمستشار المقرب من أمير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني وخليفته الأمير الحالي الشيخ تميم بن حمد. ولا أجدك عزيز القارئ ستجد أنه من المصادفة أيضاً أن كلاً من  منظمة حرية التعبير العالمية ومعهد الدوحة قد تم تأسيسهما في عام 2014

ولكن المثير للدهشة أن سلسلة ترابط الأحداث والأشخاص تستمر حتى عندما يتعلق الأمر بإحدى المنظمات الأخرى حيث يعمل هذا المحامي الشاب كرئيس لمجلس الإدارة ، فإن المدير التنفيذي لشبكة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ESCR-Net  كريس جروف Chris Grove حاصل على الماجستير في الشؤون الدولية والماجستير في الفلسفة في الأنثروبولوجيا ، وكلاهما من جامعة كولومبيا أيضاً،  بينما جد أن منسقة برنامج نفس المؤسسة ، جوي شودري Joie Chowdhury ، حاصلة أيضًا على درجة الماجستير في القانون من كلية الحقوق بجامعة كولومبيا!

وأخيرًا وليس آخراً، فإن هذا الرجل هو أيضًا عضو المجلس الاستشاري للمكتب الإقليمي العربي لمؤسسة المجتمع المفتوح، وإذا لم يدق ذلك الإسم أية أجراس لديك، فلا بد لي عزيزي القارئ ان أخبرك أن مؤسسة المجتمع المفتوح هي المؤسسة التي تأسست من قبل جورج سوروس، وهو أكبر ممول خاص في العالم للجماعات المستقلة التي تعمل تحت مظلة نشر العدالة والحكم الديمقراطي، وحقوق الإنسان في دول العالم!  


وباتباع نفس مبدأ "الأشياء ليست على الإطلاق كما تبدو لك" ، واتباع الجدول الزمني لمؤسسة المجتمع المفتوح ، يمكن بسهولة إدراك أنها ليست سوى واحدة من أدوات الولايات المتحدة لتنفيذ أهدافها وتحقيق خططها الإقليمية والدولية منذ الثمانينيات. ففي عام 1984 ، بدأت مؤسسة المجتمع المفتوح كمؤسسة صغيرة في المجر لتشجيع المعارضة وراء الستار الحديدي في أوروبا الشرقية وروسيا، و في عام 1986 ، افتتح جورج سوروس مؤسسة أخرى في الصين التي أصبحت هدفًا لدعم الاقتتال والاختلاف السياسي بين العناصر المؤيدة وتلك المناهضة للإصلاح داخل الحزب الشيوعي، ولكن تم إغلاق  المؤسسة في عام 1989 ، قبل فترة وجيزة من احتجاجات ميدان السلام السماوي وسحق الحكومة الوحشي للمعارضين بالدبابات فيه أمام أعين العالم، في إشارة واضحة من بكين للولايات المتحدة أن ما قد ينجح في أوروبا الشرقية و روسيا لن يجدي نفعاً في الصين.


و استمراراً لنفس الخطة، وخلال الخمس سنوات التالية للسقوط المادي والأيديولوجي لجدار برلين في عام 1989 ، أسست منظمة المجتمع المفتوح مكاتب تمثيل وجمعيات تابعة لها في بولندا وأوكرانيا وروسيا، كما أنشأت شبكة من المكاتب في ألبانيا ودول البلطيق وبلغاريا وجمهورية التشيك وكازاخستان وقيرغيزستان ومولدوفا ورومانيا وسلوفاكيا، واستمر هذا النمط طوال تسعينيات القرن الماضي، والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين في الجمهوريات السوفيتية السابقة ، وإندونيسيا ، وفي نهاية المطاف في دول الربيع العربي بعد ثورات عام 2011 ضد الأنظمة القمعية والاستبدادية في تلك الدول، والتي استغلتها دوائر نفوذ معينة في واشنطن لتخدم الأهداف النهائية لخطط الحزب الديمقراطي لإعادة خلط أوراق أوروبا الشرقية والشرق الأوسط ، وخلق شرق أوسط جديد على أنقاض الأنظمة المنهارة باستخدام الإخوان المسلمين كعود ثقاب لحرق تلك الدول أثناء انتفاضة شعوبها ، وباستخدام قطر كمصدر لا ينضب للوقود الذي تحتاجة تلك النار المستعرة لتستمر في التأجج وحرق كل شيئ، ولتكون  الدوحة كذلك الملاذ الآمن لقادة الجماعات المسلحة في الشرق الأوسط من شواطئ المحيط الأطلسي في غرب إفريقيا إلى أبعد أجزاء جبال أفغانستان في أواسط شرق القارة الأسيوية 


