Wednesday, December 6, 2017

التحالفات الشيطانية .. في دهايز المتاهة اليمنية !

 بقلم : إيهاب الشيمي
تم نشر المقال في سبتمبر 2014 في روزاليوسف المصرية
رابط المقال

"الأرض بتلف !! يعني بالليل تبقى دكانتي في باب الشعرية .. أدور عليها الصبح ألاقيها  في روض الفرج؟!"

مشهد لا يمكن نسيانه من مسرحية "السكرتير الفني" للعظيم "فؤاد المهندس" حول مواجهة البعض لصعوبات بالغة  في فهم الكثير من الحقائق التي تحكم عالمنا، و هو ما يمكن إسقاطه على الكثيرين ممن تابعوا المشهد اليمني خلال اليومين الماضيين حيث باتوا ليلتهم و العاصمة اليمنية صنعاء قلعة حصينة في وجه المتمردين "الحوثيين"، الذين يتوعدهم قادة القوات المسلحة اليمنية بالهلاك حال محاولتهم اقتحامها، ليستيقظوا في الصباح الباكر و قد اختفى من المشهد أي أثر للقوى  الأمنية الحكومية، أو ألوية الجيش اليمني، وسط انتشار كثيف لميليشيات "الحوثيين" في كل ركن من أركان العاصمة، بل و في قلب قيادة القوات المسلحة ذاتها، في مشهد يعيد للأذهان بصورة متطابقة تقريباً، ما حدث في بغداد في العام 2003 حين خلدنا جميعاً للنوم و صدام يقف شامخاً وسط جنوده مهدداً أمريكا بفناء قواتها، لنستيقظ في الصباح التالي على مشهد تمثاله و هو يسقط في وسط بغداد بينما تحيط به مدرعات و جنود المارينز!

و لكي أبسط لك المشهد اليمني عزيز القارئ، فلا بد ان ألفت نظرك في البداية أنه ليس بسهولة المشهد السوري الذي تتحكم فيه قوتان أو ثلاث على الأكثر، أو المشهد الليبي الذي تتصارع فيه قوتان واضحتان. فالمشهد اليمني ذو أبعاد زمنية أكبر من كلاهما، كما أن أطراف الصراع فيه تجعله اقرب إلى دوري كرة القدم الذي تتصارع فيه العديد من الفرق الكبيرة و الصغيرة على اختلاف امكانياتها و مهارات لاعبيها السياسية و الاستراتيجية، و امكانيات رعاتها المادية  للفوز بكأس السلطة، او الحصول على ميدالية الوصيف على أسوأ تقدير.

و يمكن تصنيف الفرق على النحو التالي:

الفريق الأول:  فريق ذو لاعب واحد يشغل كل المراكز و هو "علي عبد الله صالح" رئيس حزب "المؤتمر الشعبي العام" الذي تولى السلطة منذ 1978 و حتى قيام الثورة ضده في العام 2011

الفريق الثاني: "الإخوان المسلمون" و يمثلهم ذراعهم السياسي في اليمن "حزب التجمع اليمني للإصلاح" الذي تم تاسيسه في العام 1990 من رحم ميليشيات "الجبهة الإسلامية" المسلحة التي ظهرت في 1979، و يضم الحزب تحت لواءه أيضا بعض السلفيين و معتنقي المذهب الوهابي بقيادة  "علي محسن الأحمر" و "عبد الله الأحمر" و "عبد المجيد الزنداني"

الفريق الثالث: المتمردون الحوثيون و يمثلهم حركة "انصار الله" بقيادة ابن مؤسسها بدر الدين الحوثي في العام 1992 حسين الحوثي و أخوته عبد الملك و يحيى المنتمين للطائفة الزيدية الشيعية التي سبق و ان سيطرت على اليمن من خلال حكم "الإمامة" منذ الاستقلال عن العثمانيين في العام 1918 و حتى إعلان الجمهورية في 1962.

الفريق الرابع: تنظيم القاعدة في اليمن، و هو أحد فصائل القاعدة في جزيرة العرب و الذي بذأ نشاطه في اليمن منذ العام 1998 و حتى اليوم.

