Friday, March 11, 2016

عفواً سيادة الرئيس .. !

إيهاب الشيمي

 عفواً سيادة الرئيس ..
إما أنك تدرك أن اختيارك للقيادة كان قراراً من الشعب، تطلبته أهداف قصيرة الأجل و ضرورات مرحلية على رأسها حفظ وحدة التراب الوطني و الإبقاء على الحد الأدنى اللازم من سيادة الدولة التي تآكلت بفعل ثلاثة عقود من الفساد و هو ما أكدته أنت بلسانك منذ أسابيع قليلة ..

أو أنك ترى في نفسك القيادة التاريخية التي طالما انتظرها الشعب و التي يمكن من خلالها تحقيق الرخاء الذي يتطلع إليه كل المصريين من أجل مستقبل أفضل لأبنائهم !

و لا اظنك ستختلف معي في أن الخيار الأول يوجب عليك فقط التركيز على محاربة الإرهاب، و تطوير قدرات القوات المسلحة، و إعادة هيكلة منظومة العلاقات الخارجية خلال الفترة الرئاسية المتاحة طبقاً للدستور، و دون الحاجة لتذكيرنا كلما سنحت الفرصة لذلك بكل تلك الجهود الخارقة لبناء عاصمة جديدة و ازدواج المجرى الملاحي للقناة و الهرولة لزراعة مليون و نصف المليون فدان، و هي أمور لا علاقة لها بذلك الخيار و أهدافه، بل و لم يقم الشعب بثورتين و هي على قائمة مطالبه من الأساس !

أما الخيار الثاني، لو أردت أن يكون ذاك هو ما تريد، فيتطلب منك بالإضافة لكل تلك الجهود ما هو أصعب منها بكثير .. !
فهو يتطلب قراراً صعباً بضرورة القضاء على كل علاقة لمؤسسات الدولة و الرئاسة بنظام مبارك بكل ما تحمله الكلمة من معنى .. و ذلك لا بد ان يشمل الوجوه التي سئمها الجميع ، و العقليات المهترئة التي لا يمكنها الخروج من حقبة القرن الماضي، و الاستراتيجيات الاقتصادية العقيمة التي لا تعتمد في تنمية الموارد سوى على النظرة الاستعلائية للحكومة تجاه الشعب و محدودي الدخل و العودة لمنطق أمراء المماليك بتنمية الموارد عن طريق فرض المزيد من الضرائب و الاستمرار في زيادة الرسوم يوماً تلو الآخر دون طرح رؤية حقيقية للحلول ..

رؤية لتنمية الصناعة بشكل حقيقي عن طريق دعم استيراد المعدات اللازمة و العمل على تكوين خريطة كاملة لكيفية استغلال و استخراج الخامات اللازمة لها و استيراد ما لا يتوافر منها فقط، و خلق شبكات الطرق و الطاقة الجديدة بالشكل الذي يدعم هذه الصناعات، و تصنيف الصناعات الواجب دعمها طبقاً لأهميتها للاقتصاد الوطني و إمكانية تكاملها مع صناعات و أنشطة أخرى لخلق فرص عمل اشمل و أوسع، و ليس فقط قصر الدعم على منح المزيد من الإعفاءات الضريبية و خفض رسوم الوقود و الطاقة التي لا تصب في النهاية سوى في خانة أرباح أباطرة الصناعة فقط ..

رؤية لتنمية الصادرات ، و جذب الاستثمارات لتنمية الاحتياطيات الحقيقية و الفاعلة للنقد الأجنبي، و ليس تلك الاموال الساخنة التي تعتمد فقط على سعر الفائدة المرتفع، و ضبط سعر الصرف بصورة هيكلية تضمن مصلحة المستثمر و الدولة في آن واحد، و ليس فقط عن طريق العمل على تقييد التعامل في النقد الأجنبي و تقييد الواردات و تقييد قدرة المستثمر على الاستفادة من أرباحه و تحويلها للخارج كما حدث طوال العامين الماضيين مما أدى في النهاية لانهيار الاحتياطي إلى ما يقارب النصف تقريباً وصولاً إلى إلغاء هذه القرارات و لكن بعد فوات الكثير من الوقت الذي كان من الممكن تداركه ..

رؤية للاستفادة من الموارد السياحية الطبيعية و الأثرية تشمل تغيير عقلية القائمين على قطاع السياحة أنفسهم بدءاً من القمة حيث يقبع رؤساء هيئات تنمية و تنشيط السياحة و نزولاً إلى أصغر حارس على مقبرة وسط الصحراء، و مروراً بأولئك الذين كسروا ذقن توت المسكين و أعادوا لصقها بالغراء في المتحف المصري، بل و تمتد لتغيير نظرة العاملين بقطاع السياحة و الشعب نفسه للسائحين كسفراء لنا حين عودتهم لديارهم، و ليس كنعاج يجب أن نجتز آخر شعرة صوف من على أجسادهم قبل أن يمكنهم المغادرة ..

رؤية لتغيير العقيدة الأمنية لدى أجهزة الشرطة التي ظهر جلياً مؤخرا أنها تحتاج للكثير من التقويم، و تغيير أساليب التدريب ليمكنهم حماية أنفسهم أولاً قبل أن يستطيعوا حمايتنا بدلاً من كل تلك العشوائية في تأمين التمركزات الثابتة و المتحركة، و التي لم تصل بهم سوى لتقديم المزيد من الضحايا بسبب تكرار نفس الأخطاء و الخوف من طرح أفكار جديدة على قيادات أكل عليها الدهر و شرب، أو بسبب ما أخشاه بصورة اكبر، و هو غياب الأفكار كلية عن أذهان الجميع من الأساس ..

رؤية لكيفية استغلال الموارد المحدودة المتاحة حالياً للتخفيف من وطأة الضغوط الاقتصادية الملقاة على كاهل السواد الأعظم من الشعب الذي تمثله الطبقة الفقيرة و المتوسطة قبل أن ينفجرا من جديد في غمرة الانشغال بالمشاريع الضخمة و الأحلام الكبرى، و هو الانفجار الذي أشك أن سيكون له خطوط حمراء في هذه المرة ..

و قبل ذلك كله .. رؤية لتطوير آليات و أساليب القيادة نفسها، آليات تحكمها خطوط عريضة لمعايير تقبل النقد بعيداً عن مشاعر الغضب أو الذاتية، و تحدد معايير السعي لطلب النصيحة من أولي الخبرة و الكفاءة، و تضع قواعد الحالات التي يجب فيها الاعتراف بالخطأ حين يتطلب الأمر ذلك لضمان الشفافية الكاملة، تلك الآليات و القواعد التي لا بد من إرسائها بدلاً من اللجوء دوماً لادعاء امتلاك الحقيقة المطلقة و فساد كل رأي يخالف رأي القيادة، و هو ما لن يفلح سوى في إعادتنا لمرحلة ما قبل الثورة التي تؤكد أنت يا سيادة الرئيس أنها كانت حتمية، و أنها من جاءت بك من بين صفوف الشعب لتكون عوناً له على تحقيق مطالبه !

للأسف .. فكما أطالبك بإشراكنا جميعاً في كل قرار يتعلق بمستقبل هذا الوطن، فلن أستطيع أن أفعل ذلك هنا .. فالقرار هنا لن يأخذه سواك ..

عليك أنت فقط أن تختار أي نوع من القادة ما تفضل أن تكون عليه !

No comments:

Post a Comment