وفي هذا السياق، ولضمان استئثار الديمقراطيين بالسلطة، أنفق سوروس ما يزيد على  27 مليون دولار لمحاولة هزيمة الرئيس الجمهوري جورج دبليو بوش في عام 2004 ، وظهر مرة أخرى كممول رئيسي للحملات الانتخابية للديمقراطيين وخاصة تلك الخاصة بحملة هيلاري كلينتون الرئاسية وهي المعروفة بدعمها الواضح للإخوان المسلمين ودعمها الكامل لهم أثناء توليها منصب وزيرة الخارجة الأمريكية ضمن فريق إدارة الرئيس باراك أوباما! فلقد  تبرع سوروس أو تعهد بأكثر من 25 مليون دولار لدعم هيلاري كلينتون وغيرها من المرشحين الديمقراطيين والقضايا التي يتبنونها، وذلك وفقًا لسجلات لجنة الانتخابات الفيدرالية والمقابلات مع شركائه ونشطاء جمع التبرعات الديمقراطيين

يمكنك عزيزي القارئ  قراءة القصة التفصيلية في الكتاب بعنوان: حزب الظل -   كيف استطاعت هيلاري كلينتون وجورج سوروس ويساريين الستينات السيطرة على الحزب الديمقراطي

The Shadow Party: How Hillary Clinton, George Soros, and the Sixties Left Took Over the Democratic Party. 

الآن ، وبعد الاطلاع على خلفية واحدة فقط من المنظمات غير الحكومية التي تعمل في مصر ، وبيان كيفية اتصالها وارتباط إدارتها التنفيذية بالكيانات والمنظمات الأجنبية ، وكيف تربط الخيوط الشبكة الكاملة للشركاء والجهات الراعية الدولية ، يمكنك عزيزي القارئ أن تشاركني مخاوفي وشكوكي وأن تنضم إلى مسعاي للعثور على المزيد من الإجابات لللكثير من الأسئلة حول الأهداف الحقيقية التي تخدمها بعض المنظمات غير الحكومية ومنظمات حقوق الإنسان وطبيعة الحقوق التي تعنيها حقًاً!

بقى لي في النهاية أن أمنحك بعض الملاحظات حول الشقراء الفاتنة سكارليت يوهانسن،   فحسناء هوليوود تنتمي إلى المعسكر الديمقراطي وكانت من أبرز الوجوه في عشاءات البيت الأبيض أثناء حكم الرئيس أوباما، بل وجمعتها أحاديث جانبية مع الشيخة موزة أثناء العشاء الذي أقيم على شرف أمير قطر و زوجته في الولايات المتحدة في عام 2011، قبل أن تصبح من أشهر الداعمات لتولي هيلاري كلينتون الرئاسة في عام 2016،  وهي أيضاً على رأس قائمة المنضمين لحملة تمويل المرشح الديمقراطي جو بايدن و نائبته كاميلا هاريس بجانب عدد من نجوم هوليوود خلال شهر أكتوبر الماضي، و دعني أذكرك أيضاً أنها على اتصال، وعملت مع الممثل المصري عمرو واكد الذي قاد حملة شعواء ضد مصر في الكونجرس الأمريكي في أعقاب ثورة يونيو، و واكد هو شقيق محمد واكد الناشط اليساري المعروف بنشاطه وأبحاثه المشتركة مع الدكتورة رباب المهدي مستشارة الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح عضو مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين ونائبة حزب مصر القوية الذي ترأسه وأسسه أبو الفتوح، وهي من أصرت على شرعية مرسي بعد الإطاحة به، ومن قالت أن الكتاتني هو من يجب أن يتولى الرئاسة وليس رئيس المحكمة الدستورية، وهي من تصدر بالتنسيق مع العديد من المنظمات غير الحكومية، ومن بينهم مؤسسة محامينا الشاب، العديد من البيانات التي تهاجم فيها بين حين وآخر النظام في مصر والذي تصفه بالديكتاتورية التي لن تدوم.