الفريق الخامس: الانفصاليون من اليمن الجنوبي الذين يعارضون الوحدة الاندماجية و يرون أنها رسخت لسيطرة الفريقين الأول و الثاني على الجنوب و إقصاء الجنوبيين عن الحكم و التمكين، فيما يشبه الاحتلال و ليس الوحدة، و يقودهم رموز "الحزب الاشتراكي" الذي حكم اليمن الجنوبي منذ الاستقلال في العام 1967 و حتى الوحدة في 1990.

و كأي مسابقة للدوري في أي بلد في العالم، فإن الفرق و مناصريها قد يشجعون فريقاً آخر ضد فريق ثالث، ثم يعودوا لتمني خسارته في جولات لاحقة، حتى يخسر نقاط تمكنهم من البقاء في الصدارة وحدهم، و هذا بالضبط ما يحدث في اليمن، فأصدقاء اليوم هم أعداء الغد، و فرقاء الأمس، هم حلفاء المستقبل، فلا شئ يهم سوى الحفاظ على السلطة.

و باستقراء الانتماءات السياسية  و المعتقدات المذهبية للفرق المتنافسة، و الموقع الجغرافي و التأثير الإقليمي لليمن، يمكنك أن نستشف من هم الرعاة الرسميون للدوري و الذين لن يخرجوا عن المملكة العربية السعودية الممثلة للقوى السنية المحافظة المتثلة في نظر الرياض في حزب الإصلاح، والراعي الرئيسي الثاني وهو نظام الثورة الاسلامية الحاكم في طهران و المحرك الرئيسي للمد الشيعي في الشرق الأوسط و آسيا الوسطى، و الذي يعتبر دعمه للأقليات الشيعية حول العالم سبباً رئيسياً لإقناع شعبه ببقاء نظام الملالي حاكماً لهم، و هو بالتالي يوفر كل الدعم لميليشيات الحوثي!

و تبدأ الحكاية منذ سقوط نظام حكم "الإمامة الزيدية" في الأجزاء الشمالية من اليمن في عام 1962 و تحول الحكم للنظام  الجمهوري بدعم من الضباط الأحرار في مصر في ذلك الوقت، و الذي وقفت ضده الحكومة السعودية حينها لما يمثله من خطر على نظام الحكم الملكي فيها أيضاً، بينما بقيت الأجزاء الجنوبية من اليمن خاضعة للإحتلال الانجليزي حتى عام 1967.

 و بعد استتاب الأمر للنظام الجمهوري في الشمال، تعاقبت العديد من الانقلابات على اليمن الشمالي،  حتى استولى "علي عبد الله صالح" على الحكم في العام 1978. و لكي يضمن "صالح"  بقاءه في السلطة، و دعم الدول الكبرى , المحيطة له بالمال و السلاح، فقد تحالف مع ميليشيات "الجبهة الإسلامية" المحسوبة على "الإخوان المسلمين" في اليمن في حرب خاضوها سويةً ضد "الحزب الاشتراكي" ذو الأيديولوجية الشيوعية الحاكم في اليمن الجنوبي، و بذلك ضمن تدفق المال و السلاح إليه من المملكة العربية السعودية من خلال حليفه "الجنرال علي محسن الأحمر" الذي ضخت السعودية المال و السلاح من خلاله لوقف الخطر الشيوعي القادم من الجنوب، كما أنه وجد في الأمر فرصة سانحة لتلقي الدعم المباشر لنظام حكمه من الولايات المتحدة الامريكية بصفته مدافعاً عن المبادئ الغربية في وجه حلفاء الاتحاد السوفييتي.

و لضمان استتاب الأمر له في الداخل، قام "صالح" بتأسيس "حزب المؤتمر الشعبي العام" في العام 1982ليكون ظهيرا له في الحكم ضد معارضيه، و بدأ في ضم قيادات القبائل و العشائر اليمنية، و النخب السياسية، و الاجتماعية لهذا الكيان فيما يشبه مجلس مصالح كبير لا تحكمه أو تميزه أية أيديولوجية سياسية أو فكرية، ليترأسه هو و يضمن به سيطرته التامة على مقاليد الأمور في البلاد.

و عقب انهيار أسس حكم "الحزب الاشتراكي" في اليمن الجنوبي نتيجة الانهيار المفاجئ لحليفه الرئيسي "الاتحاد السوفييتي" في عام 1990، وافق قادة الشطر الجنوبي على اتفاقية الوحدة مع الشمال، على أن يكون "صالح" رئيساً لليمن الموحد، و يكون "علي سالم البيض" رئيس الحزب الاشتراكي نائباً له.

