Sunday, May 17, 2020

شكراً جيش مصر الأبيض !!




"شكراً جيش مصر الأبيض

جملة يتاجر بها الجميع في الحكومة والإعلام من خلال حملات دعم الأطباء باستغلال معاناتهم في مواجهة الهجوم الشرس لفيروس كورونا، تماماً كما يتاجر داعش و القاعدة و الإخوان و تنظيم بيت المقدس بالدين، و يتاجر ترامب بالسياسة مع الصين، و تتاجر جمعيات استجداء عطف و رقة قلب المصريين بمعاناة و فقر و مرض إخوتنا في الوطن، بل و سعيها الحثيث بلا حياء لنشر مقاطع عطفها على الفقراء و المحتاجين بصناديق الطعام و المؤن لمجرد الاعلان عن أنفسهم دون الالتفات للمهانة و "كسرة النفس" التي يتعرض لها هؤلاء بينما يشاهدهم الملايين على شاشات التليفزيون و هم يتلقون المساعدة

و منذ بدأت الأزمة في مصر في منتصف فبراير الماضي،  و هناك العشرات و ربما المئات من الزملاء و الأصدقاء و المتابعين على السوشيال ميديا ممن يهاجمونني بشدة، بل ومن يتطاولون في بعض الأحيان بسبب انتقادي لفشل وزارة الصحة في إدارة الأمور داخل المستشفيات الحكومية بوضع خطط للطوارئ، و خطط لإدارة الموارد البشرية و المادية المتاحة لتحقيق النتائج القصوى المرجوة من تقليل فرص انتشار العدوى، ومنع إصابة الطواقم الطبية !
  
و كان مبرر هذا الهجوم واحداً لديهم جميعاً،  فحجتهم بكل بساطة أن الطواقم الطبية في العالم أجمع تصاب بالعدوى، وأن ذلك لا يعيب وزارة الصحة المصرية، فهي لا تختلف عن مثيلاتها في أوروبا و الولايات المتحدة و دول الخليج !
  
و لكل هؤلاء، أحب أن أقول لهم: من تتحدثون عنهم من الطواقم الطبية حول العالم ممن يصابون بالعدوى بل و يموتون نتيجة مضاعفات المرض هم الطواقم الطبية التي تعمل داخل مستشفيات العزل مع الحالات شديدة العدوى أو مع المصابين داخل الرعاية المركزة أو من هم على أجهزة التنفس الصناعي، و ليس أولئك القائمون بالعمل في المستشفيات العامة التي تقوم بتقديم الرعاية الصحية العامة لغير مرضى الكورونا و ينحصر دورهم في استقبال بعض الحالات المشتبه بها أو حالات الطوارئ، أو استقبال مرضى العيادات الخارجية، و صرف الحصص الشهرية من الأدوية لمرضى الأمراض المزمنة

‏المؤسف أيها المهاجمون و الغاضبون و المتطاولون و الرافضون لأي انتقاد للسلبيات و وصم من يقوم به بالعمالة و الخيانة، أن عدد الطواقم الطبية في مصر ممن انتقلت لهم العدوى في مستشفيات العزل قليل جدا مقارنة بالعدد الضخم من الطواقم الطبية العاملة بالمستشفيات العامة الكبرى التابعة لوزارة الصحة أو المستشفيات الجامعية

و يمكنكم يا سادة أن تكتشفوا أن سبب تلك المفارقة الغريبة هو عدم وجود مكان مخصص لاستقبال الحالات المشتبه فيها بتلك المستفيات، و عدم توافر مستلزمات الوقاية الشخصية للطواقم الطبية التي تتعامل مباشرةً مع المرضى المترددين على تلك المستشفيات، و ذلك يشمل الكمامات و القفازات و أقنعة حماية الوجه و النظارات و البدلات الواقية بل و حتى المطهرات !

و ما زاد الطين بلة، هو عدم احترام إدارات تلك المستشفيات للتعليمات و البروتوكولات الخاصة بتحديد المكلفين باستقبال الحالات بحيث أنه يمكن تواجد نفس الممرضة في الاستقبال بالأمس، ثم بقسم الرعاية المركزة اليوم، ثم بالعيادات الخارجية غداً، بحجة أن حاجة العمل تتطلب ذلك، و لتذهب محاذير مخالطتها لمرضى محتملين للجحيم، و لنضرب بعرض الحائط باحتمالية نقلها للعدوى لكل من خالطتهم من زملائها في الأقسام الأخرى !