Friday, November 6, 2020

الاختيار الصعب .. بين بايدن و ترامب !


بقلم: إيهاب الشيمي


هل كنت تفضل فوز ترامب، ولماذا؟

نعم، لأن سياسته تتناسب ومتطلبات أمن مصر  في المرحلة الحالية!

هل تعني أن بايدن سيعيد عجلة الزمن لما قبل 2016؟

لا، فلن يمكنه بالطبع إعادة قاسم سليماني إلى الحياة، أو خداع أحد من جديد بحسن نوايا إيران بعد كل ما ارتكبته ضد السعودية وما فعلته في لبنان من خلال حزب الله، وما قامت به من ضرب المصالح الأمريكية في العراق، وهو بالتأكيد لن يمكنه إقناع أحد من جديد بكون تركيا حليفاً أميناً بعد إتمامها صفقة منظومة صواريخ S-400 الروسية والتي تهدد أمن حلف الناتو بأكمله، ومواقفها في ليبيا والعراق وتدخلها في النزاع بين أرمينيا وأذربيجان في ناجورني كاراباخ وتحالفها مع روسيا ضد الأكراد في سوريا، واستفزازاتها المستمرة لكل دول حوض شرق المتوسط!

كما أن كشف رسائل كلينتون سيحد من قدرة الرجل على مواصلة نهج دعم جماعة الإخوان المسلمين من خلال حكام قطر لتنفيذ مخططات الديمقراطيين للمنطقة التي أشرف عليها بايدن بنفسه هو وهيلاري كلينتون حينما كانا يعملان ضمن إدارة باراك أوباما كنائب للرئيس و وزيرة للخارجية!

بالتأكيد، تفضيلي لفوز ترامب ليس نابعاً من إعجابي بالرجل، ولكن كل ما هنالك هو أنه سيوفر علينا التحفز والترقب من جديد لتحديد الباب الذي سيطلقون منه وحوشهم علينا مجدداً بعد أن حددنا الأبواب التي تستخدمها إدارة ترامب خلال السنوات الأربع الماضية !

وقد أجد هنا من يحاورني قائلاً أن كل ذلك لا يهم لأن مصر قوية بقيادتها وشعبها!

 نعم، بالفعل نحن أقوى مما كنا عليه منذ سبع سنوات، و بلا شك أقوى بكثير على المستوى الاقتصادي والعسكري والبنية التحتية مما كنا عليه قبل يناير 2011، ولكننا للأسف شعب ذو ثقافة سمعية لا يسعى للقراءة والبحث، بقدر ما يعتمد على التناقل الشفهي والقراءات المجتزأة والمبتورة التي لا توفر معلومة كاملة أو خبراً صحيحاً، ولا تبني ثقافة محترمة، بل تساعد في أغلب الأحيان على زعزعة الاستقرار من خلال بث الشائعات والتشكيك في حجم الانجازات والتقليل من إيمان الجميع بقدرة  مصر على التقدم!

فما الحل إذن لنتوقف عن الاعتماد على شخصية ساكن البيت الأبيض؟

نحن هو الحل  .. !!

كل فرد منا هو الحل..

 حينما يقرر أن يقرأ ..

 حينما يقرر أن يدرك  ..

حينما يقرر أن يستوعب حجم الأخطار والتحديات ..

حينما يقرر أن يدعم قوة الوطن بالإيمان بوحدة أطيافه ..