و في نفس العام 1990، قرر "الإسلاميون" برعاية الجنرال "محسن لأحمر" و الشيخ "الزنداني" الذي تحول من الزيدية إلى الوهابية بعد إقامته في السعودية لفترة، تأسيس "حزب الإصلاح" ليكون واجهة سياسية لميليشيات "الجبهة الإسلامية" تستطيع المشاركة من خلالها في صنع القرار مع "المؤتمر الشعبي العام"، و إضفاء المزيد من الشرعية و النفوذ على حليفهم "صالح"، و هو ما حدث بالفعل، حيث أسند صالح للأحمر مهام قيادة القوات المسلحة اليمنية، و أسند للزنداني كل ما يتعلق بأمور التعليم و انشاء المدارس و المعاهد في اليمن، و هو ما دفع الإخوان المسلمين ليتصدروا المشهد من خلال استقدام المعلمين و الشيوخ المنتمين لهم للتدريس في هذه المعاهد و المؤسسات الدينية الملحقة بها.

و لكن منح "صالح" لكل هذا النفوذ لحلفاءه فقط، أثار غضب الجنوبيين الذين وجدوا أنفسهم و قد تم إقصائهم من كل أوجه الحياة، بداية من تسريحهم من القوات المسلحة، و نهاية بتفضيل الأقاليم الشمالية على مثيلتها الجنوبية في الخدمات و التمثيل السياسي و النيابي. و أدى كل ذلك لظهور ما يمكن تسميته بالتمرد من قادة و زعماء القبائل التي وجدت نفسها و قد تم اسناد إدارة كل مناطقها إلى محافظين كانوا عسكريين سابقين في نظام "صالح" و هو ما دفع الأمور باتجاه نشوب حرب صيف 1994 و اجتياح "عدن" عاصمة الجنوب بقوات الجيش اليمني بقيادة "علي محسن الأحمر" حليف "صالح" و ذراع الإسلاميين في المؤسسة العسكرية. و لكن عقب هذه الحرب تصاعدت الاحتجاجات في الجنوب و ظهرت حركة "الحراك الجنوبي" التي لم تعد تنادي بالمساواة مع الشمال، بل باتت تدعو للانفصال من جديد عن اليمن الشمالي، و هو ما شكل خطراً كبيراً على نظام "صالح" و حلفائه "الإسلاميين".

و في الشمال و تزامناً مع ما يحدث في الجنوب في نفس الفترة، و استمراراً لرفض طوائف أخرى لسياسات التفرقة التي مارسها "صالح" و "الإسلاميين"، أنشأ "حسين الحوثي" ما يعرف بحركة "أنصار الله" في عام 1992، و هي ما عرفت لاحقاً بحركة "الحوثيين" نسبة إلى الرجل. و اتخذت الحركة من "صعدة" في الشمال مقراً لها، و انطلقت منها معارضتها لنظام "صالح" التي رأت أنه يستهدف الطائفة "الزيدية" و تاريخها و تراثها و وجودها لما تشكله من خطر على نظامه لتاريخها السابق في حكم اليمن. و نتيجة لاشتباكات متقطعة بين الجانبين، نشبت الحرب بينهما في صعدة و  قتل على أثرها مؤسس الحركة "حسين الحوثي" في العام 2004، و تسلم القيادة منه شقيقه الأصغر عبد الملك، و الذي خاض خمسة حروب أخرى مع "صالح" و حليفه "حزب الإصلاح" و امتد الأمر للاشتباك داخل المملكة العربية السعودية و قتل جنود سعوديين في العام 2009 بعد اتهام "الحوثيين" للسعودية بدعم "صالح" و "الإصلاح" على أساس طائفي ضد "الحوثيين" الشيعة، و هو ما ردت عليه الطراف الثلاثة بوجود أدلة قطعية لديها بتمويل و دعم الحرس الثوري الإيراني للحوثيين من أجل دعم المد الشيعي جنوب المملكة.