بالطبع سيظهر هناك من بعيد من سيصرخ في وجهي غاضباً و متجهماً و هو يقول : " الكلام دة مش مظبوط يا أستاذ .. الوزارة بتبعت كل المستلزمات دي للمستشفيات و بتنزل كمان منشورات بجداول الكميات و نوعياتها اللي بتروح كل مستشفى .. كفاية إفترا على البلد بقى يا عالم

و لذلك الرجل "المحموق" على سمعة و صورة البلد و كأنه الوطني الوحيد وسط أمثالي ممن يعتبرهم من الخونة والعملاء، أحب أن أقول أن كلامك مضبوط يا سيدي!! 

و لكن دعني أشرح لك بالأرقام من بيان السيدة وزيرة الصحة و الدكتور خالد مجاهد أثناء استجواب السادة نواب الشعب لهم في يناير الماضي حول إحدى المستشفيات بمحافظة الجيزة و هي مستشفى بولاق الدكرور العام ..

فلقد ذكرت الوزارة أن  أن العدد الحالي من القوى البشرية بالمستشفى هو 248 طبيبًا بشرياً، و28 طبيب أسنان، و29 طبيب علاج طبيعي، و83 صيدلي، و256 ممرضًا، و74 فني، و148 إداريًا، أي أن العدد الإجمالي هو 866 و بافتراض أن الفنيين و الإداريين لن يخالطوا المرضى أو الطاقم الطبي ( وهو شيئ مستحيل واقعياً) فسيصبح عدد الطاقم الطبي 644 شخصاً، تقوم الوزارة بإرسال ما يقارب 4500 كمامة شهرياً فقط لهم !

و بافتراض أن كلاً منهم سيستهلك كمامتين فقط في اليوم لترشيد الاستهلاك، و أن الأطباء و الممرضين سيلتزمون بالبروتوكولات الوقائية التي تلزمهم بتغيير القفازات مع كل مريض، فهذا يعني أنهم سيحتاجون  1288 كمامة و 6440 قفازاً يومياً أي ما يساوي 38640 كمامة و 193200 قفازاً شهرياً و هو بالطبع ما يؤكد أن الصورة ليست بتلك المثالية التي كنت تتصورها أيها "المحموق"، خاصةً و أنه حتى ذلك الرقم الذي أتحدث عنه يستثني العاملين و الإداريين الذين لا يقلون تعرضاً للخطر أو احتمال كونهم سبباً في نقل العدوى لزملائهم، و لا يضم المرضى المتواجدين بوحدات غسيل الكلى مثلاً ممن يترددون يوميا على تلك المستشفيات !

و يبقى السؤال .. إذا كان الطبيب (فرضياً)  قادراً على شراء ما ينقصه من مستلزمات الوقاية الشخصية، فهل سيستطيع طاقم التمريض شراء ما قيمته خمسون جنيها يوميا ًمن الكمامات و القفازات، أي ما يعادل ١٥٠٠ جنيها شهرياً، بسبب نقص تلك المستلزمات و عدم توفير الوزارة للكميات الكافية لهم، بل و إصدار منشورات رسمية من بعض مديريات الطب الوقائي بالمحافظات بقصر استخدام تلك المستلزمات على "نوبتجية الاستقبال فقط نظراً للنقص الشديد فيها" !!

و لا مانع عندي من الاعتراف بحقيقة محدودية موارد وزارة الصحة، و لكن يبقى السؤال : لماذا لا تطلب الوزارة دعم القوات المسلحة و رئاسة الوزراء في توفير تلك المستلزمات و تصر أن كل شيء على ما يرام ؟

لماذا لا تطلب الوزارة دعم القوات المسلحة لتعقيم تلك المستشفيات بصورة دورية و احترافية بدلاً من اللجوء إلى مسح الأرضية فقط بواسطة "جردل الدادا أم محمد اللي عليه نقطتين كلور من الجركن اللي لازم يكفيها شهر"  و لتذهب الحوائط و الأبواب و الشبابيك و الأجهزة و المقاعد و الأسرة و من يستخدمونها و يلامسونها إلى الجحيم، لا لشئ إلا بسبب أن مدير المستشفى الموقر لا يريد أن يطلب من الوزارة ما يبين أنه غير قادر على إدارة موارده، و أن يؤكد في تقريره أن كل الأمور على ما يرام و أنه ليس هناك من هو أكفأ منه لتسيير الأمور !