حينما يقرر  المشاركة السياسية الفاعلة التي لا تقتصر على متابعة لافتات المرشحين المجهولين والاختيار عشوائياً بينهم، بل تمتد لتشمل تشكيله و انضمامه لكيانات سياسية تمثل أفكاره وطموحاته وتعبر عن رأيه الموافق أو المعارض للسلطة في إطار مصلحة الوطن ..

وحينما يقرر العمل والابداع والتميز في مجال عمله بما يضمن مكانة لمصر وسط الكبار! 

في نهاية الأمر، قناعتي هي أن الباحث عن الأفضل من بين بايدن و ترامب هو كمن يبحث عن زوجة مناسبة داخل بيت للدعارة !

نحن فقط نبحث عمن هو أقل خطراً علينا في المرحلة الحالية، حتى نستعيد كامل قوتنا كما ينبغي لمواجهة كافة التحديات التي تحدد طبيعتها شخصية الفائز في الانتخابات الرئاسية الأمريكية !

حفظ الله مصر.

Saturday, September 26, 2020

ما يحتاجه الرئيس .. !

 

رغم وقوفي بثبات و دون تردد في جانب الوطن و الرئيس و الجيش كخيار لا رجعة عنه و لا داعٍ لمناقشة حيثياته، إلا أنني لست مؤيداً أو موافقاً من الأساس على انخراط كافة وسائل الإعلام المصرية المرئية والمسموعة والمقروءة ، على مدار الساعة ومن خلال الفضائيات والإذاعة والصحف، بل وحتى من خلال اللافتات في الشوارع ولوحات الإعلانات على الطرق السريعة، في سرد تفاصيل المؤامرات والتحالف مع أعداء الوطن، ونشر صور وفيديوهات أحداث العنف وجرائم القتل والاغتيالات وتفجير الكنائس التي قامت بها جماعة الإخوان المسلمين خلال الأعوام الماضية، وكأن ذلك هو ما سيمنح الشرعية للرئيس كلما برزت دعوات التظاهر وإسقاط النظام والتحريض على الجيش من هنا أو هناك !!

فالرئيس جاء من خلال انتخابات راقبتها المنظمات الدولية، وشهد العالم بنزاهتها، والحكومة جاءت بتكليف من الرئيس المنتخب، و الجيش لا يحتاج لمن يسرد إنجازات الرئيس لكى يستمر في تأدية واجبه التاريخي في حماية هذا الوطن كما فعل في يوليو و أكتوبر يونيو !

قناعتي الراسخة هي أن ما يحتاجه الرئيس فعلاً ليقف بقوة في وجه مخططات القوى الخارجية و عملائها في الداخل هو الدعم الحقيقي له ولسلطاته الدستورية من خلال كيانات سياسية قوية تمثل الشعب المصري وتعكس حجم تأييده لقيادته، وذلك لن يتحقق إلا من خلال إتاحة الساحة السياسية لكل الأصوات الوطنية ومنح المزيد من الحريات لأولئك الذين يضعون مصلحة الوطن ومستقبله كأولوية قصوى، حتى وإن اختلفت رؤاهم  مع تلك التي تمتلكها السلطة ومن يوالونها، والعمل على إزالة العقبات التي تحد من قدرتهم على التواصل مع السلطة من جانب و مع جموع الشعب من جانب آخر، فتقدم الأمة لن يتأتى من خلال برلمان الصوت الواحد، والمستقبل لا يمكن رؤيته من خلال منظورالعين الواحدة!

ما يحتاجه الرئيس هو وصول صورة الداخل المصري الحقيقية للعالم لدحض الصورة الكاذبة و المشوهة التي تروج لها أبواق الغرب و جزيرة قطر و قنوات الخليفة العثماني في اسطنبول و ذلك لن يتحقق إلا بانتهاج سياسة إعلامية جديدة تعتمد على الشفافية و تنمية الوعي و مخاطبة الخارج بلغته التي يفهمها و توظيف من يمتلكون الخبرة العملية و القبول لدى المستقبلين و من يجيدون استخدام أدوات الإعلام بكل ألوانها المرئية و المسموعة و الرقمية و ليس الاعتماد على الخطاب المعتاد الذي لا يختلف كثيراً عن مثيله في خمسينيات و ستينيات القرن الماضي و لكن مع إضافة المزيد من الألوان فقط هذه المرة!