و وسط كل هذه الاضطرابات في الشمال و الجنوب و صراع الفرق الأربعة "صالح" و "الإصلاح" و "الحراك الجنوبي"، و "الحوثيين"، وجد  "تنظيم القاعدة"  الفرصة الذهبية لبسط  نفوذه في جنوب الجزيرة، و قتال حلفاء النظام السعودي، الذي يكفره "بن لادن"، و المنهكين أصلاً بالقتال على جبهتين. و بدأ التنظيم فعلاً في عمليات خطف و قتل لأجانب بحجة طرد "الكفار" من جزيرة العرب في عام 1998، و تصاعدت الأمور بشدة حتى الوصول لحادث تفجير المدمرة الأمريكية كول في اليمن في العام 2000، و هو ما دعى الولايات المتحدة لاحقاً لدعم نظام "صالح" من جديد بالمال و السلاح بحجة القضاء على الإرهاب في اليمن، و هو ما أجج الغضب ضد نظام "صالح" ليس في مناطق الصراع مع "الحوثيين" و "الجنوبيين" وحدها، و لكن أيضاً في وسط اليمن بعد أن قتلت الغارات الأمريكية اليمنية المشتركة من المدنيين أضعاف ما قتلت من المنتمين للتنظيمات الإرهابية، و هو ما استمر باستخدام الطائرات بدون طيار حتى بعد قيام الثورة بموافقة الرئيس  الحالي "هادي".

الفصل الأخير من مسابقة الدوري، هو ما حدث عقب الثورة ضد "صالح" في 2011، فلقد تخلى حزب "الإصلاح" عن تأييده العلني لصالح،  بل و أعلن "الأحمر" انضمام الجيش لمطالب "الحوثيين" و "الحراك الجنوبي" بضرورة تنحي "صالح" تماماً. كما دفع "الإصلاح" بكوادره الشبابية لتنضم لمئات الالاف من الشباب في "ميدان التغيير" ليسيطروا على فعالياته الثورية، و يغيروا من نبرة و مطالب الثورة، و رفع صوت المطالب المنادية بالتوافق و المصالحة و ضرورة مشاركة الجميع، لا لشئ إلا لضمان بقاء مناطق نفوذ "الإصلاح"، و الدليل أنهم ظلوا ينسقون مع رموز الفساد و المحسوبية في "المؤتمر الشعبي العام" حتى هذه اللحظة للسيطرة على مفاصل السلطة بعد التضحية بصالح ككبش فداء. بل إنهم تمادوا في الأمر لدرجة اشتباك القوات الموالية للجنرال "محسن الأحمر" مع قوات الحرس الجمهوري التابعة لأحمد الإبن الأكبر للرئيس المعزول "علي عبد الله صالح"!

يتبقى لي هنا أن أقول لك يا سيدي، ان سيطرة الحوثيين على صنعاء هذا الأسبوع، لم تكن مفاجئة لمن يتابع المشهد كما قرأت، فانشغال فرق الجيش في الصراعات مع القاعدة، و مع الحراك الجنوبي، قلصت من حجم القوات التي كان يمكنها أن تقف في وجه "الحوثيين"، و لكن دعني أفاجئك لأقول لك، أن الحوثيين لم يكونوا لينتصروا إلا بدعم معلوماتي و مادي و لوجيستي من "صالح" نفسه الذي كان عدوهم اللدود، و الذي وفر لهم كل إمكانياته في الفترة الأخيرة من قنوات تليفزيونية تابعة له لتكون منبراً لهم، و بتوفيره معلومات عن الجيش اليمني و اماكن تمركزه و حجم قواته، لكي ينتقم من "الأحمر" الذي تخلى عنه، و ينتقم من الدول المجاورة التي  جعلته كبش فداء مقابل ضمان استقرار اليمن و المنطقة بأسرها، و لكي تتأكد من ذلك التحالف المريب، فعليك عزيزي القارئ أن تراجع  إعلان اللواء 63 المكلف بحماية مقر القيادة العامة للجيش تأييده للحوثيين حين اقتحموا صنعاء، و هو لواء تابع للحرس الجمهوري القديم الذي مازال يدين بالولاء لصالح و أسرته. و هكذا  وجد "الحوثيين" صنعاء و قد أصبحت لقمة سائغة  ليملأوا سماءها و شوارعها بمظاهر انتصارهم، و ليبقى الخاسر الوحيد هو كل يمني مخلص يحلم بيمن موحد و متقدم و مستقر
.

No comments:

Post a Comment