Monday, June 1, 2020

مال القرد .. و أشياء أخرى !


إيهاب الشيمي

"هناك من يظن أن خروج النفط صدفة أثناء حفر بئر للماء عام 1930 جعل من بلده دولة كبرى!
عفوا .. الكبار لهم شأن آخر"

كانت هذه كلماتي منذ خمس سنوات إلى خاشقجي والحميد رأسي حربة الهجوم على مصر في الإعلام السعودي قبل أن تدرك الرياض أن حليفها الوفي هو القاهرة وليس الدوحة و أنقرة!

وبالرغم من كون مواقف الحميد السابقة لهذا الهجوم تندرج ضمن الموضوعية تجاه مصر، إلا أنه وخاشقجي تمترسوا داخل خندق واحد للهجوم على كل ما هو مصري سياسياً واقتصاديا بعد دعمها لوحدة الأرض والسلطة في سوريا وتصويتها لمشروع قرار روسيا داخل مجلس الأمن وهو ما اعتبرته الرياض خطيئة في حقها و كأن تحالفها و دعمها لمصر عقب ثورة الثلاثين من يونيو يوجب علينا التبعية ! 

ما حدث بعد ذلك، نعرفه جميعاً، فعلاقات الرياض و القاهرة استعادت حيويتها بعدما تكشفت خيوط خيانة الدوحة للتحالف العربي في اليمن، و استغلال أنقرة للرياض لتحقيق مصالحها في سوريا، و سعي أردوغان لتهميش السعودية ليتولى هو و حزبه قيادة العالم الإسلامي و إحياء حلم الخلافة العثمانية !

و لكن..
ما الداعي أن أستعيد كل تلك الأحداث و أستدعي إلى ذاكرتكم كل تلك الخلافات والتناقضات مادامت الأمور على ما يرام الآن ؟! 
ببساطة .. لأن ذلك ما يحدث الآن ولكن مع دولة خليجية أخرى باستخدام نفس الأساليب، و بدعم خفى من أدوات الإخوان هناك، وبصمت رسمي نعتبره في مصر "علامة الرضا"

و قد لا يبدو لك الأمر كذلك أيها المتابع للأمور، فما يحدث من هجوم متصاعد على مصر و مواطنيها هناك قد يبدو لك مجرد مجموعة من الحماقات العشوائية، و لكن الأمر ليس كذلك للأسف !

فالحماقات العشوائية لا يرتكبها نواب في مجلس الأمة ..
الحماقات العشوائية لا يرتكبها رؤساء تحرير صحف كبرى ..
الحماقات العشوائية لا يترتب عليها إجراءات عقابية مجحفة و غير مبررة من السلطات الرسمية ضد المصالح المصرية الاقتصادية، و ضد المواطنين المصريين تحديداً دون غيرهم! 
الحماقات العشوائية لا تتضمن إصرار القصر على الوقوف في صف الدوحة أو التظاهر بالحياد تجاه تجاوزاتها ضد دول المقاطعة !
و أخيراً .. الحماقات العشوائية تتطلب رداً مناسباً من الحكومات الحريصة على علاقاتها التاريخية بأشقائها. رد يحسم موقفها و يحاسب مرتكبي تلك الحماقات و يردع من يفكر في اللحاق بركبهم لمصلحة سياسية، أو ثأر شخصي، أو عائد مادي مقابل خدماته التي يمنحها لمن يدفع أكثر !

وهكذا، نجد أنفسنا أمام منظومة كاملة من الهجوم المنسق و المتعمد ضد مصر من كل الأطياف في هذه الدولة بدايةً من وسائل التواصل الاجتماعي، مروراً بجلسات مجلس الامة، ثم قرارات الحكومة ضد المصالح الاقتصادية المصرية، و انتهاءاً بإنكار دور مصر المحوري في استعادة سيادتهم !

المؤسف في كل ذلك، ليس كل تلك الخلافات و كل تلك الحماقات، أو كل ذلك الدعم الخفي لأذناب الدوحة و طهران و أنقرة داخل مجلس الأمة، و لا حتى صمت القصر عن الإساءات المتتالية تجاه مصر !
 و لكن المؤسف هو أن القاسم المشترك بين كل تلك الإساءات هو ذلك الشعور المقيت بالاستعلاء تجاه مصر !
ذلك الشعور الذي يغذيه و بشراهة حجم دخل الفرد في تلك الدولة، و الذي منح مواطنيها منذ مطلع الخمسينيات و بدء تصدير النفط هناك نمطاً مترفاً من العيش، و إحساساً بأن المال يمكن أن يمنحهم السمو و الرقي و الحضارة و العلم و الثقافة و أن من سيبنون لهم دولتهم مجرد مرتزقة لا قيمة لهم !

و الأشد مدعاةً للأسى و الأسف، انهم حين استيقظوا ليجدوا وطنهم وقد ضاع بين ليلة و ضحاها، لم يعودوا لرشدهم ليكتشفوا أن المال وحده لا يبني وطناً، ولكنهم أغرقوا في نرجسيتهم واستعلائهم بادعاء أن استعادة سيادتهم لم تكن نتاج تضحيات ووفاء أشقائهم ولكن بفضل أموالهم التي استأجروهم بها !!

و هنا تماماً يكمن بيت القصيد ..
 المال .. 
فالنفط يشكل ٨٥% من الدخل القومي لتلك الدولة، و هو ما يعني أن انحسار الاعتماد عليه خلال العقود الثلاثة القادمة بفضل التحول للطاقة المتجددة في صناعة السيارات و توليد الكهرباء سيجعل من احتياطي المائة مليار برميل مجرد رقم أجوف لا قيمة له !
و حتى لو افترضنا جدلاً أن النفط لا يمكن الاستغناء عنه كما يدعي البعض، و أننا سنظل مائة عام أخرى نستخدم الوقود الاحفوري حتى على قواعدنا الفضائية على المريخ، فإن معدل الانتاج الحالي لتلك الدولة سيكفيها لمدة ٩٠ عاماً فقط، لتعود بعدها من جديد لصيد الأسماك و الغوص على اللؤلؤ!

وحينها لن يتذكر التاريخ تلك الدولة التي استمر ازدهارها مائة عام فقط، ولكنه سيظل وفياً لتلك الشعوب العظيمة ذات الثقافات المتعدة والاقتصاد المتنوع والحضارة المدهشة التي تؤكد أن "الإنسان" فقط هو الثروة الحقيقة.

و على رأي المثل الشعبي المتوارث لأحد هذه الشعوب العظيمة:
" يا واخد القرد على ماله ..."








No comments:

Post a Comment