ما يحتاجه الرئيس هو أن تتخلى الحكومة عن النظرة الاستعلائية تجاه الشعب و أن تبذل كل ما في وسعها لتشرح لرجل الشارع البسيط، والفلاح في قريته، والعامل في مصنعه، بل وللشاب في مدرسته وجامعته، كيف تم إنشاء بنية تحتية كاملة شملت شبكات الطاقة و الطرق و المرافق، و كيف تم خفض عجز الموازنة، و كيف تم زيادة التصنيف الائتماني السيادي، و كيف تم تقليص نسبة البطالة، و كيف تراجعت معدلات التضخم، و كيف زادت احتياطات النقد الأجنبي، و كيف تمكنت مصر رغم كل الظروف من زيادة الناتج المحلي الإجمالي بصورة ملحوظة، و كيف تؤثر الإجراءات التي تم تنفيذها لتمويل و تنفيذ كل ذلك على كل فرد منهم في الحاضر و المستقبل، و كيف سيتم بذل المزيد من الجهد للوصول إلى ما نص عليه الدستور من مخصصات للتعليم و الصحة و العدالة الاجتماعية، بدلاً من تركهم فريسة لإعلام المرتزقة الذي يزرع داخل عقولهم أكاذيب غياب الإنجازات، و ادعاءات انهيار الاقتصاد، و زيادة العجز، و انعدام الأمل في مستقبل مشرق!  

ما يحتاجه الرئيس هو أن يدرك، أنه وبالرغم من أن اختياره للقيادة كان قراراً من الشعب تطلبته أهداف قصيرة الأجل و ضرورات مرحلية على رأسها حفظ وحدة التراب الوطني و الإبقاء على الحد الأدنى اللازم من سيادة الدولة، و هو ما أكده هو بلسانه في أكثر من مناسبة، أنه تحول لقيادة تاريخية طالما انتظرها الشعب ليتمكن من خلالها من تحقيق الرخاء الذي يتطلع إليه كل المصريين من أجل مستقبل أفضل لأبنائهم !

و لا اظنك عزيزي القارئ ستختلف معي في أن الأهداف القصيرة الأجل لاختيار الرجل أوجبت عليه التركيز في السنوات الأولى لحكمه على محاربة الإرهاب، و تطوير قدرات القوات المسلحة، و إعادة هيكلة منظومة العلاقات الخارجية خلال أقل فترة  ممكنة، بينما تتطلب القيادة الاستثنائية ما هو أصعب من ذلك بكثير .. !

فبناء الوطن ووضع لبنات مستقبل واعد تتطلب قرارات صعبة بضرورة القضاء على كل علاقة لمؤسسات الدولة و الرئاسة برموز الحقبة السابقة، بكل ما تحمله الكلمة من معنى، و ذلك لا بد ان يشمل الوجوه التي سئمها الجميع ، والعقليات المهترئة التي لا يمكنها الخروج من حقبة القرن الماضي، والاستراتيجيات الاقتصادية العقيمة التي لا تعتمد في تنمية الموارد سوى منطق أمراء المماليك بتنمية الموارد عن طريق فرض المزيد من الضرائب و الاستمرار في زيادة الرسوم يوماً تلو الآخر دون طرح رؤية واقعية لكيفية تحمل الطبقات الكادحة لكل هذه الأعباء بعيداً عن الشعارات الجوفاء وقصائد التغزل في قدرة المصريين اللامحدودة على تحمل كل شيئ من أجل الوطن، ففي النهاية هناك لدى هؤلاء أفواه يجب إطعامها، وأجساد يلزم كسوتها، ولا بد من بلورة رؤية لكيفية التخفيف من وطأة الضغوط الاقتصادية الملقاة على كاهلهم قبل أن ينفجروا من جديد في غمرة انشغال القيادة بالمشاريع الضخمة و الأحلام الكبرى والمستقبل الواعد، و هو الانفجار الذي ينتظره الكثيرون في الداخل والخارج للانقضاض على مصر من جديد!

