Friday, January 3, 2020

اغتيال سليماني .. و المسرحية الأمريكاني !



إيهاب الشيمي:

يبدو أن واشنطن قد سئمت من تصرفات طهران التي خرجت عن سياق تحقيق  مخططاتها للمنطقة إلى تحقيق طموحات خامنئي التوسعية المدعومة بأحلام امتلاكه للسلاح النووي!

في وقائع سابقة، كان الأمر أكثر سهولة حين تعلق الأمر بالتخلص من أدوات الولايات المتحدة للعبث بالمنطقة و إعادة رسم خريطة التحالفات و مراكز القوى بل و الحدود السياسية أحياناً، فتم قتل بن لادن زعيم القاعدة ثم قتل البغدادي خليفة داعش، و اغتيال جيمس لاميزورييه مؤسس الخوذات البيضاء في سوريا، و نهايةً بالتخلي عن الأكراد ليذبحهم أردوغان بدم بارد بعد أن كانوا ذراع واشنطن ضد الأسد و ذريعتها لنشر قواتها بشمال سوريا و شرق الفرات لوقف التمدد الروسي هناك ..

 و لكن الأمر ليس بهذه السهولة هذه المرة .. 
فلا يمكن لإدارة ترامب شن حرب على إيران رداً على قصف أرامكو في هجوم لم يمكن حتى الآن تحديد منفذيه و أماكن انطلاقه بشكل قاطع، و لا يمكن لها بالطبع شن هجوم على إيران لاحتجازها بضعة ناقلات للنفط لا تحمل علمها من الأساس، و لا يعد بسط طهران لسيطرتها على أروقة صنع القرار في عدة عواصم عربية مبرراً مقنعاً للتحرك عسكرياً ضدها أيضاً !

الأمر هذه المرة يتطلب الكثير من استعراض القوة، و منح القليل من الخيارات لمن يريدون تحييده و لن أقول التخلص منه كي لا يعتبرني البعض مسهباً في التفاؤل، أو مبالغاً في تقييم الأمور ..

و لا أظن أن أمراً غير اغتيال قاسم سليماني كان سيحقق تلك الشروط التي أظهرت الولايات المتحدة بمظهر القوة العظمى التي لا تتوانى عن فعل ما يحمي مصالحها حتى لو كان اغتيال رجل طهران القوي و عراب سياستها العسكرية و التوسعية في المنطقة، بالإضافة إلى حصر ذلك الفعل لخيارات طهران في ثلاثة خيارات فقط أحلاهم مر:

الأول هو القيام برد فعل أحمق ضد المصالح الأمريكية مباشرةً بما يبرر ضربة شاملة ضد القدرات العسكرية الإيرانية تمتد ٱثارها لشل أذرعها في المنطقة و إعادة عجلة الزمن عشرات السنوات للوراء فيما يخص تمدد الثورة الإسلامية في الدول العربية و خاصةً في لبنان و العراق و سوريا و اليمن، و هو ما سيمنح واشنطن الفرصة لتأسيس نظام جديد موالٍ لها في طهران يمكنها من الاستمرار في تنفيذ مخططاتها و لكن من خلال التوافق و ليس المواجهة و استنزاف موارد من يعدون أنفسهم حلفاء واشنطن هذه المرة !

و الثاني, وهو الصمت و الاكتفاء بإطلاق التهديدات الجوفاء بالانتقام و إلقاء أمريكا و حلفائها في الجحيم، مما سيفقد نظام الملالي هيبته داخل إيران نفسها و يسرع من وتيرة انهياره تحت وطأة الاحتجاجات و الثورة ضده، و الوصول بالتالي لنفس نتيجة الخيار الأول، و لكن بأيدي الشعب الإيراني و ليس صواريخ توماهوك !

و الأخير، و هو إدراك العقلاء في النظام لحجم المأزق و تجنب هذين الخيارين و الرضوخ للمنطق بما يحفظ ماء وجه النظام ثم القبول بالجلوس إلى مائدة مفاوضات مع الولايات المتحدة يعاد من خلالها رسم طريق جديد لطهران يضمن أولاً مصالح واشنطن و يؤمن بقاء النظام، و لو بشكل هش، و يحول دون انهياره !

في النهاية، لا أوافق من يعتقدون أن العملية مجرد تصرف أخرق من ترامب، بل هي خطوة تم الإعداد لها بشكل في غاية الدقة و منذ زمن ليس بقصير بواسطة العديد من الأجهزة السيادية داخل الإدارة الأمريكية!

لا أدعي إمساكي بخيوط اللعبة، أو إدراكي لكل ما هو خلف الكواليس، و لا أطلب منك عزيزي القارئ أن تتفق معي في كل ما ذهبت إليه في تحليلي هنا، و لكن ما أنا متأكد منه قطعاً، هو النجاح منقطع النظير لعرض فصول المسرحية الأمريكية في الشرق الأوسط، والتي بدأت بخروج الخوميني من باب الطائرة  الجامبو الفرنسية في مطار مهر أباد بالعاصمة طهران عام 1979 ليبدأ رحلة تدمير المنطقة و إعادة تشكيلها من جديد تحت عباءة نشر الثورة الإسلامية، بينما  نبقى نحن العرب دائماً في مقاعد المشاهدين في انتظار مشهد النهاية التي لا يبدو أنها قريبة !

No comments:

Post a Comment