و هنا يظهر سؤال ٱخر .. فهناك بالتأكيد من يقوم بالتفتيش الدوري على تلك المستشفيات ليرى ما إذا كان تقرير ذلك المدير " اللي ماجابتوش ولادة" صحيحاً أم لا !

و الإجابة طبعاً أن هناك تفتيشاً دورياً، و لكن القائمين عليه من فئة موظفي الديوان في أفلام نجيب الريحاني القديمة، فهم لا يهتمون سوى بمراجعة دفاتر الحضور و الانصراف، و تعنيف الأطباء على عدم نظافة وحداتهم التي ليست من اختصاصهم من الأساس، بل و تحويل الصيادلة للتحقيق بسبب توقف ثلاجة الأدوية عن العمل بسبب حاجتها للصيانة و كأنه من واجبات الصيادلة أن يقوموا بإصلاح المعدات على نفقتهم الخاصة بعد فشل الإدارة و المديرية و الوزارة في توفير الموارد اللازمة لضمان استمرار عمل كافة المعدات و التجهيزات بالصورة المطلوبة

لن أخوض طويلاً في إثبات صحة ما أدعيه من إصابة المئات من الطواقم الطبية في غير مستشفيات العزل بالعدوى، فكل ذلك قد تم إعلانه رسمياً، و نشره في كل وسائل الإعلام باعتراف الحكومة نفسها ممثلة ً في وزارتي الصحة و التعليم العالي و المحافظين بل و مكتب مستشار الرئيس لشؤون الصحة و الوقاية، و هو ما تم الإفصاح عنه في مستشفيات كتيرة مثل الزيتون والمطرية والزهراء الجامعي ومعهد القلب ومعهد الاورام و الفيوم العام، و أخيراً مستشفى بولاق الدكرور العام بالأمس والتي تم إثبات إيجابية عينات ما يزيد عن خمسين من طاقمها الطبي، كما هو منسوب لمصدر مسؤول بوزارة الصحة في تصريحه لجريدة اليوم المرخصة من المجلس الأعلى للإعلام، و هو بالتأكيد بسبب ما ذكرته من عدم توافر مستلزمات الوقاية الشخصية، بالإضافة إلى سعي إدارات تلك المستشفيات إلى التكتم الشديد و إنكار وجود حالات مشتبه بها، و تصدير مشهد الكمال التام لدرجة الإصرار على استمرار من خالطوا تلك الحالات في العمل حتى ظهور نتائج عيناتهم حتى تتفشى العدوى بين الطواقم الطبية وتخرج الأمور عن السيطرة و يصبح إغلاق المكان بالكامل حتمياً، كما حدث في أكثر من منشأة طبية، لتفقد مصر و الحكومة بالتالي الكثير من قدرتها على مواجهة الأزمة!

نعم .. ‏رغم اعتراضي على تراخي السلطات التنفيذية والمحليات في تطبيق إجراءات الغلق مما أدى لعدم فاعليتها بالصورة المطلوبة و زيادة أعداد الإصابات بصورة كبيرة خلال الفترة الماضية،  إلا أن الإجراءات الاقتصادية التي قامت بها الحكومة للتخفيف من حدة الأزمة و المجهودات الضخمة التي تقوم بها القوات المسلحة للتطهير و التعقيم لا يمكن إنكارها، و تدل على تواجد من يستطيعون إدارة الأمور باحترافية و حكمة، و لكن في المقابل، يبقى أداء المسؤولين بوزارة الصحة غير قادر على الارتقاء للمستوى المطلوب من الحنكة و الاحترافية و حسن الإدارة و القيادة في تلك اللحظات الحاسمة من تاريخ الوطن مما يعرض حياة المواطنين والأطباء والممرضين والعاملين و المرضى ومستقبل مصر كلها في ذلك الوقت العصيب من تاريخها لخطر كبير، ، وهو ما يتطلب في رأيي تدخلاً رئاسياً مباشراً للتحقيق في الأمر

حفظ الله مصر !


No comments:

Post a Comment