ما يحتاجه الرئيس هو برلمان تفرزه عملية انتخابية حقيقية وبيئة سياسية صحية، وليس برلماناً فشل من انتخبوه في التعرف على خلفيات مرشحيه السياسية و انتماءاتهم الأيديولوجية و رؤيتهم الخاصة للجمهورية الجديدة، ولم يكن أمامهم إلا خيارين: الأول هو إيثار السلامة و الامتناع عن التصويت و تجنب عناء الوقوف في طابور الانتخاب للتصويت لصالح من لا يعلمون عنهم شيئاً، و الثاني وهو بذل قصارى الجهد لاستبعاد من يعلمون فسادهم، ثم الاختيار عشوائياً من بين من تبقوا بافتراض إخلاصهم و نبل الأهداف التي سعوا من أجلها لخوض غمار المعترك الانتخابي و انتفاء خدمتهم لمصالح خفية أو أطراف خارجية.

و في ظل تلك المعطيات أصبح وجود برلمان يمثل كافة الأطياف السياسية والأصوات الوطنية مجرد حلم لم يمكن تحقيقه في ظل إعلان أغلبية النواب في البرلمان الحالي عن قيام ائتلاف "دعم الدولة المصرية" تنفيذاً لرغبة الرئيس في وجود جبهة برلمانية موحدة، و توقيعهم وثيقة يؤكدون فيها تجردهم من انتماءاتهم الحزبية وميولهم الفكرية واتجاهاتهم السياسية التي اختارهم الشعب الذي يمثلونه على أساسها، وهو ما أراه سيتكرر من جديد في انتخابات أكتوبر 2020 ولكن تحت مسمىً جديد هو "القائمة الوطنية من أجل مصر" والتي تضم عدداً من الأحزاب السياسية ضمن قائمة انتخابية موحدة هم حزب مستقبل وطن، حزب الوفد، حزب حماة الوطن، حزب مصر الحديثة، الحزب المصرى الديمقراطى، حزب الشعب الجمهورى، حزب الإصلاح والتنمية، حزب التجمع، حزب إرادة جيل، حزب الحرية المصرى، حزب العدل، حزب المؤتمر، بالإضافة لتنسيقية شباب الأحزاب، وهي القائمة التي لا أرى إلا أنها سترسخ لمشهد "الصوت الواحد" و ستستكمل مسلسل دعم الحكومات التقليدية التي تنتظر التعليمات و تتوقع المكافاة في المقابل، بما سيقضي في النهاية على آمال إنشاء قواعد انتخابية للأحزاب ويستبعد أولويات التواصل مع الجماهير وخلق وعي سياسي و اقتصادي و اجتماعي و تنمية إدراك حقيقي لدى الشعب لصالح أولويات قصيرة الأجل لا تتعدى تحقيق بضع مكاسب انتخابية والحصول على عدد لا بأس به من المقاعد تحت قبة البرلمان !

 ببساطة .. سيجد الرئيس الدعم دون دعوات، و دون هاشتاجات، ودون طلبات للتفويض و دون مسيرات و دون لافتات و دون صخب حين يشعر المصريون أنهم شركاء حقيقيون في نجاح الوطن و ليس مجرد أدوات يمكن استدعاؤها حين يتعلق الأمر بتحمل أعباء الإصلاح أو رفض دعوات الفوضى، وحينها فقط سيجد أعداء الوطن صعوبة كبيرة في إثارة القلق و إشعال الفتنة و إسقاط الدولة باستغلال نصاب هارب و قناة عميلة و جماعة مارقة، لأنهم سيضطرون حينها لمواجهة أمة بأكملها و شعبٍ بكامل أطيافه و انتماءاته، و ليس مجرد شخص الرئيس فقط! 

تحيا مصر و حفظ الله قيادتها وشعبها العظيم.